العدد 5210 - الأحد 11 ديسمبر 2016م الموافق 11 ربيع الاول 1438هـ

«حوار الطرشان»

هاني الفردان hani.alfardan [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قصصٌ وأمثالٌ، وحكم لن تجد لها أصلاً في الحكاية، لكنها تحمل في مضمونها، أنها عبر ودلالات نعيشها، نتلمَّسها في حياتنا اليومية.

من بين تلك العبارات نسمع دوماً عن «حوار الطرشان»، ولو بحثنا عن أصل تلك العبارة، لوجدنا قصصاً كثيرةً بمضامين واحدة، من بينها هذه القصة المعبرة عن الحكمة من تلك العبارة.

في إحدى القرى، عاش 4 «طرشان»، كان الأول راعياً للأغنام، والثاني مزارعاً، والثالث بائع ملح جائلاً، أما الرابع فكان قاضي القرية.

فقَدَ الراعي ذات يوم أحد خرافه، وبينما هو يبحث عنه رأى المزارع مُتسلقاً إحدى الأشجار، فقال له: لقد فقدتُّ خروفاً من خرافي فهل رأيته؟

فقال المزارع: تتكلم عن عجوز محدودب الظهر، رأيته متجهاً إلى هناك، وأشار المزارع إلى تل قريب.

فقال له الراعي: شكراً على مساعدتك، وأعدك أنَّني إنْ وجدت خروفي، فسأهديك حملاً صغيراً، ثم استطردَ موضحاً: حمل صغير وليس خروفاً، ثم ذهب الراعي الى التل وهناك وجد خروفه المفقود، حينها عاد الى المزارع ليفي بوعده.

فلما وصل إليه قال: لقد وجدت خروفي وإيفاء لوعدي فسأهديك حملاً صغيراً... حملاً صغيراً وليس خروفاً.

حينها قال المزارع بغضب: تتهمني بسرقته؟ أنا لم اسرقه.

فردَّ عليه الراعي: لقد وعدتك بأن أعطيك حملاً صغيراً وليس خروفاً.

واستمرَّ الجدال حتى مرّ بالقرب منهما بائع الملح الجوّال. فقال له الراعي: أريد أن تحكم بيننا وتنصفني.

فرد البائع قائلا: حسناً حسناً سأعطي كل واحد منكما حفنة ملح.

فقال الراعي: لقد وعدتُّه، إن وجدت خروفي، أن أعطيه حملاً صغيراً وها هو يطلب خروفاً كبيراً!

فقال المزارع: لا لا تصدقه فأنا لم أسرق الخروف.

فرد البائع قائلاً: تريدان كيس الملح بالكامل! ... كلا ليس هذا ما اتفقنا عليه.

واستمرَّ الجدال العقيم حتى اتفقوا على الذهاب إلى القاضي.

في هذه اللحظات كان القاضي يزجر زوجته قائلاً: يا لك من امرأة سليطة اللسان، اذهبي إلى بيت أهلك، انتِ طالق.

لمح الراعي والمزارع والبائع القاضي من بعيد فأسرعوا إليه ليحكم بينهم، فقال الراعي: لقد وعدتُّ المزارع، إن وجدتُّ خروفي، أن أهديه حملاً صغيراً، وها هو مُصرٌّ على أن أعطيه خروفاً كبيراً!

فقال المزارع: انه كاذب محتال، فأنا لم أسرق الخروف!

وقال البائع: لقد وعدتُّهما بأن أعطي كل واحد منهما حفنة ملح، وهاهما يطلبان الكيس بالكامل!

فردَّ القاضي بعصبيَّة قائلا: أرجع زوجتي؟ هذا مستحيل لن أفعل ذلك أبداً.

الطرَش غير الصَمَم، أو هو أَهوَنُ الصَمَم، كما يورد معجم «محيط المحيط». الأطرش يسمع قليلاً، خلافاً للأصم الذي لا يسمع مطلقاً. هذا القليل من السمع يمكِّنه من أن يتعلم الكلام، وأن يتبادله مع سواه. لكنّ الأطرش لا يسمع الكلام كاملاً ولا واضحاً، لذلك يُضطر إلى تقدير ما لم يسمع، ثم يجيب لا عن كلام الآخر، بل عن الكلام الذي قدَّر أن الآخر قاله، فإذا كان الطرفان كلاهما أطرش، فلابد أن يتحول الحوار بينهما إلى حديثين متقطّعَين يقتربان حيناً، ويبتعدان حيناً، ويستحيل في كل الأحيان وصولهما إلى نتيجة سليمة من ذلك التواصل.

