العدد 5154 - الأحد 16 أكتوبر 2016م الموافق 15 محرم 1438هـ

الاقتصاد نصف المعيشة

صالح حسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في مقال سابق تطرقنا لموضوع غياب التخطيط للمستقبل من قبل الأفراد. وكانت الفكرة الأساسية في ذاك المقال، عدم إعطاء الأفراد أنفسهم الفرصة للتخطيط لمستقبلهم ومستقبل أفراد عوائلهم. وفي هذا المقال، سنتحدث عن عدم التخطيط المالي والتبذير فيما نصرفه، دون النظر إلى نتائج التبذير السلبية. إن الحالة المالية لمعظم الناس ليست على ما يرام، وهذا شيء متفق عليه، ومعروف لدى الجميع. والحديث عن التوفير وعدم التبذير قد يعد من قبل البعض ترفا لا داعي لطرق بابه، ولا داعي لتقليب المواجع.

ولكن بالمقابل، نرى أن الوضع المالي غير الجيّد، يستوجب، بل يعطي الفرصة لنا، لمراجعة أمور الصرف عندنا، ومحاولة الاقتصاد فيما نصرفه، واختيار اللازم من متطلبات الحياة للصرف، ضمن القدر المتاح من الميزانية الذي تسمح به ظروفنا المالية.

القروض الشخصية ومصاريف المعيشة ومصاريف تعليم الأولاد كلها من لوازم العصر الذي نعيشه، ولا أعتقد بأن أحدا يستطيع الاستغناء عن مثل هذه المصاريف. أضف إلى ذلك مجموعة التلفونات والأجهزة الذكية الثابتة منها والمحمولة، وما يصاحبها من كلفة تعيش عليها شركات الاتصالات، وتتفنن بتقديم الخدمات التي تساعد الأفراد على اقتناء المزيد منها، وبالتالي تكبّد مصاريف إضافية من قبل المستخدمين. مع العلم بأن فواتير تلك الخدمات يتحملها في الغالب أولياء الأمور، وخصوصا اذا لم يوفق الأبناء في الحصول على وظائف، أو أن رواتب الأبناء لا تكفي لاقتناء الخدمات المقدمة من شركات الاتصالات.

يغلب على قراراتنا بما يخص المصاريف ما يقوم به الآخرون، القادرون وغير القادرين ماليا، ومعظم الناس تقوم بعملية تقليد منظمة لما يقوم به الآخرون، بغض النظر عن مدى قدرتهم المالية على تقليد الغير. كما أن هناك بعض أولياء الأمور ينظرون إلى أن أبناءهم وبناتهم على أنهم ليسوا أقل شأنا من الآخرين، ولذلك يتحملّون الكثير لمجاراة الغير في صرف مبالغ على الأجهزة والسيارات وغيرها -مع العلم بأنهم ليس لديهم القدرة المالية- فقط حتى لا يعتقد أولادهم أو بناتهم بأنهم غير قادرين. وفي سبيل ذلك يقترضون كثيرا ويحملّون أنفسهم فوق طاقتهم المالية.

وهناك أمر آخر يغيب عنا ولا نخطط له، وهو موضوع التسوق من المحال التجارية. فالسوبرماركت مليئة بما لذ وطاب من الأكل والشرب وغيرهما. فإذا ذهبنا هناك من غير قائمة بالمشتريات المطلوبة، ففي الغالب أننا سنشتري أكثر من حاجتنا من الأكل والشرب، والذي قد يرمى معظمه بعد أيام. وهناك بعض منا يذهبون بقائمة بما يودون شرائه، ولكن في الغالب يعودون إلى بيوتهم محملين بأكثر من ضعف ما هو مدوّن في القائمة. وتزيد الحمولة عندما نكون مصحوبين بالأبناء أو بعضهم، حيث يصبح الهدف ليس شراء الحاجات الموجودة في القائمة، بل ملء عربة التسوق. وعليه يكون الفرد منا قد صرف معظم المعاش الشهري في رحلة تسوّق واحدة، وقد يبقى بقية الشهر في حالة أقرب إلى الإفلاس.

إن عملية التوفير في المصاريف وشراء اللازم فقط، والتصرّف في حدود الإمكانات المالية هي ثقافة بحد ذاتها. والسبيل الأنسب لممارستها هي تعويد أنفسنا على احترامها، وتدريب الأبناء والأولاد عليها. من غير نشر ثقافة التوفير وعدم التبذير لا نستطيع التخلص من تبعات سلبية وآثار كارثية على ميزانياتنا المحدودة.

هذه بعض الأمور التي يمكن النظر فيها للتوفير في بعض مصاريفنا والتوفير فيها:

- إلزامية التأمين على السيارات أمر نقوم به بأتوماتيكية طبيعية، لأنه إلزامي وليس لنا خيار في التخلي عنه. ولكن القليل منا من يفكر في أنواع أخرى من التأمين، التي هي غير إلزامية ولكنها مهمة جدا. التأمين على محتويات المنزل، ومن مخاطر الحريق، وتسرب المياه والأعطاب الكهربائية، هي أمور لا نعيرها اهتماما، مع أنها قد توفر علينا الكثير من المصاريف حين حدوث أي منها؛ لأن شركات التأمين تتولى دفع الفواتير المتعلقة بهذه التغطية عند حدوثها. وفي الغالب تكون كلفة التأمين على البيوت والمحتويات معقولة اذا ما قورنت بالمبالغ التي ندفعها حين حصول الأعطاب في المنزل. كما يمكن التوفير في المصاريف غير الضرورية للتأمين على المنازل.

- التأمين على الحياة وتغطيه مصاريف العلاج وتعليم الأولاد عندما يصلون إلى مرحلة الدراسة الجامعية، هي أيضا أنواع من التغطية تساعد على خفض الكلفة والتوفير المستقبلي لصالح أفراد العائلة.

وأنا أقدم الاقتراحات المذكورة أعلاه، على علم تام بمحدودية الميزانية الفردية للأشخاص، وأن معظمهم يحاول جاهدا تغطية المصاريف اليومية للمعيشة. وأنا على مستوى شخصي عانيت كثيرا في أمور التوفير، ولا ادعي أبدا أنني تمكنت تماما من ضبط أموري.

ولكن يظل التوفير مهما في حياتنا، ويحتاج إلى ثقافة معينة وإيمانا بأهميته وتوعية أفراد العائلة بما يعود عليهم من ممارسة عادة التوفير. فإذا تربى الأولاد على ثقافة التوفير تكون حظوظهم أفضل في المستقبل، في التوفير وتقليل التبذير.

نأمل في مقالات قادمة التطرق إلى تجارب بعض الدول في التوفير وأساليب التوفير.

إقرأ أيضا لـ "صالح حسين"

العدد 5154 - الأحد 16 أكتوبر 2016م الموافق 15 محرم 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً