العدد 5172 - الخميس 03 نوفمبر 2016م الموافق 03 صفر 1438هـ

لن تكسب بالسياسة ما تخسره بالأخلاق

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من أمراض الحياة السياسية العربية، افتقارها الشديد إلى القيم والمبادئ والأخلاق، وهي ليست ظاهرةً عربيةً خاصةً، لكي لا نظلم أنفسنا، وإنّما هي ظاهرةٌ تشمل كل الشعوب والأقوام.

الفرق أنهم يضعون السياسة بصراحةٍ في إطار براغماتي، من دون ادعاءات أو تنظيرات، فالمهم أن تحقّق مصلحتك الشخصية أو الحزبية، كما يجري بين كلينتون وترامب، حتى لو كانت على حساب مصلحة الشعوب ومستقبل الأوطان.

هذه الظاهرة برزت بصورةٍ أكثر وضوحاً، بعد انتكاسة حركات الشباب في الربيع العربي، وإعادة الأوطان إلى نقطة الصفر، من حيث الحريات والكرامة واحترام حقوق الإنسان. بل إن بلداً استطاع أن يكون في منأى عن العاصفة، بداية الأحداث، عاد إلى تصدّر نشرات الأخبار هذا الأسبوع، بعدما تم طحن بائع أسماك فقير، في شاحنة للنفايات، بمدينة الحسيمة المغربية، بعدما حاول استرجاع بضاعته المصادرة، ما أعاد إلى الأذهان صورة الشاب التونسي البوعزيزي الذي أشعل بجسده النار احتجاجاً على مصادرة عربته لبيع الخضار.

هكذا تكون السياسة بلا أخلاق، وفرض القانون بلا رحمة، وتطبيقه فقط على الفقراء دون الأغنياء، الذين تفتح لهم كل الأبواب، وتذلل لتجاراتهم ومصالحهم كل العقبات. ولهذا تدور الدول العربية في حلقةٍ مفرغةٍ، من القمع وتكرار الأخطاء، والافتقار إلى القيم والأخلاق.

بعد إجهاض الربيع العربي، وإغراقه بالدم والدمع، ومحاصرة الأصوات المعارضة واحتجاز الشباب، بدأت العدوى تصيب حتى بعض الأحزاب وقوى المجتمع المدني، وخصوصاً تلك القوى التي كانت تتصوّر النضال من أجل غدٍ أفضل، هوايةً أو نشاطاً استعراضياً أمام الكاميرات. وهو سبب ما رأيناه من تغيّر في المواقف أو التوجهات، أو حتى تغيير التحالفات. فقد شاهدنا شباباً كانوا في صفّ الحراك الثوري، انقلبوا إلى أبواق للأنظمة العسكرية في بلدانهم، ورأينا ناشطين حقوقيين انقلبوا إلى مدافعين عن انتهاكات حقوق الإنسان. وحتى على مستوى الأحزاب، بعضها تفكّك داخلياً، وبعضها شهد عودة أعضائه الايديولوجيين إلى انتماءاتهم ما قبل الحداثة، سواءً كانت طائفية أو قبلية أو مناطقية. لقد تحلّلت تلك القشرة الأيدلوجية التي كانت تبدو صلبةً، بسبب عوامل التعرية في ميدان الأخلاق.

إن طريق النضال الوطني الديمقراطي من أجل غدٍ أكثر عدلاً وإشراقاً، صعبٌ ووعرٌ عسير، ويتطلب صبراً وتحملاً. وكل الشخصيات التي كرّست حياتها للنضال الوطني حتى أصبحت رموزاً وأيقونات عالمية، كانت لا تضيع البوصلة، وتظل تتمسك بالثوابت والخيارات الكبرى، ولا تسمح لنفسها بالبحث عن مبررات تبرّر التهاون والتقهقر والتفريط بالحلفاء.

إن النموذج الأشهر في هذا القرن للمناضلين الأمميين هو الزعيم الإفريقي نيلسون مانديلا، وسيرته تعتبر شاهداً على ممارسة السياسة من دون كلل أو وهن، وعلى الالتزام بالأخلاق، حتى أصبح مثلاً يضرب بالصبر والنزاهة، من دون أن تقرأ له عبارةً فيها تراجع عن موقف أو تخلٍ عن فكرة يؤمن بها، أو مطالبة بالابتعاد عن رفاق النضال، وخصوصاً حين يكونون في معاناة، وتمارس أنت هوايتك في القاعات المكيّفة.

