العدد 5149 - الثلثاء 11 أكتوبر 2016م الموافق 10 محرم 1438هـ

حتى لا نمشي على القاذورات

هناء بوحجي comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

راعني منظر القمامة ومختلف أنواع الفضلات من بقايا الأكل والعلب والصحون والكاسات الورقية المستخدمة وأعقاب السجائر وغيرها التي كانت تملأ شوارع سوق واقف بمدينة حمد، في وقت مبكر من صبيحة أحد أيام عطلة نهاية الأسبوع. بدت الشوارع وكأن أحدهم قد أفرغ مكبات القمامة في الشوارع، وحرص أن يصل بهذه القمامة إلى كل طرقات وزوايا السوق.

ولكن الواقع أن هذه القاذورات لم تحتج لأحد أن ينثرها، فقد ساهم أصحاب المحلات في السوق، ولا فرق هنا بين المطاعم ومحلات الألبسة أو البقالات أو محلات العطور، كل في موقعه، برمي قمامته والعلب الفارغة، وكافة المخلفات والفضلات اليومية أمام محله. وزاد عليها المتسوقون الذين يعتبرون كل الشوارع مكباً لقمامتهم سواء المتسكعين على أقدامهم أو مستخدمي السيارات الذين أصبح منظر الكثيرين منهم مألوفاً، وهم يجمعون القمامة من سياراتهم أثناء انتظارهم لـ»طلبية العشاء»، ثم يرمونها في الشارع بما فيها أكياس القمامة الصغيرة التي يحتفظون بها في سياراتهم لإبقائها نظيفة.

ذلك الصباح ليس استثناءً عن أية أيام أخرى سوى أنني إما أن أكون قد وصلت قبل وصول عمال النظافة، أو أن عمال النظافة كانوا ككل الموظفين في إجازة نهاية الأسبوع.

كما أن سوق مدينة حمد نفسه، أيضاً ليس استثناء من شوارع وأحياء كثيرة في البحرين، وكذلك أماكن التنزه والمشي والترفيه، حتى بات الكثيرون ينفرون من ارتيادها لهذا السبب، على رغم أهميتها خصوصاً مع اتجاه الأسر الحديثة للسكن في الشقق التي يحتاج أصحابها للترويح عن أنفسهم في المتنزهات القريبة من أماكن سكنهم.

في العام 2004 كتبت عن دهشتي من رد بائعة في كشك المجلات والحلويات في مطار أمستردام، عندما سألتها عن مكان بيع العلكة بعد أن بحثت عنها ولم أجدها، قالت: «نحن لا نبيع العلكة في المطار»، فسألتها مستغربة عن سبب ذلك، فردت بفخر: «لأننا نحافظ على أرضية مطارنا». حينها لم يغادرني استغرابي، فألححت في السؤال يدفعني إدماني على العلكة عن توقيت صدور القرار. فقالت: «على الأقل منذ 17 عاماً، هو الوقت الذي التحقت به في العمل بالمطار».

بعدها وحتى كتابة هذا المقال، وقد مرّ على قرار مطار أمستردام منع بيع العلكة للمحافظة على نظافة أرضيته نحو 30 عاماً، أصبح يلفتني منظر العلكة وأعقاب السجائر على أراضي مجمعاتنا التجارية الفخمة، وحول بواباتها، يرميها أشخاص مهندمون ومثقلون بأغلى الساعات واكسسوارات الموضة، غالية الثمن وتفوح منهم أرقى العطورات.

وعودةً إلى مدينة حمد التي أُريدَ لها أن تكون مدينة حديثة، بمرافق تسوّق منسقة تستقبل القادمين إلى المدينة من مدخلها الرئيسي، كما قيل في بداية إنشائها، فلم أرها منذ أن انتقلت للعيش فيها قبل 16 عاماً إلا نموذجاً واقعياً للعشوائية ولقذارة الشوارع، ويزداد تردياً كلما تقدمنا في الزمن. حتى اعتاد الناس وركنوا إلى أن هذا هو المستوى الذي ستكون عليه مدينتهم دائماً، وعليهم التعايش معه.

وإن كان الحديث عن مدينة حمد، المدينة الحديثة التي تقطنها العائلات بهذا السوء، فلنا أن نتصور أحوال المناطق القديمة التي نزح منها سكانها الأصليون بعد أن ضاقوا بتكدس بيوتها بالأجانب، واجتمع الفقر المالي والحضاري في أحيائها حتى لم تعد مناسبة للسكن اللائق.

لن يكون مقبولاً القول إن الكثافة السكانية الآخذة في النمو، وعدم مواكبة التطور الثقافي والحضاري للسكان من مواطنين ومقيمين لها، هي السبب الوحيد في هذا الوضع المتردي، إذ لابد من أن تكون الجهات المعنية متأهبة لهذه التحولات والإعداد للتعامل معها. ولا يكفي أن يتم تعيين شركات نظافة يكنس عمالها فضلات لا يجب أن ترمى أصلاً.

ليس من المعقول أن تعلمنا المدرسة في السبعينات والثمانينات أن ننظِّف أدراجنا وصفوفنا، ونتسابق لنقوم بمهمة الإشراف على نظافة فناء المدرسة قبل انتهاء الفسحة، وبذلك تربي فينا أهمية الشعور بالحرص على نظافة وترتيب المكان لكوننا ننتمي إليه، ثم تأتي أجيالٌ بعد أربعة عقود لا تكترث بالمشي على القمامة، وكأنها عابرة وليست مقيمةً في المكان ومنتمية إليه. فالمدرسة لم تكن لتنجح قبل عقود لولا أن المجتمع بكامله من حولها يرى نفسه متحضراً، ويدعم في سياق الفخر بنفسه هذا، سلوك المحافظة على البيئة ونظافتها الذي بدوره كان يتطوّر في إطار التطور العام الطبيعي في جميع نواحي الحياة.

علينا الاعتراف بأن هذا التطور لم يتوقف فقط؛ وإنما تراجع وهذا بالتأكيد لا يضعنا في المكان اللائق والمتحضر الذي نتمنى أن نرى فيه أنفسنا وبلدنا التي نربي فيه أبناءنا، ونكون فيه على استعدادٍ دائمٍ لاستقبال ضيوفنا بفخر من أي مكان في العالم.

ولن نتمكن من تنبيه المجتمع لأهمية إبقاء الأماكن العامة التي يستخدمها، ابتداءً من الشارع الذي يمر أمام باب بيته نظيفة ومرتبة، حتى تكون أدنى مخالفة لذلك باهظة الثمن، كفرض غرامات عالية كما فعلت إدارة المرور وأحدثت تطوراً لا يخفى في جودة قيادة المركبات. على أن يتم توجيه ما يجمع من هذه الغرامات لتطوير المرافق التي يفسدها السلوك غير المسئول.

الأهم، اعتبار هذا الحل السريع حلاً قصير المدى مهمته فعل الصدمة للمجتمع لينتبه للوضع الذي وصل إليه. على أن يتوازى ذلك بتنظيم حملات جادة ومكثفة في كل مؤسسات المجتمع الحكومية والخاصة لبناء ثقافة الاهتمام بالبيئة المحيطة ونظافتها. نحن نكون دائماً سفراء لبيئتنا العائلية في العالم الخارجي، ويفشي سلوكنا أسلوب حياتنا كالمرآة تعكس مدى تحضرنا، لكن لا بأس أن اختلت الموازين وتولّدت لدينا حاجة ملحة الآن، نبني سلوكاً متحضراً تجاه البيئة الخارجية لدى كثيرين، كي ينعكس فيما بعد على أسلوب حياتهم الخاصة.

المهم في الأمر المحصلة النهائية التي توفّر لنا بحرين نظيفة يسير في شوارعها شعب متحضر، ومحب يحافظ عليها كما يحافظ على غرف بيته.

إقرأ أيضا لـ "هناء بوحجي "

العدد 5149 - الثلثاء 11 أكتوبر 2016م الموافق 10 محرم 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 7:46 ص

      مفرط الإفساد # والإمعان في المبالغة فيها ..نعم حقوق الإنسان التي لا إعتراض عليها كمبدأ اساسي هام إن احترمت اهمية صلاح الفرد ايا كان وتحليه بالأخلاق والالتزام .. فأن صلح تطبيق هذا المبدأ صلح الفرد .. وجهة نظر..

    • زائر 8 | 7:45 ص

      مناخ عام للشعور بالمسئوليه والانتماء لدى السكان، وهي بداية الوصول لمدينة نظيفة ونظامية.
      فمثلا سنغافورة تسن قوانين النظافة وتطبقها
      مجتمع يحترم ذاته يسنّ قوانين جماعية لحماية المجتمع.. هكذا تبنى الثقافة والوعي المجتمعي.. اذا لم نبدأ بأنفسنا بمحاربة السلوكيات السيئة لن تقوم لنا قائمة.
      ولي رأي يبدو بعيدا عن الفكرة ولكنه أصلها وفصلها وظاهرها وفحواها.
      رغم التبطر وتجاوز أطر التربية والتعدي على اللائق وغير اللائق التي تنتهجها صرعة حقوق الأنسان/ الفرد/ الطفل .. الخ.. # الموجودة أصلا دون الترويج مفرط

    • زائر 7 | 7:44 ص

      تابع (٢) وعليه فأن وجود قوانين صارمة ومنظومة تنظيف جيدة للأماكن العامة في تلك المدينة يساعد كثيرا في الإسراع بالوصول للهدف ويجب التأكيد هنا أنه لايمكن لمنظومة نظافة كبيرة أن تنجح دون العمل على عنصر الموارد البشرية. ولا تصل مدينة بشوارعها وأماكنها العامة لمستوى نظافة عال دون المرور على زرع أو ترسيخ عادات وسلوكيات للسكان، تؤكد على أهمية الحفاظ على النظافة بدء من تنظيف البيت والحفاظ على نظافته وانتهاء بالحفاظ على نظافة الأماكن العامة. أي أن حزمة القوانين والأنظمة التي تضعتها الدولة يمكن أن تخلق

    • زائر 6 | 7:28 ص

      وجهة نظري + مقتطفات غوغليه مستوحاه بتصرف..
      (١)يبقى الحفاظ على نظافة المكان أمرا يعتمد على مدى التعود عليه، فمن يعتاد على نظافة تبدأ بنظافة ذاتية للجسم والملابس والمتعلقات الخاصة، وصولا إلى نظافة السكن، والتعود على تنظيف البيت المستمر، لا يجد صعوبة في الالتزام بنظافة شوارع مدينته والأماكن العامة، فالأمر عبارة عن سلسلة متصلة متواصلة من السلوك الإنساني. ما يعني أن الوصول بمدينتك لمكانة عالمية من حيث النظافة يعتمد بشكل كبير على سلوك الأفراد واستمراريتهم بالالتزام بالنظافة خارج منازلهم أيضا. يتبع

    • زائر 5 | 12:05 م

      المسألة تحتاج إلى نظام إداري يعطي سلطة أكبر للبلديات و هذا بدوره سينعكس على كثير من الأمور من بينها نظافة المناطق لأن سكان تلك المناطق سيكونون أكثر التفاتا لها و للاهتمام بمناطقهم إذا أعطوا الفرصة، يجب تحديد الميزانيات للبلديات و السماح لها بالاستثمار و قبول تبرعات الأهالي و توقيع العقود. و تكون فيه المجلس البلدي جزء من الحكومة كأن يكون له اجتماع دوري برئاسة رئيس الحكومة أسبوعيا. و يكون رئيس الحكومة أونائبه هو رئيس مجلس البلديات و هذا ممكن في البحرين و أتمنى ذلك.

    • زائر 4 | 11:56 ص

      المناهج لا تحتوي مثلا على مواضيع مهمة تشكل معضلات عالمية مثل مشكلة البلاستيك و أثره و كيف نخفف منه وواجبنا نحوه ، و طريقة الاستفادة العملية من مخلفات البلاستيك، القمامة العضوية و طريقة الاستفادة منها و كثير من الأمور الموجودة في مناهج الدول المتقدمة. هذه. كلها أمور في وعي طالب الابتدائية في اليابان مثلا لكن لا تجدها عندنا نحن أتباع الدين الذي يحث على النظافة و استغلال الموارد.

    • زائر 2 | 12:47 ص

      المعايير تغرس منذ الصفر. الوعي الاجتماعي للمحافظة علي نظافة الأماكن العامة مفقود مفقود مفقود .
      سيري خلف الباصات التي تنقل الطلبة و الطالبات و عدي ما يرمونه من النوافذ. عندها سوف تقتنعين بفقدان الوعي الثقافي. هؤلاء و تصرفاتهم يصور لنا مستقبل النظافة في المستقبل.

اقرأ ايضاً