العدد 5198 - الثلثاء 29 نوفمبر 2016م الموافق 29 صفر 1438هـ

الأمم المتحدة في تقرير «التنمية الإنسانية»: عدم تمكين الشباب يزرع بذور عدم الاستقرار

بيروت، الوسط - ريم خليفة، علي العليوات 

29 نوفمبر 2016

نبّهتقرير التنمية الإنسانية العربية 2016 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إلى أنَّ جيل شباب اليوم أكثر تعليماً ونشاطاً وارتباطاً بالعالم الخارجي، ما ينعكس على مستوى وعيهم بواقعهم وتطلعاتهم لمستقبل أفضل، إلا أنّ وعي الشباب بقدراتهم وحقوقهم يصطدم بواقع يُهمِّشهم ويَسدّ في أوجُههم قنوات التعبير عن الرأي، والمشاركة الفاعلة، وكسْب العيش؛ ما قد يتسبَّب في دفعهم إلى التحول من طاقة هائلة للبناء إلى قوة كاسحة للهدم.

وأشار التقرير إلى أن «أحداث 2011 وما تلاها أثبتت قدرة الشباب على المبادرة بالفعل وعلى تحفيز التغيير (...)، وأثبتت هذه الأحداث أنَّ حصر الاستجابة لمطالب التغيير بالتعامل الأمني دون التصدي لمعالجة أسبابها يُحقِّق استقراراً مؤَقتاً يؤجِّل دورات الاحتجاج لكنّه لا يُقلِّل من فرص تكرارها؛ لا بل قد يؤدّي إلى تراكُمها، لتعود إلى الظهور بأشكال أكثر عنفاً».

وقد استضافت الجامعة الأميركية في بيروت أمس الثلثاء (29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016)، إطلاق التقرير الذي حمل عنوان «الشباب وآفاق التنمية الإنسانية في واقع متغير».

ويقدم التقرير صياغةَ نموذج جديد للتنمية يعمل على تمكينهم من خلال تعزيز قدراتهم الأساسية - ولاسيما في مجالَي التعليم والصحة - وإتاحة الفرص أمامهم لتحقيق الذات، وخصوصاً في المجالَين الاقتصادي والاجتماعي؛ علاوة على العمل على تحقيق السلام والأمن.


تقرير التنمية الإنسانية 2016: عدم كفايــة الحماية للحريات العامة وضعف التنافسية الاقتصادية والتقصير في إرســـاء «الحُكم الرشيد» تهدّد مستقبل الشباب العربي

بيروت، الوسط - ريم خليفة، علي العليوات

استضافت الجامعة الأميركية في بيروت أمس الثلثاء (29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016)، إطلاق أحدث نسخة في سلسلة تقارير التنمية الإنسانية العربية الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وشكّل الشباب القسم الأكبر من حوالي 200 من المشاركين في حفل الإطلاق من مختلف أنحاء المنطقة، كان من بينهم عدد من الطلاب، والأكاديميين، وممثلي المجتمع المدني، والمنظمات النسائية، والمسئولين الحكوميين، والبرلمانيين، وكذلك القطاع الخاص ووسائل الإعلام.

هذا التقرير هو السادس ضمن السلسلة، ويتناول تقرير التنمية الإنسانية العربية 2016: «الشباب وآفاق التنمية الإنسانية في الواقع متغير»، التحديات والفرص التي تواجه الشباب في المنطقة العربية، وخاصة منذ عام 2011. ويسعى التقرير إلى تقديم لمحة عامة عن الشباب في المنطقة، وتحفيز حوار واسع بين الشباب وأصحاب المصلحة الرئيسيين في المجتمع حول مستقبل التنمية في الدول العربية، وسبل إعطاء الشباب في المنطقة الموقع الذي يستحقونه كشركاء في تشكيل مستقبلهم ومستقبل بلدانهم.

إلى ذلك، أكدت القائم بأعمال مدير المكتب الإقليمي للدول العربية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، صوفي دي كاين أن «الشباب لهم دور حاسم فيما يحاول هذا التقرير تحقيقه، إلى جانب أصحاب المصلحة الآخرين في المجتمع، والسياسيين، وصناع القرار الحكوميين»، وأضافت «وتمثل الجامعة الأمريكية في بيروت، كونها مؤسسة أكاديمية رائدة، تحظى باحترام واسع في جميع أنحاء المنطقة العربية، واحداً من أفضل المحافل لجمع كل الأطراف المعنية والمهمة للتقرير معاً، وبخاصة الشباب.»

وقال رئيس الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور فضلو خوري: «نحن في الجامعة الأميركية في بيروت ملتزمون بدعم كافة جهود التحسين المجتمعي، وبخاصة تلك المندرجة تحت أهداف التنمية المستدامة، المتفق عليها عالمياً. فالمهمة الراسخة للجامعة الأميركية في بيروت على مدى 150 عاماً تتواءم بشكل خاص مع هدف التنمية المستدامة الرابع، إذ نسعى جاهدين لضمان جودة التعليم الشامل والعادل للجميع وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة».

وأضاف «الجامعة الأميركية في بيروت مؤهّلة بشكل كامل للوقوف جنباً إلى جنب مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إذ يطلق أحدث مساعيه لتحفيز النقاش حول السعي لتحقيق مستقبل أفضل للمنطقة العربية. ولقد أسهم عدد من أعضاء هيئة التدريس لدينا بدور فعّال في كتابة هذا التقرير الذي يتفق بشكل وثيق مع مهمة الجامعة».