في مذكراته، كتب مانديلا أن «العوامل الداخلية قد تكون أكثر أهميةً في تقويم تطور المرء كإنسان. الصدق، الإخلاص، البساطة، التواضع، الكرم الدافق، عدم الغرور، والاستعداد لخدمة الآخرين»... وهذا ما يصنع الفرق، وهذه هي قيمة الأخلاق.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 5172 - الخميس 03 نوفمبر 2016م الموافق 03 صفر 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 11 | 4:05 م

      السياسة نادرا ما تتدخل بها الأخلاق لانها تتعلق بمصالح قومية او عرقية او طائفية او استعمارية وهي تمثل مصالح طبقية ، ولذلك لا توجد اخلاق في ممارسة السياسة ومن ينتصر هو من يحدد خارطة الأخلاق ، ومن يود الاستقامة والاخلاق يتمسك بالانسانية ومبادئها ويهجر العمل السياسي ، مثل تجربتي الشخصية التي غالبا ما صدمت بالأصنام التي وضعتها في مرتبة التقديس ، وأخيرا حطّمتها وأصبحت من ذوي الفكر الحر وتخلصت من فكر التبعية العمياء ، واشعر باني سعيد فيما اخترت وتخلصت من عبودية الاصنام الى الأبد .

    • زائر 10 | 5:06 ص

      ذكرتني بالحقوقي السابق صاحب التصريح عن الدراز . كل شيء تمام يا افندم. وصاحبه صاحب الخيزرانة.

    • زائر 9 | 3:32 ص

      هكذا خلق الله الخلق وجعلهم مختلفين : أمّة قائمة على الحق تدعو له وأمة قائمة على الباطل وتبرّر له (لنبلوكم بالخير والشرّ فتنة) والحق هو الخير والشر هو الباطل مع بعض التفاصيل ليس هذا مكانها

    • زائر 8 | 3:14 ص

      صباح الخير بوهاشم ،،،، نعيب على الناس والعيب فينا ،،،،

    • زائر 7 | 2:43 ص

      طريقنا صعب ووعر عسير....
      ولكننا سنسير

    • زائر 6 | 1:09 ص

      قال الشاعر احمد شوقي :إنما الأمم الأخلاق ما بقيت … فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
      ولكن اذا كنا بعيدين عن كتاب الله وسنّة رسوله وأخلاقياته الفاضلة في تعاملنا فما يجدي قول شاعر او غيره.

    • زائر 5 | 12:54 ص

      الفرق بيننا وبينهم شاسع فهم وإن ساد الجشع والطمع والمصلحة الشخصية والعرقية فهم لا يتبجحون بحكمهم باسم الدين.
      أمّا نحن فنخضع الدين الاسلامي الحنيف وكل ما فيه من القيم الانسانية نطوّعها ونجيرها ونحوّرها ونلبسها ملبوسا معاكسا للدين ثم نظهر للعالم بأننا نحكم باسم الدين، وحتى القيم الأخلاقية والانسانية بريئة كل البراءة من حكوماتنا وما تقوم به تجاه شعوبها فلا هي من الاسلام ولا هي من الأخلاق ولا هي من الحقوق البشرية في شيء .
      نحن المسلمون اصبحنا سبّة على الاسلام وشوّهنا صورة الاسلام اشدّ تشويه

    • زائر 3 | 12:28 ص

      كلام جميل ياريت المعارضة الي عندنا اتعرف بان اذا مافي اخلاق مافي أي مكسب سياسي ولكن بالعقل والتفاهم الكل يكون راضي ... بس الحين فات الأوان لان المعارضة طمعت في الحصول على كل المكاسب حتى خسرت كل شي

    • زائر 2 | 11:50 م

      مقال أكثر من روعة،، أصبت - كما يقول العرب الأوائل - كبد الحقيقة

    • زائر 1 | 10:21 م

      الرجاء من اعضاء ..... قراءة المقال جيد..

اقرأ ايضاً