العدد 5217 - الأحد 18 ديسمبر 2016م الموافق 18 ربيع الاول 1438هـ

قصة قصيرة... اسمي جِراح

عبدالرحيم شراك - قاص مغربي 

تحديث: 12 مايو 2017

اسمي جِراح، هكذا أسماني والديّ بسبب كثرة مآسيهما في هذا البلد السعيد. ولدت وكنت مصدر شؤم لهما، فلم يجدا كيف يطعماني أو يكسواني ولا ماذا يصنعان بي! ما أسوء أن يأتي المولود على حين غفلة والأفظع أن يكون جنسه أنثى أي عالة جديدة على أسرته!

على عكس أي والديْن في الكون، لم يفرحا أبداً بوجودي معهما! كانا بالكاد يقاومان الزمن القاسي والجوع وكل ما هو سيء في هذه الحياة، ولم يخططا لولادتي بالطبع. فقد حملت أمي بي دون سابق إنذار بسبب لحظة حب رومانسية. كما أن الفقر المدقع إضافة إلى خوفهما من الوقوع في الحرام كتب لي الخروج إلى هذه الدنيا، وإلا كانا تخلصا مني منذ البداية.
حلمتُ في رحم أمي أن أرى الطبيعة الجميلة واستمتع مع العائلة، أن أتجول في حديقة الحيوان وألعب في مدينة الملاهي! كل ما رغبت في رؤيته وعيشه كان مجرد حلم جميل اصطدم بالحقيقة المرة. كل ما سمعته من قبل عن هذه الحياة، بدا كذبة واضحة مع سبق الإصرار والترصد.

أحسست أن أمي تكرهني كرهاً شديداً، أما أبي فلم يكن ينظر إليّ حتى! لماذا يعتبرانني شؤماً وأمراً سيئاً في هذه الحياة؟  لطالما تساءلت: كيف ستكون حالتي لو ولدت وسط عائلة غنية؟ ما الذنب العظيم الذي ارتكبته كي تكون حياتي بهذه البشاعة؟ لو كنت أعرف مصيري مسبقاً، لبقيت في رحم أمي الدافئ! أو نزلت مع دم الحيض بطريقة أو بأخرى.

كانا يتجادلان بقوة في كثير من المناسبات، فأبي قلّما امتلك النقود الكافية لشراء الحليب كما أنني كنت أحتاج لحفّاظات وملابس جديدة بين الفينة الأخرى. أما أمي فلم تستمر في العمل بمنزل جارتنا بسب بكائي طول الوقت. لم يعرفا يوماً أنني أبكي لأجلهما، كما لم يدركا رغبتي الشديدة في مساعدتهما. لكنّ البكاء والصراخ هما أجود ما استطعت القيام به آنذاك.

تمنيت لو أتقنت الكلام مثل الكبار كي أواسيهما. طبعاً، كان يجب الانتظار كثيراً حتى أصل لذلك المستوى. ذات يوم حاولت أن أبتسم في وجه أبي لكنّ ذلك لم يزده إلا عبوساً، قمت أيضاً بتقليد ابن جارتنا ميمون بتحريك يديّ بطريقة مضحكة. كان ميمون يقوم بتلك الحركات باستمرار كي يضحك والدته، لكنني لم أفلح في جعل أبي يبتهج. بل ظلّ يلعن الساعة التي جئت فيها إلى هذه الحياة، ثم يعود ويتهم والدتي بعدم أخذ الاحتياطات اللازمة كالعادة. باختصار، لم أربح في معاركي ضد الحياة القاسية في أي لحظة، فقد كانت الفائزة دائماً وأبداً.

مع مرور الأيام بدأت أتعلم الحبو، وكم فرحت لاستطاعتي القيام بأمر جديد لم أعهده من قبل. توقعت أن يفرح والديّ ويسعدا أكثر بمنجزاتي الجديدة! توقعت أيضاً أن يبدأ أبي بتقبّلي شيئاً فشيئاً في هذه الحياة. لكنّ ما حصل هو العكس تماماً. نظرت إليهما جيداً ووجدتهما يتشاجران مجدداً ويتناقشان بلا هوادة حول مصاريفي الإضافية! أدركت حينها أنني مجرد لعنة شريرة قد أصابتهما!

فجأة، وجدت نفسي أحبو بسرعة نحو الخارج دون انتباههما لي. تأسفت على الحالة التي وصلنا إليها وفكرت في مساعدتهما بجدية هذه المرة. رميت نفسي في البئر الموجودة أمام بيتنا، حتى وصلت لأعماقها كي أموت غرقاً! فهو الحل الوحيد المتبقي كي يعودا سعيدين! ففي النهاية اسمي جِراح.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 11:17 ص

      شكرا لك أخي

    • زائر 4 | 6:11 م

      قصة جيدة

    • زائر 2 | 9:48 ص

      شكرا أخي الكريم على رأيك و تعليقك على القصة ، و بالنسبة للنهاية الحزينة فكانت ضرورة لنحس بالأشخاص الذي يموتون تضحية من أجل الآخرين ، كما أن الكثيرين يعانون في صمت حتى ينال الموت منهم وليس هناك أمل أو طريق مفروش بالورود بالنسبة لهم. و قد يحلمون بتغيير الوضع و لا يحصل ذلك أبدا... شكرا جزيلا لك.عبد الرحيم شراك

    • زائر 1 | 1:38 ص

      القصة جميلة ومعبرة ولكن أقف بين التضاد المؤلم بين براءة الطفولة والحاجة والعوز .هل حقل موت الجراح يخفيها وماذا عن الندبات . القصة وقفت عند الغرق ولكنى انسبت معها اتخيل مشهد الجثة المشبعة بالماء تطفو فى قلب الأم الرحيم الذى يقدم طفله على كل شئ. الموت ليس هو نهايه ولكنى أظنه بداية لالم أكبر لأننا قتلنا أنفسنا بإهمال الجرح حتى أصبح موت ينغص علينا ما تبقى من حياتنا . ربما كان الاسلم ان تكون النهاية ترياق يشفى مآسينا وليس كآبة تغتال أمانينا

اقرأ ايضاً