العدد 5210 - الأحد 11 ديسمبر 2016م الموافق 11 ربيع الاول 1438هـ

لقاء بالخبز الإنجليزي والكباب الإيراني!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تذكر صحيفة «الغارديان» أنه وفي لقاء سياسي، جَلَسَ البريطانيون والإيرانيون وتداولوا أشياء كثيرة. كان حينها نيكولاس هوبتون، المتخصص في شئون الشرق الأوسط، والمستشار الخاص لوزير الخارجية البريطاني قد استقرّ في طهران سفيراً للندن هناك، وحميد بعيدي نجاد العضو الأساس في فريق التفاوض الإيراني حول الملف النووي سفيراً لطهران في لندن، بعد خمس سنوات من القطيعة الدبلوماسية.

لم يكن اللقاء في مقر إقامة السفير الإيراني في لندن وإنما في طهران حيث مقر السفارة البريطانية. كان المكان يمتاز بالفخامة بحسب الصحيفة. في الطابق الأول حيث جرى اللقاء كانت قاعة كبيرة ذات أبواب تُطلّ على شرفة، بينما غطت الأرض قطع من السجاد الإيراني الثمين، في حين تدلّت في السقف ثريات من الكريستال، وفوق الطاولة وُضِعَت علب من الحلوى الفرنسية وقناني مياه.

كان الموجودون شخصيات سياسية ودبلوماسية كبيرة من الجانبين، لكن بعضهم لا يظهر في الإعلام عادة لا اسماً ولا صورة إلاّ لِماماً، مثل مهدي دانش يزدي وهو أحد نواب وزير الخارجية الإيراني، وأحد رَاسِمِيْ سياسة طهران الخارجية. لم يكن هذا الدبلوماسي يقول كلاماً ثوريّاً أثناء اللقاء، وإنما كان يؤكد على بناء علاقة حسن نوايا وتعاون، وعلى المصالح المشتركة.

في الجانب البريطاني تحدثت مسئولة بريطانية كبيرة في وزارة الخارجية والكومنولث معنية بالشئون الاقتصادية والقنصلية، وهي أيضاً لا تَظهرُ كثيراً، لكنها مؤثرة. إنها ديبورا برونرت. وكان هناك وزير الخارجية البريطاني الأسبق جاك سترو، الذي ومنذ أن ترك منصبه أصبح عرّاباً لتعزيز العلاقات بين بلاده وإيران. قال سترو: نحن «شعبان نفخر بتاريخنا الكبير. هناك قواسم مشتركة كبيرة بيننا».

لكن الملفت فيما ذكره الرجل هو القول: إن «الغرب كان كثيراً ما يُؤذي إيران». أما اللورد نورمان لامونت، وهو مستشار محافظ، ويرأس غرفة التجارة البريطانية الإيرانية، فقد قال: «نريد تعزيز العلاقات التجارية في سوق تنافسية هامة». ثم قال: «وظيفة الدبلوماسية هي محاولة إيجاد أرضية ولغة مشتركة، وقد كان عدم وجود سفارة (بريطانية في طهران) أمراً له تأثيرات سلبية هائلة».

وبحسب قول «الغارديان» فقد أعقب ذلك اللقاء السياسي والاقتصادي الذي وصفته بـ «الودود والمريح بما فيه الكفاية» أعقبته وجبة غداء دسمة احتوت على «الكباب والرز والحلوى الإيرانية». بعد ذلك بأشهر وخلال مؤتمر مالي في لندن أعلن وزير التجارة البريطاني ليام فوكس أنه «بدأ يرى مؤشرات على نمو التبادل التجاري بين بريطانيا وإيران»، وأن الشركات البريطانية بدأت العمل بحماس مع إيران مجدداً»، وأن تبديد مخاوف القطاع المصرفي «مازال أولوية لدى الحكومة» البريطانية! مع عودة خط الطيران المدني المباشر بواقع ست رحلات أسبوعية من هيثرو إلى مطار الإمام الخميني.