وتضمن فريق الخبراء والباحثين الذين أعدوا التقرير عددا من أعضاء هيئة التدريس بالجامعة الأميركية في بيروت، وقاد فريق الإعداد أستاذ الاقتصاد المشارك في الجامعة الأميركية في بيروت، جاد شعبان.

وقد شارك لفيف من الشباب من مختلف أنحاء المنطقة في مرحلة صياغة التقرير من خلال مجموعة من المشاورات الشبابية الخاصة التي تم تنظيمها لذلك الغرض. وساهم العديد من الشباب بوجهات نظرهم حول أنماط استخدام الوقت بين الشباب من خلال استطلاع خاص (استطلاع «وقتي») أجراه فريق إعداد التقرير في 18 عاصمة عربية من خلال تطبيق على الهواتف الجوالة تم تصميمه خصيصاً لهذا الغرض.

بالإضافة إلى ذلك، تم اختيار أكثر من 70 من الشابات والشبان، من 16 دولة عربية، من بين أكثر من 4500 ممن استجابوا لدعوة للمشاركة من خلال الفايسبوك للمشاركة في معسكر الابتكار الاجتماعي للشباب الذي نظمه تقرير التنمية الإنسانية العربية. وعلى مدى الأيام الخمسة لهذا المعسكر، والذي أداره فريق الابتكار من أجل التنمية في مكتب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مصر، استخدم الشباب مناهج التفكير التصميمي للخروج باستجابات مبتكرة لبعض التحديات الإنمائية الرئيسية التي أثيرت في التقرير.

وفي مقدمة التقرير، كتبت مديرة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي هيلين كلارك، قائلة: «في العام الماضي، اعتمد زعماءُ العالم خطةَ التنمية المستدامة لعام 2030 كرُؤيةٍ لتحويل مسار التنمية للسنوات الخمسَ عشرةَ القادمة لبناء مستقبلٍ أكثرَ سلامًا وازدهاراً واستدامةً وشمولاً. وتُؤكِّد الخطةُ أنّ الشّابّاتِ والشبّانَ هم عواملُ حاسمةٌ للتغيير، ودورهم مِحوَريّ لتحقيق التنمية المستدامة. ويُعبِّر عن هذا التأكيد بقوّةٍ تقريرُ التنمية الإنسانية العربية للعام 2016 الذي يتزامن نشرُه مع شروع البلدان في إعداد خُططَها لتنفيذ خطة 2030؛ إذ يدعو الدُّولَ العربية إلى الاستثمار في شبابِها، وتمكينِهم من الانخراط في عمليّات التنمية».

وأضافت «يُقدِّم التقريرُ حُجَّتَين رئيسيَّتَين للاستثمار في الشبابِ في المنطقة: الأُولى، أنّ ما يقارب ثلثَ سكّان المنطقة هم من الشباب في أعمار 15 -29 سنة، وهناك ثُلثٌ آخر يَقلُّ عمرُهم عن 15 عامًا، وهو ما يضمن استمرار هذا الزخْمُ السكّاني إلى العقدَين القادمَين على أقلّ تقدير، ويُوفِّر فرصةً تاريخية يتحتّم على البلدان العربية اغتنامُها. ثانيًا، يُؤكِّد التقريرُ على أنّ موجةَ الاحتجاجات التي اجتاحت عددًا من البلدان العربية منذ العام 2011، وكان الشبابُ في طليعتها، قد أفضت إلى تحولاتٍ كبيرة عبرَ المنطقة كلِّها. فشهدت بعضُ البلدان وضع دساتيرَ وطنيةً جديدة، وإجراء انتخاباتٍ حرّة ونزيهة، وتوسيعَ نطاق المشاركة العامّة لمجموعاتٍ كانت مستبعَدةً في السابق. لكنْ في بلدان أُخرى، واجهت التوازنات الحاكمة التي طالما حافظت على الاستقرار تحدِّياتٍ خطِرة أسفرت عن نزاعات استطالَ أمدُ العديد منها. ويُشدِّد هذا التقريرُ على أنّ تمكينَ الشباب وإشراكهم في هذا المنعطف الهامّ من تاريخ المنطقة أمران حيَويّانِ لوضْع أُسُسٍ جديدة وأكثرَ استدامةً للاستقرار».

وبينت كلارك «يستكشف التقريرُ التحدِّياتِ العديدةَ التي لا يزال الشبابُ في المنطقة العربية يُواجهونها، حيثُ ما زال كثيرون منهم يتلقَّون تعليمًا لا يَعكس احتياجات سوق العمل؛ فيما أعدادٌ كبيرةٌ منهم، ولا سيَّما من الشابات، عاطلةٌ عن العمل ومستبعَدةٌ من الاقتصاد الرسمي. ومن دون موْرد رزْقٍ، يَجد الشبابُ صعوبة كبيرة في تحقِّيق تطلّعاتِهم المشروعةَ في الزواج والحصول على سكنٍ ملائم لتأسيسَ بيوتهم وأُسَرهم المستقلّة. والخطرُ هنا أن هؤلاء الشباب يقعون فرائس للإحبِاطَ، والشعورَ بالعجز، والاغتراب، والتبَعية، بدلاً من أن ينفقوا شبابهم في استكشاف الفرص المتاحة واستشرافِ آفاق المستقبل. ومن البَديهيّ أنّ الشبابَ في أنحاء المنطقة العربية تأثّروا على نحوٍ خطير بالأزمات حديثةِ العهد التي ألمت بالمنطقة؛ إذ جُرِف العديدُ منهم إلى الخطوط الأمامية لصراعاتٍ لم يبدأوها. فمات الكثيرون، وفقَدت أعداد أكبر منهم مقربون أعزاء من أفرادَ أُسرهم وأصدقائهم، فضلاً عن موارد رزقهم، ومعها فرصهم وآمالهم في المستقبل. وفي مواجهة تحدِّياتٍ كهذه، انْضمّ بعضُهم إلى جماعاتٍ متطرُّفة».