حوار الطرشان لا يتوقف على المصابين بالطرش وحدهم، بل هو يهدد اليوم كل أشكال الحوار، في أي مكان، عندما لا يكون الهدف من ذلك الحوار هو السماع للآخر، بل الهدف كسب الوقت، وتجسيد حالة مرضية لا فائدة منها، والعبث في مضامينها هدف إبراز الآخر؛ كونه «ضعيفاً وعاجزاً».

ثقافة الحوار قائمة بين النّاس منذ الأزل، فالحوار هو بلا شكّ ضرورة حتميّة فرضتها طبيعة البشر، وفطرتهم المجبولة على التّحدث مع الآخرين، والاستماع إليهم، والحوار وسيلة لإيصال المعلومة الصّحيحة، فالإنسان حين يريد أن يوصل معلومة صحيحة إلى الناس، فإنه يلجأ إلى الحوار معهم من أجل إقناعهم بفكرته، وفي المقابل استماعه لهم في حال رغبوا بطرح أي سؤال للإجابة عليه، وإن تبادل الآراء هذا يولّد في النّهاية فكرة صحيحة على الأغلب، إذا كان الحوار مستندًا إلى قاعدة علميَّة موضوعيَّة، بعيدًا عن الهوى والميول والتعصب والعاطفة.

الحوار وسيلة لتصحيح الأفكار، الحوار يعلّم الإنسان التّواضع، وحسن التّعامل مع الآخرين والإصغاء لهم، والحوار يجعل الحكمة والحق ضالة الإنسان، فالإنسان المتحاور وهو يدخل قاعة الحوار يضع أمامه هدفين لا ثالث لهما، إما أن يُقنع صاحبه برأيه وفكرته، أو أن يقتنع هو بفكرة ومعلومة محاوره، وبالتالي تبقى المعلومة الصحيحة والفكرة الصائبة هي ديدن وهدف المتحاورين وضالتهم المنشودة أبداً. وهذا ما لم نصل إليه بعد، فيما لانزال نحاور بَعضنا كـ «حوار الطرشان».

إقرأ أيضا لـ "هاني الفردان"

العدد 5210 - الأحد 11 ديسمبر 2016م الموافق 11 ربيع الاول 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 61 | 7:39 ص

      جلسنا على طاولة الحوار بدل المرة مرتين وعلي سلمان وربعه هم اللي انسحبوا.. ورقة الحوار سقطت بيدكم.. خلاص ميزانيات حق حوارات في فنادق خمس نجوم وبوفيهات ماكو.. البلد في تقشف

    • زائر 59 | 6:23 ص

      انا اقول إيران دولة تؤمن جدا بالحوار مع معارضتها وتعترف بالرأي الآخر اللي ينتقدها ولا تشنقهم على الرافعات، ليش ما تروحون اهناك وتمارسون الديمقراطية والحوار اللي على أصولهم

    • زائر 66 زائر 59 | 5:09 م

      ????كفو

    • زائر 57 | 6:20 ص

      الاخوان المعلقين شكلهم ناسيين ان كان فيه حوارين وطنيين والمعارضة هي اللي انسحبت منهم، وقبل ذلك انسحبت من البرلمان.. إذا انتو فاضيين وتبون حوار ثالث ورابع وخامس ترى الدولة مو فاضية ومشغولة بقضايا مصيرية خصوصا في هالمنعطف التاريخي اللي تمر به المنطقة. لما انسحبت المعارضة من الحوارين هللتوا وصفقتوا والحين تتباكون.. وبعدين؟!

    • زائر 52 | 6:00 ص

      تتذكرون كلمة "ما اوعدك "

    • زائر 51 | 5:59 ص

      تبون الحقيقة احنا ضد الحوار الحين بما ان في السابق مع الحوار واللي موقفه اقوى هو من يتحكم في الحوار اللي رفض 70% الحين يطالب بـ 10% وبعد مب حاصل له هارد لك انت اضعت الفرصة

    • زائر 47 | 4:45 ص

      خلاص فوضنا أمرنا لله ....

    • زائر 46 | 3:06 ص

      انا كنت حاضرا حوار الطرشان في الفنادق ولم يكن هناك حتى حوار طرشان، بل كل من حضر لا علاقة له بأي شيئ يدور في البحرين إلا استمرار الوضع الراهن وحالة الفساد .

    • زائر 54 زائر 46 | 6:04 ص

      احنا جذي اذا عجنا الشي نطلعه في السماء واذا ما عجبنا نقط فيه الارض ومب انت ولا غيرك اللي يقول هذا الكلام على حوار المنامة هذا حوار وفيه اتفاقيات دول والكلام اكبر منى ومنك

    • زائر 45 | 2:57 ص

      يا زائر 3 : لو لم يكن طلب الحوار من الحكومة استدراج وخديعة للمعارضة والنيل ممن طالب بحقوق شعبه ولكسب الوقت لماذا اذا انقض رجال الشغب على المواطنين الأبرياء في كل تجمع سلمي ولفقت كل تلك التهم الزائفة على كوادرنا الشرفاء ؟؟ .

    • زائر 42 | 2:28 ص

      احنه المسلمين ليش كله عداوات بيننا ليش مانتبع الله ورسوله واهل بيته عليهم السلام لحل مشاكلنه ليش المسؤولون كله يتبعون الغرب فى مشاكلهم وعندهم الله وقرانه الله يقول كلكم راعى ومسؤول عن رعيته الشعب لن يطلب سوى حقه ليش اعاملونه انهو خائن ومتمرد ليش افضلون الاجنبي على المواطنين ليش ماتعاملون المواطنين باحاديث الرسول وانتم تصلون عليه ليش كله ابليس قاص عليكم راجعوا انفسكم هاده الشعب الطيب مايستاهل الي سويتونه فيه والله كريم

    • زائر 41 | 2:24 ص

      في الصمييييييييم هههههههههههههههههههههه

    • زائر 38 | 2:08 ص

      الحوار السابق نعم حوار طرشان حتى لو استمر مدة طويلة لايمكن أن تتفق أطرافه الثلاثة لأن الثقة ضائعة بينهم مايهمنا هنا لماذا ضاعة الثقة بين الشعب نفسه لماذا قسمنا نفسنا طاءفين في السياسة لماذا لانعتمد المواطنة في إنشاء جمعياتنا السياسية ونكون شعب متحد يحاور الحكومة ونتعض من الأحزاب المذهبية التي قسمة شعوبها مذهبيا ماذا جرى لبلدانها بسببها

    • زائر 37 | 1:41 ص

      زائر 12 هههههههه احلف صراحة اليوم التعليقات مضحكة بس الحياة مع داعش وفكرها هذا حواركم
      مسكين كسرت خاطري مخوخ مغيبة مضيعين الطريق تحتاجون قائد لكن وينكم ووين القائد حدكم داعش وتخب بعد عليكم

    • زائر 36 | 1:35 ص

      حوار بيزنطي بين مواطن و(تنبل)....
      المواطن: نطالب بمجلس كامل الصلاحيات وصوت لكل مواطن
      التنبل: ايران ليس فيها مساجد للسنة في طهران!
      المواطن: يجب توفير المسكن الملائم والخدمات الطبية والتعليمية لكل مواطن
      التنبل: روحوا شوفوا الصومال وجيبوتي شلون عايشين وحمدوا ربكم!
      المواطن: نطالب بفتح باب التوظيف في القطاعات الامنية والعسكرية لجميع المواطنين
      التنبل: حزب الله يهاجم السنة في سوريا وبشار يقصفهم بالبراميل المتفجرة!

    • زائر 44 زائر 36 | 2:43 ص

      وهذه الكوميديا السوداء وقاع نعيشه

    • زائر 35 | 1:32 ص

      حوار البقمان هو ايضا حوار.
      وفي البحرين لا يوحد حوار انما هو ضحك على العالم واستخدام المصطلحات للمكياج والبهرجة للهروب من واقع سئ. الواقع في البحرين عكس كل ما يروج له علام وهذا سيؤدي بنا لنأساة

    • زائر 34 | 1:25 ص

      حديث الطرشان كلمات قليلة تحتى معاني جمة
      لك التوفيق أخ هاني

    • زائر 30 | 12:43 ص

      الى زاءر رقم 12
      اذا كانت هذه العقلية هي الساءده فمن تحاور؟هل تحاور ناس حكموا عليك وانت في بطن امك بانك ارهابي ....

