العدد 5166 - الجمعة 28 أكتوبر 2016م الموافق 27 محرم 1438هـ

«إسرائيل» الإفريقية

عبدالحسين شعبان comments [at] alwasatnews.com

كاتب عراقي وحقوقي عربي

كانت القاهرة قبلة حركة التحرّر الوطني الإفريقية في الخمسينات والستينات، ولم يصادف أن يمرّ شهر من دون أن يزورها أحد زعمائها سراً أو علناً ويلتقي مسئولين فيها، ويحظى بدعمها، فقد انتهجت مصر بقيادة الرئيس جمال عبدالناصر سياسة تضامنية مع شعوب إفريقيا وآسيا منذ مؤتمر باندونغ التاريخي العام 1955، الذي مثّل حضوراً لافتاً لزعماء وقادة كبار، مثل سوكارنو ونهرو وتيتو وعبدالناصر. وقد حدثني مسئول الملف الإفريقي ووزير الإعلام المصري الأسبق محمد فايق، الذي أصدر أكثر من كتاب عن علاقة مصر بشكل خاص والعرب بشكل عام بأفريقيا، من بينها ما كتبه وهو في السجن، والموسوم «عبدالناصر والثورة الإفريقية»، أنه التقى لمهمات مختلفة ومتعدّدة مع باتريس لومومبا ونيلسون مانديلا وكوامي نيكروما وأحمد بن بلة، وعدد كبير من القادة الأفارقة، سواء قبل أن تتحرّر بلادهم أو بعد نيلها الاستقلال في الستينات، وخصوصاً بصدور قرار الأمم المتحدة رقم 1514 في 14 ديسمبر/ كانون الأول العام 1960، والقاضي بتصفية الكولونيالية.

لكن إفريقيا التي كانت عمقاً استراتيجياً للعرب، لم تعد كذلك، الأمر الذي شجّع «إسرائيل» على التغلّغل بمختلف الوسائل النّاعمة والصّلبة داخل القارة السوداء، فبعد أن كانت إفريقيا بشكل عام تقف إلى جانب العرب وتؤيّد حقوق الشعب العربي الفلسطيني، وتندّد بسياسة «إسرائيل»، فإذا بها تقيم أوثق العلاقات معها، بما فيها على حساب العرب وأمنهم القومي.

هكذا حلّ رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو ضيفاً مميزاً على إفريقيا، وقام بجولة إفريقية شملت أربعة بلدان في منطقة حوض النيل هي: كينيا وأوغندا ورواندا وإثيوبيا، ولعلّ هذه الزيارة هي الأولى منذ أواسط السبعينات لمسئول «إسرائيلي» رفيع المستوى، وخلال زيارته الإفريقية عقد نتنياهو قمة في أوغندا (يوليو/ تموز 2016)، التقى فيها مسئولين عن سبع دول إفريقية، فإضافة إلى رؤساء الدول الأربع، انضمّ مسئولون في ثلاث دول أخرى إلى القمة، وهم رئيس جنوب السودان، ورئيس زامبيا، ووزير خارجية تنزانيا.

اللاّفت في زيارة نتنياهو، هو توقيتها الذي له دلالة رمزية، حيث تصادف زيارته مرور 40 عاماً على مقتل شقيقه الكولونيل جوناثان نتنياهو في عملية عينتيبي (يوليو 1976)، التي أشرف عليها التنظيم المسلّح التابع للجبهة الشعبية (جناح وديع حداد)، حيث تمّ اختطاف طائرة «إيرفرانس» وهي في طريقها إلى باريس من مطار رام الله «الإسرائيلي»، وقام الفريق المهاجم بتوجيه طاقم الطائرة للنزول في مطار عينتيبي (أوغندا)، ولكن «إسرائيل» تمكّنت من إنقاذ الرهائن بالتواطؤ مع كينيا، واعتقلت بعض المهاجمين الذين أطلق سراحهم في عملية تبادل كبرى في العام 1986 ولقي ضابط «إسرائيلي» واحد حتفه هو شقيق نتنياهو.

كما تأتي هذه الزيارة، تتويجاً لنشاط محموم قامت به «إسرائيل» في القارة السوداء منذ عقود، مستغلة الأوضاع الاقتصادية الصعبة والمعقّدة التي تعيشها، وحاجتها إلى المساعدة التكنولوجية لتطوير الزراعة واستثمار الأخشاب واستصلاح الأراضي ونصب شبكات كهرباء وري، وخصوصاً أن الكثير من البلدان الإفريقية تعاني من المجاعة والتصحّر والأمراض والأمّية والتخلّف، ومن هذا الباب دخلت «إسرائيل» وتغلغلت بحجّة مد يد العون لشعوبها.

وتشعر «إسرائيل» بأن سمعتها الدولية في تدهور مستمرّ، وخصوصاً بعد عدوانها على لبنان العام 2006، وكذلك بعد حصار غزة منذ العام 2007، وعدوانها المتكرّر عليها في عملية عمود السحاب (أواخر العام 2008 وبداية العام 2009)، وعملية الرصاص المصبوب في العام 2012، وعملية الجرف الصامد في العام 2014، إضافة إلى مداهمة أسطول الحرية وقتل عدد من أفراده، بينهم 9 أتراك.

وقد تعهّد رؤساء الدول الإفريقية الذين التقاهم نتنياهو حديثاً، بإعادة «إسرائيل» كعضو مراقب في الاتحاد الإفريقي، وقد كانت في السابق عضواً مراقباً في منظمة الوحدة الإفريقية لغاية العام 2002، وتأتي العودة «الإسرائيلية» بعد انحسار الدور العربي، فبعد أن كانت إفريقيا تتطلع إلى العلاقة مع العرب ودعمهم وتضامنهم، فإذا بها تنفتح أمام النفوذ الصهيوني الذي حاول الرئيس عبدالناصر قطع الطريق عليه، بمشاركته في تأسيس منظمة التضامن الإفرو - آسيوي العام 1957، ليوكل إليها مهمّات التضامن الدولي والإقليمي. ولا ننسى ما قامت به الجزائر في حينها بعد استقلالها، وكذلك الدعم الليبي والسوداني من أجل استمرار شعار المقاطعة لـ «إسرائيل»، وإنْ أصبحت نبرته خافتة، وخصوصاً بعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد العام 1978 - 1979، وفيما بعد توقيع اتفاقية أوسلو العام 1993 بين الفلسطينيين و «الإسرائيليين»، الأمر الذي استغلّته «إسرائيل» لتعزيز علاقاتها العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية بدول وسط إفريقيا ومنابع النيل، بما فيها بناء 3 سدود كبرى في إثيوبيا.

وعلى رغم استمرار دعم الاتحاد الإفريقي لحقوق الشعب العربي الفلسطيني وتضامنه من أجل تحقيق مصيره وإقامة دولته المستقلة، ودعوة السلطة الوطنية الفلسطينية لحضور اجتماعاته، لكن ذلك لم يمنع دولاً إفريقية كثيرة من تعزيز علاقاتها مع «إسرائيل» التي استغلّت حاجة الكثير منها لتفرض شروطها السياسية وتستثمر علاقاتها لأغراض أمنية واستخبارية. وتملك «إسرائيل» حالياً علاقات مع 40 دولة إفريقية (ولديها 10 سفارات، ويوجد 15 سفارة إفريقية في تل أبيب)، وهو أمر لا يمكن تصوّره بعد عدوان «إسرائيل» على البلدان العربية العام 1967 وحرب تشرين التحرّرية العام 1973، حيث قطعت خلال تلك الفترة نحو 30 دولة إفريقية علاقتها مع «إسرائيل».

ولعلّ أحد أهداف زيارة نتنياهو لإفريقيا تكمن في محاولة الظهور بمظهر من يريد تقديم الدعم لمكافحة الإرهاب، وهو بذلك يحاول تسويق «إسرائيل» باعتبارها ضحية للإرهاب «الفلسطيني»، بقوله «ليس لدى إفريقيا أي صديق أفضل من دولة «إسرائيل» خارج إفريقيا، وخصوصاً عندما تكون هناك حاجة لأمور عملية مثل الأمن والتنمية». إذاً فالأسباب الأمنية والاستخبارية، إضافة إلى الرغبة في الحصول على دعم إفريقي في المحافل الدولية لصالح «إسرائيل»، هو من أهداف هذه الزيارة التي جرى الاستعداد والتحضير لها على نحو دقيق خلال الفترة الماضية، فـ «إسرائيل» تريد القول إنها موجودة في إفريقيا، وأن وجودها سيكون على حساب العرب.

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسين شعبان"

العدد 5166 - الجمعة 28 أكتوبر 2016م الموافق 27 محرم 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 10:37 م

      إسرائيل موجوة فى أفريقيا وفى آسيا العربية إسرائيل كالاخطبوط ادرعها متشعبه فى كل الاتجاهات

اقرأ ايضاً