العدد 5200 - الخميس 01 ديسمبر 2016م الموافق 01 ربيع الاول 1438هـ

السواحل واجهة حضارية

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

السواحل مقصد السياح، ومقوم استراتيجي للأنشطة السياحية في مختلف البلدان الساحلية، وتحرص الدول على الاهتمام بمظهر السواحل كمعلم سياحي وحضاري، ويتجسد ذلك الحرص في تنفيذ خطط تأهيل، وتنمية السواحل، وتوفير المتطلبات الترفيهية والخدمية، ووضع نظام يهتم بمتابعة صون النظافة العامة في الشريط الساحلي، ويرافق ذلك الحرص بناء آلية للرقابة وتنظيم وترشيد السلوك الاجتماعي في الأنشطة المجتمعية على السواحل.

السواحل في جميع البلدان واجهة حضارية، ومعلم يقع ضمن أولويات الاستراتيجيات الوطنية للبيئة، إذ تحرص الدول في بناء منظومة الإجراءات القانونية والإدارية والرقابية للحفاظ على قيمتها الجمالية والطبيعية وتوازنها البيئي، وإن الاهتمام بمواصفاتها الجمالية ومناهج العمل التنظيمي في إدارة عمليات استثمارها المهني والاجتماعي والسياحي خطوة مهمة ومفيدة في إبراز الفلسفة التنموية والنهج الحضاري للبلد، ويقدم ذلك للزائر صورة إيجابية عن طبيعة الفهم الاستراتيجي للدولة في مستوى اهتمامها ورعايتها للمعالم ذات الخاصية الطبيعية والبيئية والجمالية والاجتماعية والسياحية، ويعد ذلك مؤشراً على مستوى الوعي الاجتماعي، ويشير إلى القيمة الحضارية للثقافة المجتمعية في العلاقة مع المعالم الساحلية والسياحية والبيئية.

البحرين على رغم المعضلات ذات الطابع المؤسسي والتنموي والاجتماعي والأخرى المحيطة بواقع السواحل، حرصت على بناء واعتماد مبادرات تنموية طموحة حددت بموجبها الاتجاهات المنهجية في وضع خطط العمل التنفيذي، لتأهيل وتنمية بيئات المناطق الساحلية، وتغيير خريطة الظروف المحيطة بواقع السواحل والارتقاء بقيمتها البيئية والجمالية، ذلك ما يمكن تبينه في تصريح وزير الأشغال وشئون البلديات والتخطيط العمراني عصام خلف المنشور في صحيفة «الوسط» يوم الاثنين (7 مارس/ آذار 2016)، إذ أكد أن «الحكومة تولي للمشاريع الخدمية أولوية كبرى، وعلى رأسها مشاريع تطوير السواحل، حيث إن الوزارة تعمل حالياً على وضع خطة استراتيجية لتطوير سواحل مملكة البحرين وفق الدراسة التي ستقوم بها مكاتب إحدى الشركات الاستشارية الفرنسية، حيث ستشمل الدراسة المناطق المناسبة لتطوير السواحل بالمملكة، وفق معطيات المخطط الهيكلي الاستراتيجي لمملكة البحرين 2030، منوهاً في السياق ذاته إلى أن جميع السواحل التي وضعتها الوزارة ضمن مشاريع التطوير ستكون ضمن الأولويات التي ستعمل عليها الشركة الاستشارية».