    • زائر 29 | 12:43 ص

      الحوار لغة السماء فالخالق وهو ربّ العزة والجلال والكمال حاور ملائكته وحاور حتى ابليس وحاور آدم .
      المشكلة نحن في اوطان لا تعرف قيم الحوار وحتى اذا حاوروا جعلوا من الحوار سلاحا للانقضاض على الانتقاص من الحقوق الشعبية

    • زائر 27 | 12:40 ص

      الاخ هاني الطرشان بعضهم مسجون وبعضهم خارجه بس بدون جنسية

    • زائر 25 | 12:32 ص

      كلامك هذا ستجده يوم يصلون الى الحائط المسدود ويوم يصبح لا مناص الا الرجوع للشعب.
      هذا النداء وهذا الخطاب وهذه الأمثلة هي محط سخرية منهم الآن لكن سيأتي اليوم الذي تجد فيه نفس الخطاب
      مكتوب ومطروح عن طريق احد كتّابهم ولكن حين تسدّ الطرق ويصل الناس الى اليأس من اصلاح ما تمّ تدميره
      في النفوس

    • زائر 24 | 12:31 ص

      أحسنت يا أستاذ هاني ...... الى متى نصل الى قمة الإنسانية.

    • زائر 20 | 12:12 ص

      نعم ما لدينا حوار طرشان في كل شيء
      توصيف دقيق، لا أحد يريد أن يسمع للاخر أبداً
      المجتمع هكذا الكل متمسك بمواقفه

    • زائر 19 | 12:11 ص

      ولد الفردان ما يهرول عبث، أكيد ورآه شيء

    • زائر 18 | 12:10 ص

      في الصميم المقال، يا ترى ما المقصود من وراءه؟؟؟

    • زائر 16 | 12:06 ص

      الحكومه هي من تتعنت عن الحوار إلى متي ؟لماذا لاتحوار المعارضه لماذا كل هذا التأخير

    • زائر 14 | 11:46 م

      شنو قلت.. نروح نتمشى في جزر حوار؟

    • زائر 13 | 11:44 م

      البحرين تستضيف ( حوار المنامه ) و بنفس الوقت ترفض أن تتحاور مع المعارضة !! ممكن احد يقول لي " هل كيف " ؟؟

    • زائر 12 | 11:38 م

      لا حوار مع الإرهاب

    • زائر 8 | 11:21 م

      فعلاً ""هذا النوع من الحوار المؤزم أصبح نهجا ينتهجه الغوغائيون ""للأسف نراهم في موقع المسؤلية لكن مايصدر منهم ينم عن لامسؤلية لديهم ""همها علفها

    • زائر 7 | 10:40 م

      للوسط تحيه و صباح الخير
      تصحيح بالسطر ما قبل الاخير (المشنودة)
      مع خالص احترامي

    • زائر 6 | 10:35 م

      ضربة معلم يا ولد الفردان
      مقال متعوب عليه

    • زائر 5 | 10:32 م

      الى الاسف المعارضة هي من اضاعت فرصة الحوار وهذي نتيجة التعنت

    • زائر 11 زائر 5 | 11:28 م

      الحور السابق خدعة اكبر من الحوار الحالي

    • زائر 64 زائر 5 | 9:15 ص

      حوار اطرافه غير متساويه لايمسى بحوال انما مكان لفرض رأي شخص على الاخر

    • زائر 4 | 10:31 م

      الحوار لا يعني الاتفاق التام وإنما الوصول الى قواسم يقبل بها الطرفان بدون تغييرات فكرية مطلقة في الجانبين ، فمثلا حوار بين فكر علماني واسلامي لن يتم بينهما تغيير قناعات فكرية إنما قد تكون قواسم مرحلية فقط سياسية اقتصادية اجتماعية . وإذا أردت من الحوار إقناع الطرف الاخر بصحة موقفك فلن تصل أبدا الى نتيجة مع الآخرين . جميل الأسدي

    • زائر 3 | 10:30 م

      اخي هاني وماذا تقول في من رفض الحوار والان يبكى على الحوار

    • زائر 17 زائر 3 | 12:09 ص

      وهل الحوار ولقبول بفتات تعتبره انجاز وهل الحوار وعلى رئسك البندقيه بالقبول او السجن تعتبره حوار اكو الي تحاورو وياهم يامسجونين

    • زائر 39 زائر 3 | 2:16 ص

      الزائر3
      شوي شوي لا تتشمت ترى الدنيا دواره
      والمعارضة ما رفضت الحوار قعدت واجد و رفضت التنازل عن مطالبها العادلة فقط

    • زائر 2 | 10:13 م

      الأربع الطرشان موجودين في حوار المنامة.

اقرأ ايضاً