أما في المسألة النووية فقد قال السفير البريطاني لدى طهران نيكولاس هابتون قبل يومين إن لندن «ستدافع بقوة عن تنفيذ خطة العمل المشترك (الاتفاق النووي)، وتنمية العلاقات التجارية مع إيران». وعن «دعم بلاده الحازم للعلاقات التجارية بين طهران ولندن». كان هابتون قد قال ذلك التصريح خلال توقيع مذكرة تفاهم حول إجراء دراسات بشأن ثلاثة حقول نفطية إيرانية (آزادكان وياداوران وكيش) بين شركة «النفط الوطنية» الإيرانية وشركة «شل» الهولندية البريطانية.

الحقيقة أن هذه الصورة قد لا تُرى كثيراً في وسائل الإعلام حول العلاقات البريطانية الإيرانية، ربما لأسباب مقصودة من الجانبين لكنها أمر قائم، وهي علاقة تلعب فيها اعتبارات كثيرة أهمها الجانب الاقتصادي الذي بات الهاجس الأول للبريطانيين بعد التصويت على الخروج من الاتحاد الأوربي. فبريطانيا تربطها علاقات تجارية وثيقة بالصين. وهو اهتمام يُضاعفه مشروع «طريق الحرير» الواعد الذي سيقوم بربط اقتصاديات أوروبا بآسيا ومركزه الصين، لكنه يمر عبر عدة نقاط أساسية في منطقة الغرب من بينها إيران. لذلك تسعى بريطانيا إلى تعزيز علاقتها بطهران.

هذا الطريق الذي سيربط نصف سكان العالم (قرابة 60 دولة) وتحديداً كل من شرق وغرب وجنوب آسيا بعضها ببعض ثم وصولاً إلى آسيا الوسطى وانتهاءً إلى أوروبا من خلال شبكة مواصلات برية وبحرية سواء عبر الموانئ أو السكك الحديد فضلاً عن أنابيب الغاز ومحطات الطاقة، سيعني أن أكبر تكتل تجاري متشابك سينشأ بدفع من الصين التي تريد بناء اقتصاد قوي لتعزيز تواجدها الاستراتيجي في ذلك الخط، من خلال تقوية حضورها في عدد من نقاط الطريق وأهمها إيران، التي ستختار مناطقها الشمالية الغربية والتي هي على تماس مع تركيا وآذربيجان والعراق بـ 891 كم.

لذلك سعت الصين لجعل علاقاتها الاقتصادية مع إيران تلامس الـ 600 مليار دولار خلال العقد المقبل، وباتت تشجع دولاً في جنوب آسيا وفي آسيا الوسطى لتعزيز علاقتها التجارية مع إيران، كي تتحوَّل إلى نقطة ارتكاز تعتمد عليها عندما يبدأ العمل بخط الحرير. وهو الحدث ذاته الذي تقوم به بكين تجاه بريطانيا وهولندا، وتحديداً في مجال الطاقة الأحفورية. لذلك يسعى البريطانيون إلى تعزيز حضورهم السياسي والاقتصادي في منطقة غرب آسيا والتي منها إيران.

وقد سمعنا وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون يقول قبل شهرين من الآن إن «التطور في العلاقات الدبلوماسية (بين لندن وطهران) يُعطينا الفرصة لتطوير مناقشاتنا بشأن مجموعة من القضايا». من بين تلك القضايا هي «دور إيران في المنطقة، فضلاً عن استمرار تنفيذ الاتفاق النووي، وتوسيع العلاقة التجارية بين بلدينا».

