العدد 5216 - السبت 17 ديسمبر 2016م الموافق 17 ربيع الاول 1438هـ

خنفساء سوسة القطن

جعفر الصائغ

باحث اقتصادي بحريني

خنفساء سوسة القطن هي حشرة ضارة جداً، لها قصة غريبة ومعبرة للغاية، ولأهميتها وعظمة الدرس الذي تحتويه، انتشرت قصتها في دول العالم وكتب عنها الكثير من الكتاب في مختلف البلدان. لهذه الخنفساء نصب تذكاري يقع في قلب الشارع الرئيسي لمدينة انتربرايس بولاية ألاباما الأميركية.

تكمن قصة السوسة صاحبة الشهرة العالمية، في أنه ذات عام قررت هذه الحشرة أن تغزو الأراضي الزراعية المنتجة للقطن في مدينة ألاباما، وتقضي على المحصول تماماً؛ هذا المحصول الذي كان ينتظره سكان المدينة على مدار العام، لبيعه في الأسواق وكسب الرزق.

بعدوانها هذا أدخلت هذه الحشرة سكان المدينة في وضع اجتماعي حرج، وأزمة اقتصادية مالية معقدة للغاية لم تكن في الحسبان. فلم يتوقعها أصحاب المزارع ولا الفلاحون، ولا تجار القطن، ولا حتى أصحاب القرار في المدينة، حيث اعتادوا على العمل منذ مئات السنين، وبكل ثقة في أراضيهم الزراعية ومن دون أية مشاكل تذكر. فالمزارع خصبة، وتنتج بإنتاجية عالية، والمياه متوفرة بغزارة بفضل كثافة الأمطار والمناخ المناسب، إضافةً إلى ذلك كان الطلب على القطن في ارتفاع مستمر، بسبب النمو السكاني وزيادة الحركة التجارية.

يعتبر محصول القطن المصدر الرئيسي للمعيشة لسكان هذه المدينة، فهو مصدر العمل والدخل لهم، ويمثل العمود الفقري لحياتهم. فعندما يزدهر هذا المحصول أو يرتفع السعر أو الطلب عليه، ينشط اقتصادهم وينعم السكان برفاهية، بعد أن تتحسن أجورهم وحياتهم المعيشية، والعكس صحيح في حالة انخفاض إنتاج القطن أو انخفاض أسعاره.

بعد أن قضت هذه الحشرة على المحصول، وتيقنوا أن مصدر الدخل الرئيسي لهم قد دمّر تماماً، وأنهم أمام تحدٍ خطيرٍ غير مسبوق، اجتمع أهل المدينة لمناقشة سبل مواجهة هذا الخطر وكيفية التغلب عليه. فتوصلوا إلى قناعة تامة بأن الاعتماد على هذا المحصول كان خطأً فادحاً أوقعهم في هذه الأزمة. لم يقرّروا القضاء على تلك الحشرة، ليس لصعوبة الأمر فحسب؛ وإنما لأن قتلها لم ولن يعالج المشكلة من جذورها، فالمشكلة الجوهرية هي ليست الحشرة التي قضت على محصولهم تماماً، وإنما المشكلة تكمن في اعتمادهم الكلي على هذا المحصول، وفشلهم خلال كل هذه السنين في التفكير بتنويع الانتاج.

وبعد تفكير طويل، قرّروا زراعة محصول آخر لا تستطيع هذه الحشرة مهاجمته، فزرعوا الفول السوداني. وبالفعل حققوا نجاحاً باهراً، حيث أن العائد المالي لمحصول الفول السوداني فاق أرباح القطن كثيراً، إلى درجة أن المدينة أصبحت تسمى بمركز الفول العالمي، بالإضافة إلى أن هذه المدينة تحوّلت إلى مركز تجاري بفضل تجارة الفول. كل هذا كان بفضل الخنفساء التي أراد أهالي المدينة أن يعبّروا عن شكرهم لها من خلال النصب التذكاري الذي شيّدوه لها في قلب مدينتهم.

هذا ما كان يجب أن يحدث في اقتصادنا الخليجي، بعد أزمة انخفاض أسعار النفط، وما أدت إليه من تداعيات خطيرة على الاستقرار الاقتصادي ومستقبله. فالمشكلة هنا أيضاً هي ليست انخفاض أسعار النفط، وإنّما المشكلة تكمن في اعتمادنا الكلي على قطاع النفط كمصدر دخل رئيسي للميزانية العامة، والطاقة المحركة للنشاط الاقتصادي. ويخطيء البعض عندما يحصر الأزمة في أسعار النفط، ويتجاهل الجانب الأهم وهو فشلنا في تنويع القاعدة الإنتاجية ومصادر الدخل. نتمنى أن تتحوّل هذه الأزمة إلى فرصة ونفكّ بها الارتباط المزمن بقطاع النفط.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الصائغ"

العدد 5216 - السبت 17 ديسمبر 2016م الموافق 17 ربيع الاول 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً