العدد 5173 - الجمعة 04 نوفمبر 2016م الموافق 04 صفر 1438هـ

القَفَّاص: صانع الأقفاص والمنزَّات

القفاص (جمال 2003، عن متحف البحرين الوطني)
القفاص (جمال 2003، عن متحف البحرين الوطني)

القفّاص هو الشخص الذي يقوم بصناعة أدوات مختلفة من جريد النخل، وقد اشتق اسمه من إحدى تلك الأدوات وهي القفص، وهي واردة في معاجم اللغة بالمعنى نفسه. جاء في «تاج العروس» (مادة قفص): «القَفَصُ بالتَّحْريك وَاحِدُ الأَقْقاصِ: مَحْبِسُ الطَّيْرِ يُتَّخَذُ من خَشَب أَو قَصَبٍ... والقَفَّاصُ: مَنْ يَتَعَانَى عَمَلَ الأَقْفَاصِ». وتعتبر منتجات القفاص من السلع المهمة التي كان يستخدمها الناس في معيشتهم اليومية، سواء لاستخدام المنازل أو الأنشطة التجارية؛ حيث كان يصنع العديد من أنواع الأقفاص، كأقفاص الطيور، وأقفاص الخضار، وأقفاص الثمار المختلفة، وكذلك كان يصنع المنز وهو سرير الطفل. ويصنع القفاص كل ذلك باستخدام مادة خامة أساسية واحدة وهي جريد النخل. هذا، ويمر جريد النخل بعدة عمليات حتى يمكن أن يصنع منه تلك المنتجات، وتشمل تلك العمليات التنظيف والتجفيف والتقطيع والثقاب ومن ثم عملية التجميع النهائي.

يذكر، أن هناك القليل من الدراسات التي ذكرت تفاصيل عمليات صناعة الأدوات المصنعة من الجريد، ومن الدراسات الي اعتمدنا عليها في وصف هذه العمليات، دراسة نسرين رضي، التي تناولت فيها عمل علي سلمان القفاص، من منطقة السنابس، في عمل المنز (رضي 2008)، بالإضافة إلى دراسات أخرى تطرقت لتفاصيل مهنة القفاص في مناطق مختلفة في الخليج العربي وهي: دراسة «مجتمع النخلة» (المزين 1997، الواحة العدد 6)، وكتاب «الحِرف والمهن والأنشطة التجارية في الكويت» لمحمد جمال، وكذلك كتاب عبد الله الشايب «مقالات في تراث الأحساء». ومن خلال تلك الدراسات تمكَّنا من تلخيص عمليات تصنيع منتجات القفاص، ويمكن تلخيصها كالآتي:

إعداد الجريد

تبدأ عملية إعداد الجريد بتنظيف السعف، حيث يتم قطع الكرب منه وتنظيفه من الخوص والسلاء (السلة) وبعدها تبدأ عملية تجفيف الجريد الأخضر، وتتم إما بتعريضه لأشعة الشمس لبضعة أيام أو أن يعرض لأشعة الشمس وبعد ذلك يتم غمره في الماء لمدة ثلاثة أيام وبعده يتم تجفيفه تمهيداً للاشتغال به. ثم تتم عملية وإزالة القشرة الخارجية للجريد، وتشذيب حوافه وتسويتها وذلك باستخدام المنجل.

تقطيع الجريد وثقبه

بعد أن يتم إعداد الجريد، تبدأ عملية إعداد قطع الجريد التي تركب مع بعضها بعضاً لتعطي المنتج الأخير، وتبدأ هذه العملية بتقطيع الجريد إلى قطع بحسب الأطوال المطلوبة، ويستخدم في عملية القطع الساطور وقطعة من جذع شجرة أو قطعة من الخشب يستخدمها كسندانة حيث توضع قطعة الجريد على السندانة ويتم قطعها. هذا، ويتم تحضير نوعين من قطع الجريد لكل منتج، فهناك قطع أفقية تمثل الأبعاد الجانبية للمنتج، أي الطول والعرض، وهناك قطع عمودية تمثل الارتفاع.

وبعد ذلك يتم ثقب قطع الجريد الأفقية فقط؛ فيبدأ القفاص بوضع نياشين (أي علامات) على القطع المراد ثقبها، وذلك باستخدام مسمار حديدي بمقبض خشبي، شبيه بالمخراز، ومن ثم تبدأ عملية الثقب، حيث يستخدم فيها أداة تسمى «مجوب» وهي عبارة عن آلة على شكل قلم سميك مجوف حاد في طرفه السفلي. والمجوب أداة عرفت منذ القدم أنها خاصة بالقفاص، جاء في «تاج العروس» (مادة جوب): «الجَوْبُ: الخَرْقُ والنَّقْبُ كالاجْتِيَابِ جَابَ الشيءَ جَوْباً واجْتَابَه: خَرَقَه، وكُلُّ مُجَوَّفٍ قَطَعْتَ وَسَطَه فَقَدْ جُبْتَهُ... والمِجْوَبُ: الذي يُجَابُ به، وهي حَدِيدَةٌ يُجَابُ بهَا أَي يُقْطَعُ».

وقد عرفت العرب أنواعاً من المجوب منها الثُّنْطُبُ، جاء في «تاج العروس» (مادة ثطب): «الثُّنْطُبُ، كَقُنْفُذٍ أَهْمَله الجَوْهريُّ، وقال ابنُ الأَعْرَابِيِّ: هو مِجْوَابٌ وهو آلَةُ الخَرْقِ الَّتِي يَخْرِقُ بِهَا القَفَّاصُ الجَرِيدَ والقَصَبَ ونَحْوَه للاشْتغَالِ، ولم يَذْكُرْهُ المُصَنِّفُ في ج و ب، كأَنَّهُ لِشُهْرَتِه، قاله شَيْخُنَا، واللهُ أَعْلَمُ». هذا، ويمتلك القفاص أحجاماً مختلفة من المجوب ويستخدم كلاً منها بحسب سعة الثقب المطلوب صنعه. وأثناء عملية الثقب، توضع قطعة الجريد على السندانة ويوضع طرف المجوب الحاد عليها، وبعد ذلك يتم طرق المجوب بمطرقة خشبية أو قطعة خشب ثقيلة، وبعدها يحرك المجوب لإزالة بقايا الجريد من الثقب.

عملية تركيب الجريد

يعتمد القفاص في صنع منتجاته على مادة خام واحدة هي جريد النخل فقط، والذي يتم تركيبه مع بعض بدون استخدام مواد أخرى. فتبدأ عملية تركيب المنتج، إن كان قفصاً أو منزّاً، على مراحل، حيث يتم في المرحلة الأولى تجهيز أوجه المنتج، كل وجهٍ على حدة. ويتم ذلك، بإدخال قطع الجريد العمودية، والتي لم يتم ثقبها، في ثقوب قطع الجريد الأفقية التي تم ثقبها.

هذا، ويراعي القفاص في صناعته طول العود وقوته، وذلك بحسب المنتج المراد تصنيعه، فزيادة القطع العمودية تعني زيادة في قوة وتماسك المنتج، فكثرة القطع تساعد على جعله مترابطاً؛ وبذلك تتكون شبكة من الجريد مترابطة مع بعضها، وهذه الشبكة تمثل أحد أوجه المنتج. وبعد ذلك يتم صنع بقية الأوجه بالطريقة نفسها، ومن ثم ربط هذه الأوجه مع بعضها بعضاً، وكذلك تثبيتها على قاعدة واحدة صنعت بالطريقة نفسها، وكل ذلك بعملية تشبيك قطع الجريد مع بعضها بعضاً. وعادة ما تكون الأعواد غير متراصة مع بعضها حتى تسمح بدخول الهواء والمسافات بينها متساوية في الهيكل الواحد ومتغيرة من منتج لآخر.

منتوجات القفاص

تعتبر الأقفاص هي المنتج الأساسي والذي منه اشتقت تسمية صاحب المهنة، ولها أغراض وأشكال مختلفة. ومن منتجاته أيضاً المنز، أو سرير الطفل. والمنز لفظة عربية، جاء في «تاج العروس»: «المِنَزُّ، بكسر الميم: المَهْد مَهْدُ الصَّبيِّ، سُمِّي بذلك لكَثرَة حَرَكَتِه». وكذلك من منتجاته المبخرة أو العمارية وهي حامل هرمي الشكل توضـع فوقـه الملابس ليتم تبخيرها؛ حيث يتم وضع المبخر من أسفلها. هذا، ولا يقتصر استخدام الجريد من قبل القفاص فقط، فهناك مهن أخرى ارتبطت بالجريد نتناولها في الحلقة المقبلة.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 1:35 ص

      رحمة الله عليك يا حجي سلمان
      نعم الرجل الصالح

    • زائر 1 | 1:17 ص

      نعم ونعم العائلة عائلة القفاص الله يرحم الحاج سلمان القفاص والحاج عبدالله القفاص ..لقد أمتعونا وفرحونا في منطقة السنابس خاصة والبحرين والخليج عامة.. البركة في أولادهم الطيبين المحترمين.

اقرأ ايضاً