العدد 5162 - الإثنين 24 أكتوبر 2016م الموافق 23 محرم 1438هـ

رواد الإصلاح الشيعي

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

شهد العالم العربي مطلع القرن العشرين، هجمةً شرسةً من الناحية السياسية والعسكرية، والاقتصادية والفكرية، بحيث استنفر المفكرون وعلماء الدين للدفاع عن حياض الأمة.

مع نهاية الحرب العالمية الأولى، كانت الدولة العثمانية قد سقطت، وتوزّعت فرنسا وبريطانيا أسلابها وغنائمها. وواجه العرب هزةً عنيفةً في الداخل، من جهة التشكيك في دينهم وثقتهم بذاتهم وانتمائهم الحضاري. وهو الواقع الذي نعيشه اليوم، مع تقويض المنطقة وإشغالها في الحروب والفتن والنزاعات الطائفية.

في تلك الفترة، تصدّى العلماء والمثقفون للموجة الغازية، وتولّوا تحصين الأمة أمام المد العاتي، وسعوا لإعادة تقديم التاريخ للجيل الجديد، مثل طه حسين الذي كتب عن السيرة، والعقاد في عبقرياته، ومحمد حسنين هيكل عن «محمد»، وأحمد أمين في فجر وضحى الإسلام، وحتى بعض كتابات توفيق الحكيم. ونتكلّم عن مصر لأنها كانت أم العرب، وحاضنتهم وقاطرة سفينتهم.

في خطٍ موازٍ، كانت الحواضر الشيعية في الشام والعراق تشهد عملاً مماثلاً، ومراجعة داخلية للتاريخ الذاتي، الذي تمثل واقعة كربلاء قلبه وجوهره وقطب رحاه. وبرزت في ميدان الإحياء الديني أسماء مثل المحقق عبّاس القمّي المولد والمتوفى في النجف 1940، وهو صاحب أشهر كتاب أدعية لا يخلو منه مسجدٌ أو بيتٌ شيعي: «مفاتيح الجنان»، ليكتب عدة مؤلفات في السيرة الحسينية.

وكان لافتاً جداً اهتمام السيد محسن الأمين، وهو من أكبر المصلحين في التاريخ الشيعي المعاصر، بالكتابة عن السيرة. فهذا الرجل الذي وُلد في جبل عامل (1865) واستوطن دمشق ودُفن بجوار مقام السيدة زينب بريف دمشق (1952)، شارك في الثورة العربية الكبرى. وقد اهتم بإصلاح المنبر الحسيني، وحارب الممارسات الدخيلة على التشيع ولقي جراء ذلك مقاومة عنيفة وتعرّض للتشهير والتكفير، ليس من قبل العامة فحسب وإنّما من بعض رجال الدين، ولم يشفع له عندهم إخلاصه وطولُ خدمته للدين.

الإمام عبدالحسين شرف الدين اسمٌ عاملي كبير آخر، أسهم في كتابة السيرة المنقحة. السيد وُلد بالكاظمية في العراق، وشارك في مقاومة الاستعمار بالشام فحكم عليه الفرنسيون بالإعدام وأحرقوا بيته ومكتبته، فلجأ إلى مصر حيث استقبله الوطنيون هناك، وبقي لفترة حتى عاد إلى بلاده بعدما استقرت الأوضاع. وله عدة مؤلفات خالدة كـ «المراجعات» و «النص والاجتهاد» و «الفصول المهمة في تأليف الأمة»، وتوفي في صور 1957 ودُفن في النجف. أما السيد عبدالرزاق المقرّم، وهو خطيبٌ ومحقّق، فقدّم أهم كتاب محقق مدقق للسيرة الحسينية، وتُوفي 1971 ودُفن بالنجف أيضاً.

هذه الأسماء الأربعة الكبيرة في عالم التشيع، (مرجعان دينيان، ومحقّقان كبيران)، التي تغطّي القرن العشرين، تدل على استشعار عام للخطر الفكري منذ بدايات النهضة العربية. ولذلك أولوا السيرة اهتمامهم ولم يتركوها على ما هي عليه، حيث خصّصوا جزءاً كبيراً من وقتهم وجهودهم لتحريرها من الخرافات والمبالغات والروايات الضعيفة التي حرّفت وشوّهت تاريخ كربلاء.

ليس بمقدورنا الإحاطة بكافة أطراف هذا الموضوع المترامي الأطراف، وإنّما هي إشارات عجلى تفرضها طبيعة الكتابة الصحافية، والأمر مطروحٌ للمقتدرين والباحثين الجادين للإسهام في تنقية وتصحيح التاريخ. ولاشك في وجود أسماء كثيرة أخرى نجهل الكثير منها، وأحياناً نطلع عليها بالصدفة عبر هذا المصدر أو ذاك. لكن تبقى هناك إسهامات الشيخين العامليين الكبيرين، محمد جواد مغنية، ومحمد مهدي شمس الدين، إلى جانب المرجع الديني السيد محمد حسين فضل الله.

في الطرف الآخر من المعادلة، تبرز تجربة «منتدى النشر» في العراق، التي تأسست في 1935، بهدف النهوض بواقع الحوزات الدينية والمجتمع بوجه عام. وفي 1936 وضعت خطة لتأسيس مدرسة عليا للعلوم الإسلامية باسم «كلية الاجتهاد». وفي 1951 وُضع الأساس لكلية منتدى النشر، التي أصبحت «كلية الفقه» وحظيت بدعم المرجع الأعلى السيد محسن الحكيم. وقد شكلت عدة لجان علمية، باسم «أسرة التحقيق والنقد»، و «أسرة النشر»، و «الوعظ والخطابة» التي تطوّرت إلى اقتراح فكرة إنشاء «كلية» بالاسم نفسه، إلا أنها عُرقلت بسبب مناهضة بعض الخطباء ورجال الدين، بتهمة «الخروج على شعائر الحسين وتزوير التاريخ»!

من بين هذه النخبة التي تزعمها الشيخ محمد حسين المظفّر، برز اسم الشيخ أحمد الوائلي، وهو خطيبٌ مبرّز، وأديبٌ وشاعرٌ، ودرس في النجف وتخرّج من جامعة بغداد، وحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة. وظلّ يرتقي المنبر الحسيني لأكثر من خمسين عاماً، تمدّه معرفته العلمية الموسوعية، وانفتاحه على الثقافات والمذاهب، بما أهله للقب عميد المنبر، اعترافاً بدوره في تقديم السيرة الحسينية بما يليق بها من بهاء وموضوعية، وصدق وجلال.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 5162 - الإثنين 24 أكتوبر 2016م الموافق 23 محرم 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 25 | 12:04 م

      أحسنت
      بارك الله فيك

    • زائر 23 | 7:16 ص

      يجوووون مسووووووخ وتواااافه يشتمون الوائلي رحمة الله عليه
      يختلف معكم في الرااااي لكن مو الى درجة انكم تشمتمونه يامسووووووخ
      ياجهله يا أعداء المذهب

    • زائر 22 | 7:16 ص

      الإمام عبدالحسين شرف الدين اسمٌ عاملي كبير آخر، أسهم في كتابة السيرة المنقحة. السيد وُلد بالكاظمية في العراق، وشارك في مقاومة الاستعمار بالشام فحكم عليه الفرنسيون بالإعدام وأحرقوا بيته ومكتبته ....
      =================
      يا أخي عدلوا ألفاظكم . شنهو يعني الاستعمار بالشام !؟ ما كان فيه استعمار فرنسي كان فيه اتفاقية حماية بين فرنسا ودول الشام. صححوا مفاهيمكم و عدلوا كتبكم المدرسية وبدلوا الأسماء اللي ما لها معنى - نادي الجلاء وشارع الجلاء ويوم الاستقلال وبقية الخرابيط. ما كان فيه استعمار ، فهمتون ؟

    • زائر 21 | 6:33 ص

      يجوووون مسووووووخ وتواااافه يشتمون الوائلي رحمة الله عليه
      يختلف معكم في الرااااي لكن مو الى درجة انكم تشمتمونه يامسووووووخ
      ياجهله يا أعداء المذهب

    • زائر 18 | 5:05 ص

      تطور الامةً

      لن تتطور الامة الا اذا تخلصنا من مسألة تدخل رجال الدين في الحياة العامة

    • زائر 17 | 5:02 ص

      اللي يحزن القلب, عندما يسمع الناس لمن أتى يعتلى المنابر و يتكلم بصوت المذهب الشيعي بخرابيط بعيدة كل الواقع عن اصل المذهب و يتناسى الاصل و الاسماء المخضرمة المذكورة في هذا المقال

    • زائر 16 | 4:04 ص

      نتمنى من قلوبنا الى بعض السدج والجهلة الي يكتبون وبثون الفتن والكذب لاجل مصالحهم ان ينتبهوا الى انفسهم فهناك فى الاخرة عذاب شديد انتبهو الى اقلامكم يامن طعتون فى الاشراف البحارنه وشكرا سيدنه على هادى المعلومات والله يحفض مراجعنا العظام

    • زائر 12 | 3:01 ص

      من المهم جدا حين طرح أية قضية أن يتم تداول الصورة بشكل شامل , فإن كان هناك طرفان , فيجب ذكرهما معا بكل أمانة , فما ذكره الأستاذ قاسم من قوله:
      وقد اهتم -أي الأمين - بإصلاح المنبر الحسيني، وحارب الممارسات الدخيلة على التشيع ولقي جراء ذلك مقاومة عنيفة وتعرّض للتشهير والتكفير، ليس من قبل العامة فحسب وإنّما من بعض رجال الدين، ولم يشفع له عندهم إخلاصه وطولُ خدمته للدين.
      أقول:
      من لم يذكرهم من رجال الدين هم من مراجع الدين الذين كان لهم رأي آخر قبال تصريح السيد الأمين رحمه الله , فنرجو تحري الدقة

    • زائر 11 | 2:49 ص

      الثثورة في سورييا ضد المحتل الفرنسيي كانتت بقيادة شيعيية و هو الشيخ المرحوم صالح العلي.

    • زائر 10 | 2:43 ص

      من الأسماء التي ذكرها محمد الحسون في كتابه "قراءة في رسالة التنزيه " و التي كانت معارضة لما صرح به السيد محسن الأمين هي كالآتي:
      عارض السيّد الأمينَ عددٌ كبير من رجال الدين، وفي مقدّمتهم مراجع دين، ومجتهدون، وكتّاب معروفون، منهم:
      (1) المرجع الدينيّ الكبير الميرزا حسين النائيني (ت 1355هـ)، عارضه في النجف الأشرف بإصدار فتوى بالجواز(1) .
      (2) المرجع الديني الكبير الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء (ت 1373هـ)، عارضه في النجف الأشرف بإصدار فتوى بالجواز

    • زائر 9 | 2:37 ص

      جاءت ردود الفعل على رسالة "التنزيه" (للأمين) من مختلف طبقات المجتمع: علماء، وفضلاء، وخطباء، وشعراء، وعامّة الناس. واختلفت هذه الردود حسب مستوى الناس وثقافاتهم: فمنهم من اكتفى بكلمات الاستغفار والدعوة لصاحب الفتوى بالهداية، وأظهر آخرون معارضتهم لها باللسان والكتابة والشعر، وتجاوز البعضُ الحدودَ فاتّهم السيّد الأمين بتُهم باطلة، وتجاسر آخرون عليه وعلى مؤيّديه بالسب واللعن.
      (منهم) المجتهد الكبير السيّد عبد الحسين شرف الدين (ت 1377هـ)، عارضه - أي السيد الأمين - بإصدار فتوى بالجواز(2) .

    • زائر 8 | 1:52 ص

      موضوع رائع ولكن اعتقد نسيت اكبر المحققين الشيخ مرتضى مطهري في كتابه ((الملحمة الحسينية)) من 3 اجزاء

    • wessam abbas | 1:14 ص

      طرح شيق وموفق
      وسام

    • زائر 6 | 12:50 ص

      الأسود لاتأكل الموالين / منتهى الآمال للشيخ عباس القمي.

    • زائر 13 زائر 6 | 3:08 ص

      الصحيح هو الرواية الموجودة أن الأسود لا تأكل لحوم الفاطميين - أي من نسل فاطمة عليها السلام -
      فما وجه الإعتراض؟؟؟

    • زائر 29 زائر 6 | 12:24 ص

      زائر 13 خلينا أنجرب انجيب الاسد و انشوف يأكل ولا ما يأكل و التجربة تثبت على الكلام

    • زائر 5 | 12:49 ص

      هائولاء عمالقه الفكر والادب من اول من وقف ومد يد العداء والتعدي عليهم مره يكفرونهم وتاره اخري يتهمونهم بالعملاء الليس هم ممايدعون انفسهم مسلمين افسحوا الطريق لبني صهيون لضرب المسلمين بعضهم بعض يكفر بعضهم بعض كل من ليس علي رائيك ولا يتفق معك او يكفر اويهدر دمه

    • زائر 3 | 12:29 ص

      المصلحون والمصححون لا بدّ ان يواجههم بعض الجهلة بعدم القبول بل وربما محاولة النيل منهم لأن الجاهل عدوّ ما جهله

    • زائر 2 | 11:41 م

      موضوع رائع وأسماء لامعة
      هناك أسماء قبل كان دورها جبار كالمفيد والصدوق وبعد أتى المجددين الساده الأجلاء العظماء
      السيد محمد باقر الصدر
      والسيد روح الله الخميني
      والمغيب السيد موسى الصدر

    • زائر 1 | 11:15 م

      الله يرحم الدكتور الوائلي فهو عميد المنبر ولسان الشيعة الواعي بالفكر والمنطق والحكمة، ويا للاسف من هذا الوضع الذي يتطاول فيه من لا يرقى الي دون مستوى ......... على هذه القامة الشامخة،، رحم الله الدكتور الوائلي

اقرأ ايضاً