الحقائق التي بينها الوزير بشأن واقع السواحل تسجل ثوابت تحول نوعي في استراتيجية العمل الوطني لتأهيل وتطوير السواحل، ويعد تحولاً للواقع القائم الذي سجله التحقيق بعنوان «10 سواحل تنتظر التطوير والإنشاء أعواماً رغم وضع حجر الأساس» المنشور في صحيفة «الوسط» يوم السبت (26 أكتوبر/ تشرين الأول 2013)، إذ يشير التحقيق إلى أن «10 سواحل في محافظات مختلفة من البحرين تنتظر التطوير والإنشاء من جانب وزارة شئون البلديات والتخطيط العمراني منذ أعوام، وذلك على رغم وضع حجر الأساس لعدد منها قبل أكثر من عامين، وصدور أوامر ملكية بتنفيذها، ومن بين السواحل التي تنتظر التنفيذ أو هي قيد إتمام الإجراءات، الزلاق وعسكر وقلالي والساحل الشرقي وسواحل البسيتين والدير وسماهيج وباربار، وكذلك ساحلا كرزكان ودمستان»، وفي السياق ذاته يشير التحقيق إلى أن وزير شئون البلديات السابق جمعة الكعبي، أكد أن «الوزارة ستنفذ مشروع تطوير ساحل باربار بكلفة تصل لنحو مليوني دينار، وكذلك مرفأ دمستان بالمنطقة الغربية خلال 2013. وأما بالنسبة لساحلي دمستان وكرزكان فإن المشروعين ستنفذهما الوزارة خلال الفترة القليلة المقبلة».

المجتمع مقوم رئيسي في منظومة جهود صون السواحل، ويتجسد ذلك في الموقف الاجتماعي المرتكز على أهداف موجهة في تفعيل الجهود التنفيذية لتنمية وصون السواحل كمعلم استراتيجي في المعادلة الاجتماعية والاقتصادية والسياحية والبيئية، وتنشط في البحرين مجموعات التطوع البيئي التي تتخذ من بيئات المناطق الساحلية هدفاً وموضوعاً رئيساً في ممارسة أنشطتها، إذ تعمل على تنظيم حملات تنظيف السواحل، وتوعية مرتادي المناطق الساحلية، وتذهب بعض المجموعات إلى ممارسة أساليب التحذير ومنع المخالفين للحد من أنشطتهم السلبية في بيئات المناطق الساحلية، بيد أن هناك معضلة تواجه نشطاء العمل البيئي، تتمثل في غزو عناصر بعض الجاليات المنحدرة من المجتمعات ضعيفة الوعي الاجتماعي للمناطق الساحلية والمياه الداخلية للبيئات الساحلية، في ظل غياب وقصور الرقابة من جهة الاختصاص على الممارسات السلبية لهذه الفئة من المجتمع.

وبالتضاد مع ذلك الجهد، تنشط الممارسات الفردية والجماعية المتناقضة مع الجهد الاجتماعي الإيجابي في العلاقة مع بيئات المناطق الساحلية، ويتمثل ذلك في الموقف السلبي وغير المسئول لقطاع من المجتمع، في ممارسات النشاطات غير الرشيدة في العلاقة مع بيئة السواحل، ورمي الأنقاض والقمامة والمخلفات المنزلية ومخلفات البناء ومياه الصرف الصحي، إلى جانب قيام بعض المصانع والمعامل بإلقاء مخلفاتها، وتصريف المياه العادمة في المياه الساحلية، والتسبب في تدمير معالم النظام البيئي للشواطئ، وقيام عدد من الأفراد بتدمير بيئة المكان والمقومات الخدمية والترفيهية، والإخلال بالحق الاجتماعي في الراحة والاستجمام، والتأثير السلبي على نقاء بيئة السواحل واستدامتها، وذلك يعد تعدياً صريحاً على الحق الاجتماعي والأمن الصحي والبيئي للمجتمع.

المقاربة المؤسسة لثوابت أبعاد مدخلات معادلة الحقائق، التي جرى معالجتها بشأن واقع السواحل على اختلافها، كقضية بيئية واجتماعية والجهود الموجهة لحمايتها وتنميتها، يمكن أن تبين واقع تداخل مخرجات الحلول بشأنها، إذ تتفاعل حقائق المواقف الإيجابية والأنشطة السلبية في العلاقة مع بيئات المناطق الساحلية ضمن خلية واحدة، وذلك يؤكد فرضية بناء مخرجات مترابطة الإجراءات التنموية والقانونية والرقابية والتوعوية تتمثل في الآتي:

1 - وضع خطة تنفيذية تتبنى منهج الخطوة خطوة في إنجاز استراتيجة تنمية السواحل المعتمدة، والعمل في تنفيذها على مراحل، وتضع ضمن أولوياتها إزالة المخلفات وتنظيف وتأهيل وتشجير السواحل وتوفير المتطلبات الخدمية بالتعاون مع مؤسسات القطاع الخاص، وتشكيل فريق عمل تنفيذي بالشراكة مع مؤسسات المجتمع الأهلي للمساهمة في إنجاز متطلبات الخطة.

