العدد 5209 - السبت 10 ديسمبر 2016م الموافق 10 ربيع الاول 1438هـ

غياب الاستماع لأصوات الشباب العربي تحذير آخر

ريم خليفة Reem.khalifa [at] alwasatnews.com

يُعدُّ الشباب وقود المجتمعات، وتطورها الساعي إلى التحول والتغيير والتنمية. وتأتي تقارير التنمية الإنسانية العربية التي صدرت منذ العام 2002 حتى اليوم بوصلة للحكومات لقراءة النواقص في البُنى المجتمعية العربية التي تعوق بناء التنمية الإنسانية، وحضّها على معالجتها.

وعلى رغم ما يأتي في هذه التقارير، إلا أنَّ الحكومات العربية مازالت بعيدة عن الحلول والتحذيرات، وما أنجز إلا القليل منها، إذا تم الأخذ في الاعتبار جديَّة ما هو مطروح.

وتقرير العام 2016 الذي أطلق حديثاً في العاصمة بيروت بالجامعة الأميركية، والسادس تحت عنوان: «الشباب وآفاق التنمية الإنسانية في واقع متغير»، جاء ضمن سلسلة تقارير سابقة تنبأت بثورات وانتفاضة الربيع العربي في العام 2011.

ولكن في هذه المرة جاء لينوه وينذر بأهمية الاستماع إلى أصوات الشباب العربي، وجعله جزءاً لا يتجزأ من التنمية، وأيضاً بتوفير مساحة مشتركة للحوار، وفي صنع القرار، إذ مازال نحو 60 في المئة من سكان البلدان العربية تحت سن الثلاثين. وهذا لا يتم إلا من خلال إصلاحات ثلاثة، هي: السياسات الناظمة للعقد الاجتماعي بين الدولة ومواطنيها، وهيكلة الاقتصاد الكلي بعدالة ودون تمييز، السياسات القطاعية، مثل: التعليم، والصحة، والتوظيف، وأخيراً السياسات الوطنية المعنية مباشرة بالشباب، وضمان مشاركتهم في وضع السياسات العامة.

التقرير الذي يُعدُّ ضمن فريق مستقل بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، جاء صدوره بعد 5 أعوام على الربيع العربي، إذ انقسم المشهد العربي بين من رأى فيه بارقة أمل للنهضة في المنطقة، وآخر اعتبره تمرداً جرَّ المنطقة برُمَّتها إلى فوضى ومستقبل خطر.

وللتذكير فقط فإنَّ أول التقارير في العام 2002، ركز على مسائل «الحرية والتعليم وتمكين النساء»، وتناول الثاني في العام 2003 «نقص المعرفة في العالم العربي، وتحديداً علاقة الرابطة بين الدين والتعليم الحديث»، وركز الثالث في العام 2004 على «الحرية في العالم العربي»، مناقشاً «نظم الحكم، وأشكال استغلال السلطة، والأبعاد القانونية والمؤسساتية والدينية للإصلاح السياسي»، وتوقف الرابع عند قضية «عدم المساواة الاجتماعية بين الجنسين كعائق أمام التنمية الإنسانية في العالم العربي». وتناول التقرير الخامس العام 2009 قضية «أمن الإنسان في الدول العربية»، ليخلص إلى أن «قلة الأمن من أهم المعوقات التي تؤخر التنمية في العالم العربي».

وإذا كانت بعض التقارير السابقة شديدة الوطأة على الحكام العرب، وصاعقة لهم بتأكيدها وبالأرقام أن «العرب متخلفون عن مسيرة العالم» إلى حدٍّ جعل بعضهم يتظلم من أن ما يرد في هذه التقارير هو «لسان الغرب لكن باللغة العربية»، ونكران بعضهم الآخر المواجع التي تستفحل في الجسم العربي المريض، فإن أحداث 2011 وما تبعها أكدت أحقيَّة ما كانت تنادي به التقارير الأربعة ومن خلفها الباحثون العرب، ليظهر التقرير الأخير مدى الحاجة الماسة إلى الاستماع إلى الشباب العربي الذين يمثلون 60 في المئة من سكان المجتمعات العربية، ورغبتهم الجادة في المشاركة في التغيير من خلال إعطائهم الفرص.

في حفلة إطلاق التقرير، قال رئيس الجامعة الأميركية في بيروت فضلو خوري «إن الشباب العربي لا ينتظر اتفاقاً أميركيّاً - روسيّاً على بلدانهم لصنع مستقبلهم، هم لا يريدون عملية إنقاذ، إنما يريدون منحهم الفرصة لصنع مستقبلهم. فالتقرير الذي يدعو الدول العربية إلى الاستثمار في شبابها، وتمكينهم من الانخراط في عمليات التنمية، و»أن ما يقارب ثلث سكّان المنطقة هم من الشباب في أعمار 15 - 29 سنة (يقدر عددهم بأكثر من مئة مليون)، وهناك ثلث آخر يقل عمرهم عن 15 سنة ما «يوفر فرصة تاريخيَّة يتحتّم على البلدان العربية اغتنامها»، وفق مديرة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي هيلين كلارك.

يجزم التقرير بأن موجة الاحتجاجات التي اجتاحت بلداناً عربية منذ العام 2011 وكان الشباب عصبها، أفضت إلى تحولات كبيرة عبر المنطقة كلها.

ويُعدِّد التقرير، في الجانب المضيء من هذه التحولات، أن بعض البلدان شهدت وضع دساتير وطنية جديدة، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وتوسيع نطاق المشاركة العامة لمجموعات كانت مستبعدة في السابق.

كما يستكشف التقرير تحديات كثيرة يواجهها الشباب في المنطقة العربية، فلايزال كثيرون منهم يتلقّون تعليماً لا يعكس احتياجات سوق العمل، فيما أعداد كبيرة منهم، ولاسيّما من الشابات، عاطلون من العمل ومستبعدون من الاقتصاد الرسمي. ومن دون موْرد رزْق، فيجد الشباب صعوبة كبيرة في تحقيق تطلعاتهم المشروعة في الزواج والحصول على سكن ملائم.

أما عن موجة التطرف في أوساط الشباب، فقد أوضح منسق التقرير عادل عبداللطيف (مستشار شئون السياسات - المكتب الإقليمي للدول العربية في برنامج الأمم المتحدة الانمائي) أن موضوع التطرف ليس جديداً على المنطقة العربية، وشهدت العقود الماضية ممارسات عنف باسم الدين أو بوسائل أخرى لتغيير السلطة، لكنها اكتسبت بُعداً جديداً مع ظهور تنظيم «داعش»، مشيراً الى أن بين المتطرفين متعلمون. كما أن المشاركة السياسية للشباب موضوع مؤجل، فالأولوية كانت دائماً للتنمية الاقتصادية، واستمر الحكم على حاله، ولم تحصل مشاركة سياسية، إنما بقي الشباب الجانب المتلقي فقط.

ويقول إنه بغضِّ النظر عما حصل بعد مشاركة الشباب في الربيع العربي، فإن هناك نقاطاً مضيئة، في تونس تمَّ صوغ دستور، وفي الكويت صار للناس رأيٌ يعبرون عنه في الانتخابات مخالفٌ لرأي السلطة. وباتت كل حكومة تريد اتخاذ قرار ما تتوقع ضغط الشارع، ولم يعد صانع القرار منفرداً كما السابق، وكان يتمتع بتفرده، وبعد 2011 تغيرت الأمور، ولو أنَّ حكومات استوعبت هذه المسائل قبلاً، وغيرت من خلال الانتخابات لكانت الأمور في الدول العربية اتخذت منحىً آخر، ولو أخذت مطالب الشباب في حينها في الاعتبار، ولم يتم نكران استطلاعات رأي (كأن يتم حذف أسئلة من استطلاعات الرأي من جانب حكومات قبل المباشرة فيها) وقمع احتجاج في الشارع، لكانت الأمور مختلفة.

التقرير حذَّر من أن مواصلة «تجاهل أصوات الشباب وإمكاناتهم، والاكتفاء بمبادرات صوريّة أو مجتزأة لا تغيّر واقعهم، يذكيان اغترابهم عن مجتمعاتهم أكثر من أيّ وقت مضى، ويدفعانهم إلى التحوّل من قوة بنّاءة في خدمة التنمية إلى قوة هدّامة تساهم في إطالة حال عدم الاستقرار، وتهدِّد أمن الإنسان العربي بمختلف أبعاده، التي أثارها تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2009، في شكل خطير قد يُجهض عمليَّة التنمية برمّتها».

وهو يدعو إلى إعادة صوغ السياسات العامة في البلدان العربية، على المستويين الكلّي والقطاعي، بشأن نموذج جديد للتنمية، جدير بالشباب في ظلّ الواقع المتغير الذي تعيشه المنطقة اليوم على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. وان لم يحدث ذلك قد ينذر بموجة احتجاجات أخرى جديدة، وخاصة في ظل استمرار الحروب وحركات الصراع، وارتفاع الأسعار، وفرض الضرائب الجديدة في ظل غياب كلي لدور وصوت الشباب العربي الذي يصبح ضحية لسياسات التبعية أو التطرف القاتل أو الإحباط.

إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"

العدد 5209 - السبت 10 ديسمبر 2016م الموافق 10 ربيع الاول 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 12:49 ص

      اذا نجحت بريطانيا في الضحك عليكم بتعليق شمّاعة ايران فلا غرابة فمن سوّق عليكم ان اسرائيل صديق وحليف من السهل عليه ان يسوّق عليكم عداوة ايران.
      ...

    • زائر 2 | 11:51 م

      لو نجح الشباب عام ٢٠١١

      لاصبحنا في احضان ايران .لا لانظمة دينية قرو وسطية هذه الشعارات اثبتت فشلها ، الا اذا كانت هذه الشعارات مدفوعة الأجر لا نملك مقاومتها بسبب ضعفنا وقلة حيلتنا وتخلفنا

    • زائر 1 | 11:18 م

      المشكلة ان بعض الشباب سهل تحريضه

اقرأ ايضاً