العدد 5208 - الجمعة 09 ديسمبر 2016م الموافق 09 ربيع الاول 1438هـ

القطان: محبة الرسول (ص) يجب أن تُترجم بالعمل واتخاذه أسوة حسنة في الأقوال والأفعال

الشيخ عدنان القطان
الشيخ عدنان القطان

أكد إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي الشيخ عدنان القطان، أن محبة الرسول (ص) يجب أن تُترجم إلى تعظيم سنته، والعمل بها، واتخاذه أسوة حسنة في الأقوال والأفعال، وفي الغدو والرواح، وفي اليسر والعسر، لافتاً إلى أن المحبة وحدها لا تكفي، والعاطفة وحدها لا تبلّغ المقصود.

وفي خطبته أمس الجمعة (9 ديسمبر/ كانون الأول 2016)، تحدث القطان عن «شمائل المصطفى محمد (ص)»، تزامناً مع قرب ذكرى المولد النبوي الشريف، مؤكداً أن «في القلوب لهيب الشوق إليه، لا يطفئه إلا لقاؤه على الموعد في جنات عدن...».

وقال في مطلع خطبته: «يحلو الحديث في المناسبات عن الرجال العظماء من الناس، ولكن الحديث عن هذا الرجل العظيم، في كل مناسبة وفي كل حين، لا يجاريه أي حديث في روعته وحلاوته والطرب به والشوق إليه، رجل ملأ حبه القلوب، واصطفاه الله على الناس، فجعله أكرمهم وأحبهم إليه، وكان خليل الله، إنه رسول الله محمد بن عبدالله صلوات ربي وسلامه عليه، الحبيب الذي تشتاق إليه النفوس، وبذكره ترق وتلين القلوب، وعند الحديث عنه، تطمع النفوس المؤمنة إلى رؤيته والالتقاء به في الجنان، والموعد حوضه الشريف حيث ينتظر المؤمنون، يأتون إليه غراً محجلين عن باقي الأمم كي يشربوا من حوضه الشريف شربة هنيئة لا يظمأون بعدها أبداً».

وعرّفه بأنه «محمد بن عبدالله بن عبد المطلب من بني هاشم من قريش، أعز الناس نسباً، وأشرفهم مكانة، ولد في بطاح مكة، فرأت أمه نوراً أضاءت له قصور الشام، نشأ حين نشأ يتيماً، فكفله جده ثم عمه، واسترضع في ديار بني سعد، أرضعته حليمة السعدية (رض)، فكانت أسعد الناس به، نزلت الملائكة من السماء فشقت صدره وغسلت قلبه، فنشأ نشأة طهر وعفاف في مجتمع جاهلي يعج بالشرك والظلم والمنكرات، لم يتجه يوماً بقلبه إلى صنم، ولم يعاقر خمراً، ولم يتسابق كغيره إلى النساء، صادق اللسان، لم يجرب عليه قومه كذبةً واحدة، أمين وأي أمين».

وذكر القطان بأن الرسول (ص) «تزوج في شبابه وقبل مبعثه بأكرم النساء وأحصنهم وأعفهم وأرجحهم عقلاً أم المؤمنين خديجة (رض)، فأنجب منها جل أبنائه وبناته. حبب الله إليه الخلوة والتعبد لربه بعدما كره بفطرته السليمة ما كان عليه قومه من عبادة الأصنام، فكان يصعد إلى غار حراء، فيمكث به الليالي ذوات العدد ناظراً للكعبة الشريفة والسماء». وأفاد بأن الأنبياء من قبه بشروا بقدومه وهتفت الجن ببعثته، وامتلأت السماء حرساً شديداً وشهباً. بعثه الله للناس على رأس أربعين سنة، فلما اقتربت طلوع شمسه كان لا يمر بحجر ولا شجر إلا سمع من يقول له: السلام عليك يا رسول الله، فيلتفت فلا يرى إلا الحجر والشجر، فلما كان ذات ليلة على عادته في الغار وإذا بجبريل عليه السلام يأتيه رسول مرسل من ربه بـ (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ) فرجع بها إلى بيته خائفًاً يرجف منها فؤاده قائلاً: (زمّلوني زملوني)، فسكبت عليه خديجة (ص) أعذب الكلام وأروعه حتى هدأت نفسه وهي تقول له: (كلا والله، لا يخزيك الله أبداً؛ إنك لتصِل الرحم، وتحمل الكلَّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحقّ)».

وأضاف «ثم تتابع الوحي عليه من ربّه آمراً له بالدعوة إلى الله، فخرج يدعو سرّاً من كان يرجو قبول الحق، فلما تكاثر المؤمنون من حوله أتاه الأمر: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ) فلقي منذ ذلك الوقت صنوف الأذى والسخرية والاستهزاء، وتحمل هو ومن معه من المؤمنين الذين كانوا يزدادون يوماً بعد يوم، تحملوا الشدائد لتمسكهم بالإسلام والمحافظة على هذا الدين العظيم».

وتابع «فلما رأى من قومه الصدود والإعراض بدأ بإخراج دعوته خارج مكة، فوصل الطائف ولاقى من أهلها أكثر مما لاقاه من قومه في مكة، فأخذ يعرض دعوته على القبائل حتى هيأ الله له نفراً من أهل المدينة قدموا مكة في الموسم، فعرض دعوته عليهم، فأوقع الله في قلوبهم الإيمان، فاتفق معهم على الهجرة للمدينة وأن ينصروه ويمنعوه مما يمنعون أبناءهم وأهليهم، فكانت تلك الهجرة العظيمة وذلك الحدث التاريخي الذي قلب الأمور على الأرض رأساً على عقب، وانطلقت دولة الإسلام من المدينة، وبدأ الجهاد لما توافرت أسبابه، فجاهد رسول الله (ص) هو وأصحابه بأموالهم وأنفسهم حتى فتح الله له القرى وأمها، ودانت له جزيرة العرب، وهابته الأعاجم في ديارها، فكان من آخر أمره حجه بالناس، فنصح وبلغ رسالة ربه حتى حانت ساعة...». وعدد القطان أوصاف الرسول (ص)، إذ إنه «يمشي وكأن مشيته في منحدر، إذا التفت التفت بكل جسمه، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، يمشي وأصحابه أمامه، طويل السكوت، دائم الفكرة، لا يتكلم في غير حاجة، يفتتح كلامه ويختمه باسم الله تعالى، يتكلم بجوامع الكلم، ولا يضحك إلا تبسماً، لا يتكلم فيما لا يعنيه، يؤلف بين قلوب الناس ولا ينفرهم، يتفقد أصحابه ويسأل عنهم، يحلم على الجاهل والسفيه، ويصبر على من يحادثه حتى يكون محدثه هو المنصرف عنه، من سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور جميل من القول، قد وسع الناس بسطه وخلقه فصار لهم أبًاً».

وأشار إلى أن «مجلسه مجلس علم وحياء وأدب، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تذاع فلتاته، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بصخاب ولا فحاش ولا عياب. يبيع ويشتري، يضحك مما يضحك له الناس، ويتعجب مما يتعجبون».

وأردف قائلاً «كان راجح العقل، صادق الفراسة، ثابتاً في الشدائد، صابراً في البأساء والضراء وحين البأس، حليمًاً وقوراً وفياً للعهد والناس، يصفح ويعفو عمن أساء له، حفظه الله فعفا عمن حاول سحره، وتجاوز عمن دس له السم، وصفح عن أهل مكة. كان وسطًاً يحب الاعتدال، كريمًاً سخياً كالريح المرسلة».

وأوضح بأنه «انفرد (ص) عن إخوانه من الرسل والأنبياء والناس أجمعين بخصائص في الدنيا والآخرة لم تكن لغيره، كرامة وتشريفًاً لهذا النبي الكريم، منها أن الله أخذ العهد والميثاق على الأنبياء من قبله على الإيمان به، ونصرته، والبشارة به، ومنها أن رسالته كانت للناس كافة وكانت رسالة من قبله من الأنبياء لأقوامهم خاصة، ومنها أنه خاتم الأنبياء والمرسلين وكانت رسالته رحمة للعالمين، ومنها أنه النبي الوحيد الذي خاطبه الله بوصف النبوة والرسالة، فكان القرآن ينزل بـ(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ) (ويَا أَيُّهَا الرَّسُولُ)، ونادى بقية الأنبياء بأسمائهم».

ولفت إلى أن «من خصائصه أن جعل الله له ولأمته الأرض مسجداً وطهوراً، ونصر على أعدائه بالرعب، وغفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. كانت معجزات الأنبياء من قبله وقتيةً تنتهي بموتهم وكانت معجزته خالدة إلى يوم الدين؛ القرآن الكريم».

وبيّن أنه «تفرد عن بقية الأنبياء بالإسراء والمعراج حتى أدناه الله منه في سدرة المنتهى، وخصه الله يوم القيامة فأعطاه الله الوسيلة والفضيلة والمقام المحمود، وهو مقام الشفاعة العظمى للخلائق عند ربهم حتى يفصل فيهم، ويشفع لأمته حتى يبلغوا ثلثي أهل الجنة. أكرم الله أمته كرامة له، فكانت خير الأمم أخرجت للناس، وأحل الله لها الغنائم، ووضع عنها الآصار والأغلال التي كانت على من قبلهم، وتجاوز عنهم الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه، وحفظ هذه الأمة من الهلاك والاستئصال، وجعلها أمة لا تجتمع على ضلالة، وأعطاهم الله الأجر العظيم على العمل القليل، ويأتون يوم القيامة غراً محجلين من أثر الوضوء، ويسبقون الأمم إلى الجنة».

وقال إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي إن: «الله أظهر على يدي الرسول من المعجزات ما يبهر العقول، ففلق له القمر فلقتين، وتكلمت الحيوانات بحضرته، وسبح الطعام بين يديه، وسلم عليه الحجر والشجر، وتكاثر له الطعام والشراب كرامة، وأخبر بالمغيبات، فمازالت تتحقق في حياته وبعد وفاته».

العدد 5208 - الجمعة 09 ديسمبر 2016م الموافق 09 ربيع الاول 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً