العدد 5150 - الأربعاء 12 أكتوبر 2016م الموافق 11 محرم 1438هـ

الإقناع... الترهيب أحد الأساليب السائدة!

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

لا إقناع من دون اتصال. من دون أداة، سواء كانت كتابة أو شفاهة أو من خلال إحدى الأداتين أو كليهما: سمعية وبصرية، تعمل عملها في إحداث تأثير على سلوك أو اعتقاد أو اتجاه، ولذلك أدواته من صلابة الحجَّة وترتيب المنطق.

بعض المواقف يُمكن لها أن تُقدِّم لنا صيغة إقناع بتبنِّيها. ليس بالضرورة أن نكون على صلة مباشرة بأطراف المواقف تلك. ما ينقصنا هو بحدِّ ذاته درس، ولا أحد في الدنيا لا يريد أن يكمل ذلك النقص، أو على الأقل تخفيفه. ومن لا يريدون ذلك، يجب التعامل معهم باعتبارهم حالات خاصة؛ لأنها ترى أنها أول العالم ومنتهاه؛ فيما الواقع، وطبيعة الحياة وحركتها تشير إلى عدمهم، شاءوا أم أبوا.

كثير من الخيارات التي نتخذها في الحياة ليست بالضرورة خاضعة لموازين ومقاييس العقل؛ إذ هي في أغلبها تنتج عن قدرة العاطفة على استمالة صاحبها. بعض تلك الخيارات قد تحمل في طياتها منجاة، وبعض قد يكون على الضد من ذلك. وكثير ما يقف العقل عاجزاً عن وضع بعض خياراتنا أمام اختبار ومساءلة وحسم المنطق لها.

وفي الكلام عن الإقناع، نحن أمام كثيرين لا يتخذونه منهجاً لاستمالة من حولهم، أو أولئك الذين يختلفون معهم، ربما في أقصى درجات الاختلاف. فثمة من يرى القوَّة أداة إقناع. القوة بكل ما يتفرَّع عنها: الترغيب أداة من أدوات القهر والقوة في كثير من الأحيان، تماماً كما هو الأمر مع الترهيب، مع اختلاف الأدوات، لكن النتيجة واحدة: الإخضاع، والاحتواء على أقل تقدير، إذا أردنا تخفيف حقيقة النتائج والمآلات.

في هذا السياق نقف على رؤية أرسطو: «إن الإقناع يحدث عن الكلام نفسه إذا أثبتنا حقيقة أو شبه حقيقة بواسطة حجج مقنعة مناسبة للحالة المطلوبة»، وللوصول إلى درجة الإقناع لابد أن تكون على معرفة دقيقة بالانفعالات والأهواء، والإطار العام لكل ذلك: أن تدرس الطبيعة البشرية لطرف الإقناع، والوقوف على مدى إمكانياته في التفكير المنطقي؛ إذ نحن أمام براهين وأقيسة، تعزِّز صحة الفكرة وتجنيبها الوقوع في التناقض أو الخطأ.

وبالعودة إلى الذين يجترحون طرقاً وأساليب غير معتادة في الإقناع، نقف على اللامبالاة عندهم في المقام الأول، وخصوصاً إذا ما كانت القوة هي التي تحكم ما يُراد الوصول إليه، وهي ما تحقق النتيجة: العسف، والقمع، والخروج على شرعة العقل والبشر، في امتهان الكرامة والقيمة الإنسانية. لا يتحقق إقناع هنا بالنسبة إلى الطرف المُراد له الاقتناع، بقدر ما تتحقق ظروف وأجواء وممارسات تدفعه إلى القبول بما يُملى ويُفرض عليه، انتزاعاً من حقه في الخيار، وانتزاعاً من حقه في القبول والرفض، أو حتى التوافق، من دون مؤثرات خارجية، مهما كبرت أو صغرت.

ولذا لا ينأى الأديب والشاعر والروائي الفرنسي، فيكتور هوغو عن الحقيقة تلك في روايته البؤساء التي يَرِدُ فيها «لا شي أكثر حماقةً من إخضاع الآخرين. الفوز الحقيقي أن تستطيع إقناعهم»، لكن ما يحدث أن الحماقات هي السائدة في هذا الباب بالممارسة التي تكاد تتحول إلى شرعة وأسلوب حياة وتعامل.

وتتبدَّى الحماقة في إخضاع الآخرين في عدم ضمان استمرار الظروف التي أنتجت مثل ذلك الإخضاع، لكن الإقناع الذي يتلمَّس طرقه وأساليبه المنطقية لتحقيق نتيجة يتفق عليها الطرفان، وتراعي مصالحهما، وإن تغيَّرت ظروفه ومؤثراته الخارجية، لن تكون بذلك السوء الذي يشكِّل تهديداً لوجود أي منهما.

الإعلام هو الآخر، يمارس اليوم أدواراً جهنمية في تحريف القناعات، ومحاولة استبدالها بما يُراد تمريره وتثبيته، وجعله حقيقة مصطنعة وقائمة، وكلما تعمَّقت ممارسات ذلك الإعلام في هذا الاتجاه، كلما تكشَّفت طبيعة ذهنيات الذين يقفون وراءه، والنتائج التي يرمون إلى تحقيقها.

وفي النهاية «قد يسمع الناس كلماتك، لكنهم لن يشعروا إلا بمواقفك»، بحسب خبير القيادة والمتحدث والمؤلف العالمي المعروف جون سي ماكسويل.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 5150 - الأربعاء 12 أكتوبر 2016م الموافق 11 محرم 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 6:03 ص

      كلنا يمارس القمع بحسب طاقته ... لو كنا مكان الطغاة لصنعنا مثلهم الا من رحم ربي ... وش رايكم ؟!

    • زائر 3 | 3:45 ص

      صحيح القناعة كنز لايفنى بس لابد من مطالبة عن حقوقنا المسلوبه ومطالبة بافراج عن معتقلينا الابرياء والله افرج عنا بحق الحسين عليه السلام وشكرا استاد جعفر

    • زائر 2 | 1:57 ص

      الضمير معطل

      هم مجرد آلات تعمل وفق التوجيه لاضمير يعمل ولا رأي لهم فيما يطلب منهم تأديته هم عصي ضرب وفرض وقمع وسحل وقتل فقط

    • زائر 1 | 11:08 م

      لعلهم يفقهوون.اما انا فلا اراهم حتى يشعرون.

اقرأ ايضاً