2 - إعداد منظومة الإجراءات القانونية والإدارية والرقابية ويجري وفق قواعدها بناء نظام إداري للمناطق الساحلية، وتحديد المعايير العقابية، وآلية متابعة الأنشطة والمخالفات وفرض النظام في العلاقة مع البيئات الساحلية، والاستفادة من مؤسسات المجتمع الأهلي في تشكيل فريق عمل للرقابة، وفرض الالتزام بالنظام، وصون المعالم البيئية والخدمية على السواحل.

3 - اعتماد خطة عمل تنفيذي للتوعية بالإجراءات القانونية والإدارية المعتمدة، والعقوبات المترتبة على المخالفات القانونية، وتنفيذ الأنشطة والبرامج التي تعني بتنمية الوعي الاجتماعي بأهمية السواحل، وتبيان فوائدها الاجتماعية كموقع سياحي، ومكان للراحة والاستجمام، ونشر ثقافة الوعي البيئي وتعميم المعارف بالفوائد السياحية والاقتصادية المعيشية والصحية لبيئات المناطق الساحلية.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 5200 - الخميس 01 ديسمبر 2016م الموافق 01 ربيع الاول 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 12:09 ص

      كما أهلكت النخيل وبدل المليون نخلة اصبحنا بلد المليون أجنبي ، سنصبح دولة بلا سواحل .
      قرى مجاورة للبحرين ولا يربطها به إلا ربما شارع ضيق جدا وبعضها حتى هذا الشارع اصبح معدوما بل مملوكا

    • زائر 2 | 11:58 م

      ألا تكفّ عن التذكير بالمواجع؟
      إن وضعنا في هذا البلد مؤلم ومؤلم جدا فلم يتبقّى من الطبيعة شيء يذكر،
      وأين يذهب الناس اذا ضاقت عليهم المدنية والعصرنة وفاضت بهم انفسهم، ألا يحتاجون لحديقة جميلة يفرغون فيها تعبهم، أو يذهبون لساحل بحر نظيف يجلي لهم همومهم ويزيح عنهم العناء؟
      إن ذكر السواحل اصبح كذكر الأموات وذكر الفواتح والأحزان والمآسي.
      اذا أراد البحرين زيادة همّه فما عليه سوى تذكّر البحر ومحاولة اللجوء للبحر فإنّ ضغطه يرتفع بصورة سريعة
      ثم يعود ادراجه بحسراته وآهاته. فلا تذكّرنا بما يؤلمنا

    • زائر 1 | 11:56 م

      ألا تكفّ عن التذكير بالمواجع؟
      إن وضعنا في هذا البلد مؤلم ومؤلم جدا فلم يتبقّى من الطبيعة شيء يذكر،
      وأين يذهب الناس اذا ضاقت عليهم المدنية والعصرنة وفاضت بهم انفسهم، ألا يحتاجون لحديقة جميلة يفرغون فيها تعبهم، أو يذهبون لساحل بحر نظيف يجلي لهم همومهم ويزيح عنهم العناء؟
      إن ذكر السواحل اصبح كذكر الأموات وذكر الفواتح والأحزان والمآسي.
      اذا أراد البحرين زيادة همّه فما عليه سوى تذكّر البحر ومحاولة اللجوء للبحر فإنّ ضغطه يرتفع بصورة سريعة
      ثم يعود ادراجه بحسراته وآهاته. فلا تذكّرنا بما يؤلمنا

اقرأ ايضاً