بل إن البريطانيين تجاوزوا خطوطاً حمراء خلال الحظر الدولي على إيران بعد استصدارهم وقبل ثلاثة أعوام اثنين وستين ترخيصاً لبيع عتاد عسكري لإيران (كثير من أنظمة تشفير) حسب صحيفة «الاندبندنت». وهو أمر يعطينا انطباعاً كيف تلعب المصالح الاقتصادية في بناء علاقات قد يُظَن أنها على غير ما يرام بين بلدين، إلاّ أنها في السّر وصلت إلى مدى بعيد في التعاون والتنسيق.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 5210 - الأحد 11 ديسمبر 2016م الموافق 11 ربيع الاول 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 18 | 7:36 ص

      مقال رائع يزيح ستار الغفلة الذي يحجب الحقيقة عن البسطاء

    • زائر 17 | 5:56 ص

      ماراح نعرف ان في صفقات ناجحه الا اذا سمعنا الموت لامريكا والموت لاسرائيل والموت لابريطانيا

    • زائر 14 | 1:55 ص

      هذا المقال إهداء الى من صدق تصريحات وتهديدات رئيسة الوزراء البريطانية في القمة الاخيرة

    • زائر 13 | 1:35 ص

      هؤلاء يلعبون بالحجر والبيض عارفين وين يقطون الخيط مع الاذكياء يتكلمون بلغتهم ومع صغار في السياسه بلغتهم

    • زائر 11 | 12:27 ص

      مشكلتنا لا زلنا لا نعرف كيفية لعب دول الغرب وبالأخص بريطانيا. دولنا تقط الخيط والمخيط على هذه الدولة التي يرى العالم جشعها وخبث سياستها وانها لن تتورّع عن فعل أي قبيح من أجل حصد المزيد من المال.
      وإلا فقل لي لماذا تستضيف بريطانيا المعارضة البحرانية؟ هل طيب منها او محبّة في شعب البحرين او انها مسألة حقوق الانسان التي غالبا ما يضربون بها عرض الحائط؟
      انما هي واقصد المعارضة أوراق ضغط تستخدمها بريطانيا على الحكومات ومن يرى ذلك ألا يتّعظ ويجلس ويتحاور مع معارضيه بدل تسليمهم لبلد يجعل منهم ورقة ضغط

    • زائر 10 | 11:52 م

      8

      تحليل اوكيه وتستاهل "جلو كباب " بس مع خبز بدون عيش !!

    • زائر 9 | 11:11 م

      هذا هو حال الأمم السعيدة ومقالك استاذي هذا ينسحب تماما على وصف أخينا المغوار الأستاذ هاني الفردان بمقالات اليوم والقول بكلمة نبس فقط يوجد طرشان لكن أذكياء وحليمين لكن من أعمى الله بصيرته وبصره تتضرر منه امم

    • زائر 8 | 7:32 م

      ما رأيكم في التحليل المنقول بالأعلى عن مصير الاتفاق النووي ؟

    • زائر 7 | 7:31 م

      ما مصير الاتفاق النووي؟ (7)
      لن يفرق في هذا ان كان من سينقض الاتفاق باراك اوباما ، أو دونالد ترامب.

    • زائر 6 | 7:29 م

      ما مصير الاتفاق النووي ؟ (6)
      موغريني شهدت بصحة هذا الكلام : اوروبا ((ماضية)) في طريقها.
      موقف روسيا والصين واضح في عدم الالتزام بالنقض الأمريكي.
      النتيجة :-
      1- نقض الاتفاق سيعني انفصام اوروبا ومعها روسيا والصين وسائر الدول في فلكهم عن أمريكا .
      2- نقض الاتفاق عزلة أمريكية عالمية جديدة.
      3- نقض الاتفاق تسريع النهاية لهيمنة أمريكا على القرار الاقتصادي العالمي.
      4- بقي الاتفاق أو نقض أمريكيا ، مصالح ايران الاقتصادية وتجارتها الخارجية باقية وتتوسع، والظروف مؤاتية.