وأشارت ِكلارك إلى أن التقرير «يدعو إلى تمكين الشباب من منظور التنميةٍ الإنسانية الذي يُحدِّد هدفَ التنمية بأنه توسيعُ للخِيارات والحرّيات المتاحة للناس كَي يَعيشوا حياتهم كما يبتغونها ويُثمِّنونها».

ونبهت إلى أن «تمكينُ الشباب يقتضي تعزيزَ قدراتهم، وهم ما يستوجب تحسينُ منظومات الخدمات الأساسية، وخصوصًا في مجالي التعليم والصحة. كما يتعيَّن توسيعُ نطاق الفرص المتاحة للشباب – من خلال اقتصاداتٍ تُولِّد عملً لائقًا وتُشجّع ريادةَ الأعمال، وبيئاتٍ سياسية تُشجِّع حرّيةَ التعبير والمشاركةَ الفاعلة، ونُظُمٍ اجتماعية تُعزِّز المساواةَ وتعمل ضدَّ كلّ أنواع التمييز».

5 سنوات على أحداث 2011

من جهتها، ذكرت مديرة المكتب الإقليمي للدول العربية بالإنابة، صوفي دو كاين «يأتي صدورُ هذا التقرير بعد مرور خمسِ سنواتٍ على أحداث العام 2011، أو ما اصطُلِح على تسميته بالربيع العربي؛ وهي فترةٌ شهدت جدلاً واسعًا حول ما حدَث من تحوّلات، وخصوصاً حول علاقة الشباب بها. فقد اعتبر بعضُهم دورَ الشباب في عمليات التحوّل بارقةَ أملٍ لنهضةٍ جديدة تقود المنطقةَ نحو مستقبلٍ أفضل، بينما اعتبره آخرون تمرُّدًا يَجرّ المنطقةَ إلى فوضًى تُعرِّض مستقبلَها للخطر».

وأضافت «هذا التباعدُ الزمني بين موعد صدور التقرير عام 2016، وأحداثِ العام 2011 التي حفزت اختيارَ قضية الشباب في المنطقة العربية كموضوعه الرئيسيّ، وَقَى تناوُلاتِه البحثيةَ وتحليلاتِه من الوقوع فريسةَ صخَبٍ فكري وردودِ أفعالٍ انفعالية عادةً ما تُصاحب لحظاتِ التغيير الفارقة، مثلِ التي بدأت في العام 2011. وسمح هذا البعدُ بمساحةٍ هادئة لقراءة نبْض الشارع ورصْد سلسلة تطورات الأحداث، ومن ثمَّ لتحليل الأسباب والنتائج؛ وخصوصاً فيما يتعلّق بسُبل تعامُل الدوائر الرسمية مع موجة التغيير وردودِ فعْلها تجاهَها، وفي الوقت ذاته باستمرار الجهود الشعبية الساعيةِ إلى البحث عن فرصٍ للتغيير والراميةِ إلى تكوينِ مستقبلٍ أفضل».

ورأت أن «أحداثُ العام 2011 في المنطقة العربية أعادت إلى بؤرة الاهتمامِ الدورَ المحوَري للشباب (إناثًا وذكوراً) في المجتمع، إذ ربط الكثيرُ من المحللين بين موجة الاحتجاج التي كان في طليعتها جيلُ الشباب وبين تحوُّلاتٍ مهمّةٍ غيَّرت – و لا تزال تُغيِّر - بعضَ أهمّ الركائز السياسية والاقتصادية والاجتماعية في عددٍ من بلدان المنطقة العربية».

وقالت: «يسعى تقريرُ التنمية الإنسانية العربية للعام 2016 إلى تقديم مساهمةٍ متوازنة يتوجّه بها إلى كلّ الأطراف الفاعلة المعنيةِ بقضايا الشباب في البلدان العربية، ليُحفِّز ويُوسِّع دائرةَ الحوار الجادِّ بينها حول أنجع السُّبل لتعزيز دور الشباب في مستقبل التنمية الإنسانية في المنطقة».

عدمُ تمكين الشباب يَزرع بذورَ عدم الاستقرار

يُنبِّه التقريرُ إلى أنَّ جيلَ شباب اليومَ أكثرُ تعليمًا ونشاطًا وارتباطًا بالعالم الخارجي، ما ينعكس على مستوى وعْيهم بواقعهم وتطلّعاتهم إلى مستقبلٍ أفضل. إلا أنّ وعيَ الشباب بقدراتهم وحقوقهم يصطدم بواقعٍ يُهمِّشهم ويَسدّ في أوجُههم قنواتِ التعبير عن الرأي، والمشاركةِ الفاعلة، وكسْبِ العيش؛ ما قد يتسبَّب في دفعهم إلى التحول من طاقةٍ هائلة للبناء إلى قوةٍ كاسحة للهدم.

وقد أثبتت أحداثُ 2011 وما تلاها قدرةَ الشباب على المبادرة بالفعل وعلى تحفيز التغيير، وأظهرت وعيَهم بما تطرحه الأوضاعُ العامةُ القائمة من تحدِّياتٍ خطيرة للتنمية وقدرتَهم على التعبير عن عدم رضا المجتمع ككُلٍّ عنها وعن مطالبه بتغييرها؛ كما كشفت عن عمق التهميش الذي يعاني منه الشبابُ، وعن عدم امتلاكهم أدواتِ العمل السياسيّ المنظَّم التي يُمكنها ضمانُ سلْمية التغيير واستدامتِه. وأثبتت هذه الأحداثُ أنَّ حصرَ الاستجابة لمطالب التغيير بالتعامل الأمني دون التصدي لمعالجة أسبابها يُحقِّق استقراراً مؤَقّتًا يؤجِّل دوراتِ الاحتجاج لكنّه لا يُقلِّل من فرص تكرارها؛ لا بل قد يؤدّي إلى تراكُمها، لتعود إلى الظهور بأشكالٍ أكثرَ عنفًا.

معاناة الشباب

ذكر التقرير أن «شبابُ المنطقة يشتركون في معاناتهم من واقع التنمية الانسانية، وإنْ بدرجاتٍ مختلفة. فهُم يشعرون بقلقٍ عميق حيال مستقبلهم، ويسيطر عليهم إحساسٌ دفينٌ بالتمييز والإقصاء، ولا يُحصّل جزءٌ كبيرٌ منهم تعليمًا جيّدًا أو عملاً مقبولاً أو رعايةً صحيّةً مناسبةً، ولا يمتلكون تمثيلاً كافيًا في الحياة العامة ولا كلمةً مسموعةً في تكوينِ السياسات التي تُؤثِّر في حياتهم. وتزداد هذه المعاناةُ تفاقُمًا بالنسبة إلى الشابّاتِ تحديدًا، بسبب انعدام المساواة واستمرار الفجوة في تمكين المرأة في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بالرغم من بعض الإنجازات التي تحقَّقت في عددٍ من البلدان».

ورأى التقرير أن «الكثير من خيارات الحكومات خلال العقود الماضية أدت إلى تهميش قطاعٍ عريض من الشباب، وراكَمت لديه قلّةُ الاهتمام الرسميّ بمتطلَّباته شعورا بالظلم، وأثارت موجاتٍ من السخط العميق في أوساط هذا القطاع النشِّط من السكّان. تاريخيًّا، وخلال حِقبة النموّ السكّانيّ المطَّرد، عاد ليَظهر في شكل جديد خلال السنوات الخمس الماضية، حيث تنشط أعدادٌ متزايدةٌ منهم في تحدّي الحكومات التي حمّلوها مسئوليةَ الإخفاق في تحقيق التنمية المنشودة. ويتّضح ذلك جليًّا في موجة الاحتجاجات التي قاد طليعتَها الشبابُ في العام 2011، والتي سلّطت الضوءَ على الحاجة الملحَّة إلى تغيير النهج القائم في إدارة الشأن العام ومواردِ المجتمع».

وبين التقرير أنه «ليس هناك مجالٌ للشكّ في أنّ الشبابَ يُمكن أن يكونوا عناصرَ فعّالةً في إحداث التغيير الإيجابي المطلوب في المنطقة، شريطةَ الاعتراف بما لديهم من قدرات، والعملِ على تطويرها، والسعي إلى استثمارها. لذا، يدعو هذا التقريرُ إلى وضعهم في صلْب عملية التنمية الإنسانية، بما يعنيه ذلك من إتاحة فرصٍ حقيقية أمامهم لتكوين مستقبلهم وتحريرِ طاقاتهم».

بموازاة ذلك، يُنبّه التقريرُ إلى أنَ سياساتِ وممارساتِ الإقصاء في مختلف المجالات، وعدمَ كفاية الحماية الموفَّرة للحريات العامة وحقوق الإنسان، وضعفَ التنافُسية الاقتصادية، والتقصيرَ في إرساء دعائم الحُكم الرشيد، ولاسيَّما في جوانبه المتعلقةِ بالشفَّافية والمساءلة، تُهدّد مستقبلَ الشباب وآفاقَهم بشكلٍ متزايد. وتستقطب هذه العواملُ بعضَ الشباب إلى مواقعَ معرقلةٍ للتنمية، بما في ذلك إيديولوجياتُ التطرُّف العنيف؛ خصوصًا في ظلّ ما تشهده بلدانٌ عدّة من تعاظمٍ في وتيرة النزاعات، وهشاشةِ مؤسسات الدولة، واختلالِ العلاقة بين السلطة السّياسية والقوى المجتمعية».

ونوه التقرير إلى أن «الاستمرار في تجاهُل أصوات الشباب وإمكاناتهم، والاكتفاءِ بمبادراتٍ صُوَريّة أو مجتزأة لا تُغيّر واقعَهم، يُذكي اغترابَهم عن مجتمعاتهم أكثرَ من أيّ وقتٍ مضى، ويدفعهم إلى التحوّل من قوةٍ بنّاءة في خدمة التنمية إلى قوةٍ هدّامة تُسهم في إطالة حالة عدم الاستقرار، وتُهدِّد أمنَ الإنسان بمختلف أبعاده، التي أثارها تقريرُ التنمية الإنسانية العربية للعام 2009، بشكلٍ خطير قد يُجهض عمليةَ التنمية برمّتها».

من هذا المنطلق، لا يدعو التقريرُ إلى تطوير السياسات والاستراتيجيات الشبابية وحسْب، بل أيضًا إلى إعادة صياغة السياسات العامة في البلدان العربية، على المستويَين الكلِّي والقطاعي، حول نموذجٍ جديد للتنمية، جديرٍ بالشباب في ظلّ الواقع المتغير الذي تعيشه المنطقةُ اليوم على الصُّعد الاقتصاديّة والسياسية والاجتماعية. ويسعى التقريرُ في هذا الإطار إلى تحفيز مختلف الأطراف المعنيين على الانخراط في نقاشٍ واسع بشأن القضايا المحدَّدة التي يطرحها، وإلى تشجيع الشبابِ أنفسِهم على المشاركة في هذا النقاش لتحديد طبيعة المجتمعات التي يبتغونَ العيش فيها كبالِغين.

أحداث العام 2011 وما بعدَها

من منظور التنمية الإنسانية

قال التقرير: « مثّلت الاحتجاجاتُ العارمة التي اجتاحت المنطقةَ العربيّة في العام 2011 نقطةَ تَحوُّلٍ فارقة لم يَعد ممكنًا بعدَها إيقافُ قوة الدفع للتغيير من أجل الإصلاح، لكنّها تواكَبت في الوقت ذاته مع حالاتٍ حادّة من النزاع وعدمِ الاستقرار ترتبط في جزءٍ كبيرٍ منها بمشاكلَ قديمةٍ مَوْروثة».

ويرى التقريرُ أنّ أحداثَ العام 2011 وعواقِبَها هي نتيجةُ تراكُم عقودٍ طويلة من السياسات العامة التي أدّت تدريجًا إلى إقصاء قطاعاتٍ واسعة من الناس عن المجالات الاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة. وحرَم ذلك المزيدَ من السكّان رعايةً صحيّةً مناسبة وتعليمًا جيّدًا، وأدّى إلى تفاقُم مشكلة بطء نموِّ الدخل التي لَطالما عانتها المنطقة؛ الأمرُ الذي عمّق الفجوةَ القائمة بين فئات المجتمع.

يستند هذا التقييمُ إلى تحليل مؤشِّر التنمية البشرية الصادرِ عن برنامج الأمم المتّحدة الإنمائي الذي يَرصد التقدمَ في جوانبَ رئيسيّةٍ في حياة الناس تشمل إمكاناتِ العيش فترةً طويلة مع الحفاظِ على صحّةٍ جيدة، وتحصيلِ العلم، والتمتّعِ بمستوياتٍ معيشيّةٍ لائقة.

بعد نجاح المنطقة في رفع معدّلات المؤشِّر في الفترة ما بين العامين 1990 و2010، نتيجةَ التقدم الذي أُحرِز في مجالَي الصحة والتعليم، بدأ المؤشِّرُ يتباطئ، فهبط معدّل النمو السنوي بأكثرَ من النصف بين العامَين 2010 و2014، مقارنةً مع النموٍّ المتحقّق بين العامَين 2000 و2010، متأثراً على ما يبدو بالأزمةَ الماليّة والاقتصاديّةَ العالميّة في فترة 2008 / 2009، مقرونةً بعدم الاستقرار السياسي، والحروب والصراعات المسلّحة التي نشبت في عدد من البلدان العربية. إذا ما استمر الاتجاه السائد، يُتوقَّع أن تَحلّ المنطقةُ في العام 2050 في المرتبة الخامسة بين مناطق العالم الست على «مؤشر التنمية البشرية»، متقدمة على أفريقيا جنوب الصحراء فقط.

وذكر التقرير أنه على مدى عقودٍ مضت، اتّبعت الحكوماتُ في المنطقة نموذجًا للتنمية هيمَن عليه القطاعُ العام، بحيث أصبح الملاذَ الأولَ والأخير للإعالة، ما خلَق تناقُضاتٍ عديدة.

من ناحيةٍ أُولى، وسَّع هذا النموذجُ إمكانيّةَ حصول الناس على استحقاقاتٍ رئيسيّة – أكان ذلك من خلال التوظيف في مؤسساتها أو من خلال الإعانات في المواد الغذائيّة التي تُوفّرها – الأمرُ الذي خفَّض نسبةَ الفقر وعدمِ المساواة في الدَّخل، ووفّر حمايةً اقتصادية لفئاتٍ كانت محرومة.

لكنّ هذه النتائجَ الإيجابيّةَ ظاهريًّا فرضَت، من ناحيةٍ ثانية، مقايضةً أعمقَ على المدى الطويل. فالمكاسبُ المتحقّقة من منظور التنمية البشرية نادراً ما تُرجِمت إلى زيادةٍ في الإنتاجيّة والنموّ، لأنّ النموذجَ التنمَويَّ المعتمد حصرَ رأسَ المال البشري في وظائفَ حكوميّةٍ غيرِ منتِجة، وبنى هرَمًا من الامتيازات التي منحت الأفضليةَ الاقتصاديّة لشركاتٍ وأفرادٍ على علاقةٍ وثيقة بصانعي القرار، وعزَّز تحالُفاتٍ هيكليّةً قويّة بين النُخَب السياسية والاقتصاديّة لتأمين مصالحِها أولاً.

في المحصّلة، خلّف هذا النموذجُ التنمَوي إرثًا سلبيًّا للاستحقاق الذي يَدعم الأفرادَ من المهْد إلى اللَّحد. وأخطرُ من ذلك أنّه عزّز التهميشَ السّياسي والفوارقَ الاقتصادية -الاجتماعية، وقوّض روحَ المبادرة الفرديّة، وشجّع الاستهلاكَ على حساب الإنتاجية والاستثمارات الطويلةِ الأجل في القدرات البشريّة، وأوجد إشكاليةَ الفساد التي أبطأت عجلة التنمية بمختلف أشكالها. ثمّ أتت أحداثُ العام 2011 لتكشف خطورةَ هذا النموذج، وتُبيّن أنّ التكاليفَ المتصاعدة لانعدام عدالة توزيع الدخل، وإحكامِ السيطرة الأمنية التي يتطلبّها، قد تُعرّض أنظمةَ الحكم التي تنتهجه إلى الانهيار الكامل.

الفسادُ: مسمارٌ خفيّ

في نعش التنمية في المنطقة العربية

وخلص التقرير إلى أن «إحرازَ تقدّمٍ يُرضي الشبابَ، ويُتيح للمنطقة العربية توظيفَ إمكاناتها الهائلة في تسريع وتيرة التنمية ومعالجةِ القصور الحاصل، يتطلّب وعيًا عاليًا من جانب النُّخَب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتعاونًا وثيقًا بين مختلف الأطراف المعنيين، بمن فيهم الشباب، من أجل ترسيخ ثقافةٍ طاردة للفساد، وتطبيقِ المعايير الدَّولية المنبثقةِ عن اتفاقية الامم المتّحدة لمكافحة الفساد، ووضعِ وتنفيذ استراتيجياتٍ وطنية فعّالةٍ ومنسَّقة تستهدف أولَوياتٍ واضحةً وذاتَ تأثيرٍ مباشر على تنافُسية القطاع الخاص، وجُودة الخدمات الأساسية ونزاهتِها، وقدرةِ الدولة على تحصيل الموارد لإعادة استثمارها في التنمية على نحوٍ شفّاف وقابلٍ للمساءلة».

دينامياتُ عدم تمكين الشباب

في المنطقة العربية

يرى التقرير أنه لا يمكنُ تحقيقُ التغيير المنشودِ دونَ تمكينِ الشباب أنفسِهم، أي توسيعِ قدرتهم على اتّخاذ خِياراتٍ حياتيّة استراتيجية في مجالاتٍ لم تكن تتوفَّر فيها هذه القدرةُ سابقًا. فذلك سيُعزّز شعورَهم بالفعاليّة، ويُحفّزهم على المساهمة في عمليات الإصلاح، ويرفع مستوى إدْماجهم في المجتمع.

ويُحدِّد التقريرُ عدّةَ عواملَ متأصّلةٍ في المنطقة العربيّة تُعيق تمكينَ الشباب، وتَنزع إلى إضعافهم، وتمنع تحريرَ طاقاتهم الكامنة على نحوٍ كامل. ويُجمل أهمَّ تلك العوامل تحت ستة عناوينٍ رئيسية، هي: ندرةُ فرص العمل اللائق، ضعفُ المشاركة السياسية، انخفاضُ جودة الخدمات العامة في مجالَي التعليم والصحة، سوءُ إدارة تَنوّع الهُوِيات في المجتمع، انتشارُ مفاهيمَ وممارساتٍ موروثة لا تساوي بين الجنسين، واستطالةُ صراعاتٍ تَسرق مكتسَبات التنمية.

ندرةُ فرص العمل اللائق

يُحلِّل هذا التقريرُ النواتجَ الرئيسيّةَ لسوق العملِ فيما يَخصّ الشبابَ في المنطقة العربيّة، حيثُ يُسجّل معدَّلاتٍ منخفضةً جدًّا لمشاركتهم في القوى العاملة تصل إلى ما يقارب 24 في المئة، وتنخفض إلى ما دون 18 في المئة بين الشابات؛ وهو أدنى معدَّلٍ مقارنةً بباقي مناطق العالم.

ونسبةُ البطالة بين الشباب هي الأعلى لهذه الفئة العُمريّة في العالم، إذ تقترب من 30 في المئة – بعد خمس سنواتٍ من الاحتجاجات الواسعة التي طالبت بالعيش الكريم.

ويخلص التقرير إلى أن توفيرُ فرصٍ للحصول على الوظائف يشكل واحدًا من أكبر التحدِّيات للمنطقة التي تُعدّ فيها معدّلاتُ البطالةِ المرتفعةُ لدى الشباب سمةً بارزة.

ضعفُ المشاركة السياسية

يُرجع هذا التقريرُ ضعفَ مشاركة الشباب إلى طبيعة الحياة السياسية في البلدان العربية التي توجد فيها قوانينُ وممارساتٌ ذاتُ طابعٍ إقصائي عمومًا، لكنه يَكشف في الوقت ذاته تطوّراً إيجابيًّا هامًّا في هذا المجال؛ إذ يُشير إلى أنّ اهتمامَ الشباب بالمشاركة السياسيّة يتزايد. ففي البلدان التي تشهد انتقالاً سياسيًّا، يتفوّق الشبابُ في اهتمامهم بالسِّياسة على مَن يَكبرهم سنًّا – لكنْ نادراً ما يُترجَم هذا الاهتمامُ إلى مشاركةٍ رسمية، إلّا بين الشباب الأفضلِ تعليمًا - وحتى هؤلاء، غالبًا ما يَقتصر نشاطُهم على المشاركات في المظاهرات.

ويُبيّن التقريرُ أيَضًا أنّ افتقارَ الشباب إلى الثقة في العمليّة الديمُقراطيّة يَحدّ من مشاركتهم في الانتخابات مقارنةً مع مجموعاتٍ أُخرى من المواطنين، ما يُعمّق حالةَ الحرمان الشامل التي يعانونها، والتي تمثّل تحدّيًا رئيسيًّا أمام عمليّة التنمية الإنسانية في المنطقة العربية.

وبين التقرير أنه خلال العام 2011 والفترة التي تَلته، استثمر الشبابُ - والشابّاتُ على وجه التحديد - الفرصةَ لإيصال أصواتهم المطالِبةِ بإقامة العدالة بين النوعين الاجتماعيين على اعتبارها جزءًا لا يتجزأّ من العدالة الاجتماعيّة.

انخفاضُ جودة الخدمات العامة

في مجالَي التعليم والصحة

ويشير التقرير إلى أن تحسينُ جودة الخدمات العامة في مجالَي التعليم والصحةِ هي التحدِّيَ الأكبر، خصوصًا في المجال الأول؛ نظراً إلى استياء الشباب المتزايدِ تجاه قيمة التعليم العالي وتُخْمةِ الخِرِّيجين الذين يُعانون البطالة. ويرتبط ضعفُ مخرَجات التعليم في المنطقة العربية بشكلٍ وثيق مع تدنِّي مجموعةٍ واسعة من نتائج التنمية المرتبطةِ بالقدرة على وُلوج سوق العمل بكفاءة، وتعظيمِ سُبُل كسْب العيش، والحصولِ على التمويل، والنجاحِ في ريادة الأعمال.

سوءُ إدارة التنوع في المجتمع

ذكر التقرير أن الاستقطابُ حول قضايا الهُوِيّة في المنطقة العربية يُحوّل الانتباهَ عن التحدِّيات الاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة التي تواجهها؛ مع أنّ المشكلةَ لا تتمثّل في تنوُّع الهُوِيات – أكانت دينيّةً أو عِرقيّة أو ثقافيّة – في حدّ ذاته، ولكنْ في كيفيّة إدارة هذا التنوّع على المستوى الاجتماعيِّ -السياسي، وبواسطة القوانين والمؤسسات على مستويَي النصّ والتطبيق. فالإخفاقُ في ضمان المساواة بين جميع المواطنين يجعل جماعاتٍ عديدةً من مواطني البلدان العربية وقاطنيها عرضةً للتمييز، وأكثرَ ميلاً إلى التكتّل على أساس مصالحَ فئويةٍ قد تصطدم بالمصالح المشتركة العابرِة للفئات كافّةً.

انتشارُ مفاهيمَ وممارساتٍ

موروثة تُعيق المساواةَ بين الجنسين

بين التقرير أنه على الرغم من وجود ضماناتٍ في الديانات والأعراف السائدة في المنطقة العربية لتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة، لا تزال المنطقةُ تُعتبر، بشكلٍ عامّ، أكثرَ تخلّفًا في هذا المجال من أيّ منطقةٍ أُخرى في العالم. ويَرجع ذلك أساسًا إلى عدم احتضان الثقافةِ المجتمعية العامة والقوانينِ المعمولِ بها لمفهوم المساواة على نحوٍ كامل، وإنْ كانت بعضُ البلدان قد بذلت جهودًا متناثرة لتغيير هذا الواقع، وأحرزت بعضَ التقدم في تمكين النِّساء.

صراعاتٌ مطوَّلة تُقوِّض مكتسَباتِ التنمية

أوضح التقرير أن الحروب والصراعات المسلحة تُدمِّر نسيجَ المنطقة العربيةِ الاجتماعيّ، مسبِّبةً خسائرَ فادحةً في الأرواح؛ ليس بين المقاتلين فحسْب، لكنْ أيضًا - وعلى نحوٍ متزايد – بين المدنيين، بمن فيهم الأطفال. ويقع العددُ الأكبر من الوفياتِ خارج ساحات المعارك، حيثُ مقابلَ كلّ شخصٍ يُقتل مباشرةً بالعنف المسلّح، يموت ما بين 3 و 15 آخرين على نحوٍ غيرِ مباشر من أمراضٍ كان يُمكن أن تُعالج، ومضاعفاتٍ طبّية، وسوءِ تغذية.

نحوَ نموذجٍ تنمَويٍّ جديد

وجديرٍ بالشباب في المنطقة العربية

يَخلص التقريرُ إلى أنّ الشبّان والشابّات في المنطقة العربية بدأوا يُكافحون من أجل الوصول إلى تحقيق اندماجٍ اقتصاديٍّ وسياسي واجتماعي كاملٍ في مجتمعاتهم، لكنّهم أقلُّ رِضًا عن أوضاع بلدانهم مقارنةً بالشباب في مناطق العالم الأُخرى. الأسوأُ من ذلك أنّهم أقلُّ قدرةً من نُظرائهم على ممارسة أيّ قدرٍ من التأثير في مستقبلهم؛ وأنهم على وعيٍ كامل بأنّ الخِياراتِ المتاحةَ أمامهم محدودةٌ وعقيمة، ويرفضونها بعُمومها، ويشعرون بأنّهم غيرُ ممكَّنين بما فيه الكفايةُ ليتحمّلوا مسئولياتِهم في تطويرها.

ويشير التقرير إلى أن إقصاءُ الشباب يَعُمّ المنطقةَ العربيّة، ويَظهر في نواحٍ متعددة، وتزداد حدّتُه على نحوٍ خاصّ بالنسبة إلى الشابّات، وتجاهَ العائشين في بلدانٍ تشهد صراعات، والنازحين داخليًّا، واللاجئين إلى بلدانٍ أُخرى هربًا من العنف وانعدامِ الأمن. في المقابل، يكاد تمكينُ الشباب يكون مسألةً وجودية للمنطقة. فإشراكُهم ليس ضروريًّا من أجل إدارة دَفّة صراع البقاء لأنفسهم وحسْب، بل ضروريٌّ أيضًا لأنهم هم مَن يجب أن يرسْموا خريطةَ المستقبل للأجيال القادمة من بعدِهم.

إنطلاقًا من هذه القناعة، يقترح التقريرُ صياغةَ نموذجٍ جديد للتنمية جديرٍ بالشباب يتصدّى لما يواجهونه من تحدِّيات ويعمل على تمكينهم من خلال تعزيز قدراتهم الأساسية - ولا سيَّما في مجالَي التعليم والصحة - وإتاحةِ الفرص أمامهم لتحقيق الذات، خصوصًا في المجالَين الاقتصادي والاجتماعي؛ وهذا من شأنه أن يُتيح للبلدان العربيةِ الاستفادةَ بشكلٍ أكبرَ من التحوّل الديمُغرافي الذي تمرّ به. في هذا السياق، لا تُمثّل الدعوةُ إلى تمكين الشباب مجرّدَ نداءٍ لتحسين أوضاع شباب اليوم، بل هو نداءٌ لإعادة بناء المجتمعات في المنطقة على منوالٍ جديد يضمنُ مستقبلً أفضلَ للجميع. وتلبيةُ هذا النداء غيرُ ممكنة من دون تغيير النظرة السائدة إلى الشباب وطريقةِ التعامل معهم، وُصولاً إلى تمكينهم كشركاءَ موثوقٍ بهم في عملية إعادة البناء.

وقد أكّدت المشاوراتُ الإقليمية ونتائجُ المُسوح التي اعُتمِد عليها ضرورةَ الاهتمام عن كثب بثلاثة أبعادٍ استراتيجيّةٍ رئيسية عند النظر في صياغة النموذج التنموي الذي يدعو إليه هذا التقرير، وهي:

أولاً: العملُ على تعزيز قدرات الشباب الأساسية بما يُمكّنهم من تحقيق أقصى إمكاناتهم، مع التركيز على جودة الخدمات التعليمية والصحية اللازمة لذلك؛ بالإضافة طبعًا إلى خدماتٍ أُخرى تُسهم في ضمان حياة اجتماعيةٍ كريمة لهم ومستوًى لائقٍ من العيش، مثلِ خدمات الإسكان ودعمِ العاطلين من العمل وغيرِها.

ثانيًا: توسيعُ نطاق الفرص المتاحة للشباب من أجل تحقيق الذات، اقتصاديًّا بتوفير فرص عملٍ لائقة، وسياسيًّا من خلال احترام حقوقهم وحرّياتهم وتمكينهم من المشاركة الفاعلة في المؤسسات الرسمية ومساءلتها، واجتماعيًّا من خلال مواجهة كلّ أشكال التمييز على أساس الهُوِية أو النوع الاجتماعي.

ثالثًا: العملُ على تحقيق السلام والأمن وتعزيزِ دور الشباب في هذا الإطار لضمان جدوى البُعدَين الاستراتيجيَّين الأوَّلَين واستدامتِهما، إذ من دون سلامٍ وأمن لا يمكن تعزيزُ قدرات الشباب ولا توسيعُ نطاق الفرص المتاحة أمامهم، كما لا يمكن ضمانُ استدامة مثل تلك الجهود وتراكُمِها على نحوٍ فعّال لا يتعرّض لانتكاساتٍ متكرّرة وجذرية.

رئيس الجامعة الأميركية في بيروت فضلو خوري
رئيس الجامعة الأميركية في بيروت فضلو خوري

العدد 5198 - الثلثاء 29 نوفمبر 2016م الموافق 29 صفر 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 5:09 ص

      شباب ليس عاطل فقط بل مهمش ويعيش بلا امان مع الاسف

    • زائر 4 | 12:20 ص

      ياليت بس عاطلين

    • زائر 3 | 12:19 ص

      من ليي يفهم ناس موجودة لتهميش فئة من الشباب بسبب الطائفية او توجه الشاب السياسي او الديني ماشا الله عندنا امثلة كثير لكن من لي يحس ويفهم ..........اخر من يفكرون فيه البحريني جامعيين وغير الجامعي حتى المهني حاليا من لي يستبعدونهم واخر مره الإعلان لوظائف برواتب مغرية ولكن بشرط على المتقدم غير بحريني!!!

    • زائر 2 | 12:17 ص

      من ليي يفهم ناس موجودة لتهميش فئة من الشباب بسبب الطائفية او توجه الشاب السياسي او الديني ماشا الله عندنا امثلة كثير لكن من لي يحس ويفهم ..........اخر من يفكرون فيه البحريني جامعيين وغير الجامعي حتى المهني حاليا من لي يستبعدونهم واخر مره الإعلان لوظائف برواتب مغرية ولكن بشرط على المتقدم غير بحريني!!!

    • زائر 1 | 9:24 م

      محرقي : نقول للأمم المتحدة الحمد لله في البحريني كل شي ممتاز والشباب مرتاحين والكل يعمل ونسبة البحرنة في وزارة الصحة والتربية وباقي الوزارات 99% لان شعارنا هو بحرنة الوظائف وحماية المستهلك والحفاظ على البيئة والبنية التحتية والخصخصة وحماية البلبل البحرني منذ سنوات خخخخخخخ

اقرأ ايضاً