    • زائر 5 | 7:26 م

      ما مصير الاتفاق النووي ؟ (5)
      وهذا الذي حذرت منه صحيفة (نيويورك تايمز) ترامب وكل من يفكر بهدم الاتفاق النووي :
      - الاتحاد الاوروبي وروسيا والصين يخاطبون الرئيس الأمريكي بضرس قاطع ، ما دامت ايران ملتزمة فهم ملتزمون ، واذا لم تلتزم أمريكا فسيتركونها و ((يمضون في طريقهم)) .
      - ستتحمل امريكا مسؤولية فشل الاتفاق، وستكسب ايران تعاطفا دوليا.
      - (( لن )) تشاطر سائر الدول امريكا في عقوبات جديدة ، و ((ستضعف)) التأثيرات الاقتصادية الأمريكية.

    • زائر 4 | 7:22 م

      ما مصير الاتفاق النووي ؟ (4)
      قالها محسن رضائي ( أمين عام مجمع تشخيص مصلحة النظام) :
      - الحظر الاميركي الجديد لن يكون على ايران فقط، بل سيشكل تجاهلا لاوروبا والصين وروسيا.
      هؤلاء جمعتهم المصالح ((تحسبهم جميعا و قلوبهم شتى)) .
      حين تتضارب مصالحهم يمضي كل في طريقه .

    • زائر 3 | 7:19 م

      ما مصير الاتفاق النووي ؟ (3)
      1- الصين (أكبر زبائن النفط الايراني بحجم 220 مليون برميل سنويا، وكذا احياء طريق الحرير التجاري ؛حلم الصين الكبير)
      2- روسيا ( تحفيز تجارة السلاح التي كسبت منها مع ايران 300 مليار دولار منذ قيام الثورة ، كصفقات اس300 وغيرها ، وكذا الصفقات التجارية الكبرى الأخرى)
      3- فرنسا ( صفقات ايرباس الضخمة)
      4- ألمانيا (فولكس واغن)
      5- بريطانيا ( شهادة جونسون بالأعلى)
      ببساطة .. نقض الاتفاق سيعني ضياع كل الأرباح والمصالح الاقتصادية الضخمة لكل هؤلاء.

    • زائر 2 | 7:16 م

      ما مصير الاتفاق النووي ؟ (2)
      ...........................
      ماذا يجري ؟
      منذ بداية المفاوضات أصر الجانب الايراني أن لا يقتصر الجانب المفاوض الاخر على أمريكا ، بل على كامل مجموعة (5+1).
      أعطينا قاعدة هامة قبل فترة مفادها:
      "" في المفاوضات حين تتعدد أطراف الجانب المقابل المفاوض ، يصعب على أحدهم نقض الاتفاق ابتعادا منه عن نقض مصالح الباقين""
      كان لكل طرف في ال5+1 مصالح ضخمة في الاتفاق.

    • زائر 1 | 7:12 م

      ما مصير الاتفاق النووي ؟(1)
      ...........................
      1- جونسون (وزير الخارجية البريطاني ) :
      - لندن ملتزمة بتعهداتها بالاتفاق النووي .
      - حجم العلاقات التجارية بين ايران وبريطانيا ازداد بنسبة 40 بالمائة وهذه علامة ايجابية من التعامل بين البلدين و ((يجب ان يستمر)).
      2- موغريني (وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي ) :
      - إدارة ترامب لا تستطيع إلغاء الاتفاق، لأنه ليس صفقة بين إيران والولايات المتحدة، بل اتفاق ((متعدد الاطراف)) .
      - الاتحاد الاوروبي ملتزم بالاتفاق النووي بشكل كامل.

    • زائر 12 زائر 1 | 1:30 ص

      من قال امريكا لاتستطيع؟ بل تستطيع ان تفعل ما تشاء فبلد بحجم اقتصادها والذي يساوي مجموع اقتصاد اوربا مجتمعة وفوقها الصين تستطيع ان تفرض مقاطعة لاي دولة تخالف انظمتها حتي وان كانت دولة اروبية

اقرأ ايضاً