العدد 5222 - الجمعة 23 ديسمبر 2016م الموافق 23 ربيع الاول 1438هـ

القطان: الظلم من أعظم أسباب العذاب العام

نبه إلى أن انتشار الدعارة والخمور من أعظم أسباب العقوبات العامة...

الشيخ عدنان القطان
الشيخ عدنان القطان

شدد خطيب وإمام جامع الفاتح الإسلامي الشيخ عدنان القطان، في خطبته أمس الجمعة (23 ديسمبر/ كانون الأول 2016)، على أن «اتقاء المصائب العامة لا يكون إلا بتوقي أسبابها، والظلم من أعظم أسباب العذاب العام، فبسببه هلكت الأمم السالفة، والقرون الخالية، وبسببه تسقط الدول، وتهلك القرى».

كما أشار القطان إلى أن «من أعظم أسباب العقوبات العامة هو انتشار الذنوب والفواحش والدعارة والخمور، وأسباب الفسوق المؤدية إليها».

وبعنوان «أسباب العقوبات الإلهية»، قال القطان: «إن كل البشر يسعون إلى الحياة الهانئة السعيدة، ويسخرون كل إمكاناتهم وطاقاتهم، لتجنب أسباب الشقاء والعذاب؛ فضلاً عن الفناء والهلاك، فإذا تحقق لهم خير حافظوا عليه بكل الوسائل، وخافوا من فواته أو نقصه، وكم من أمة كانت آمنةً مطمئنةً، تجبى إليها ثمرات كل شيء، ويأتيها رزقها رغداً من كل مكان، لم يخفق فيها قلب من خوف، ولم تتضور نفس من جوع، فانقلبت أحوالها في طرفة عين، فإذا بالنعمة تزول، وإذا بالعافية تتحول، وإذا بالنقمة تحل».

وواصل «كم حكى التاريخ والزمان عن دول وأمم وأفراد وجماعات، أتت عليهم عقوبات تستأصل شأفتهم، وتمحو أثرهم، لا ينفع معها سلاح ولا تغني معها قوة ولا استعداد. ولا ملجأ من ربنا ولا منجى منه إلا إليه، فهو القوي القاهر، والعزيز القادر، وهو العظيم الذي لا أعظم منه... ولله مع خلقه أيام وسنن؛ فأين ثمود وعاد؟ وأين الفراعنة الشداد؟ أين من قدوا الأرض ونحتوا الجبال، وحازوا أسباب القوة واحتاطوا للنوائب؟ لما نسوا الله أوقع بهم بأسه، فصاروا بعد الوجود أثراً، وأصبحوا للتاريخ قصصاً وعبراً، وصدق الله العظيم: (فكلا أخذنا بذنبه، فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً، ومنهم من أخذته الصيحة، ومنهم من خسفنا به الأرض، ومنهم من أغرقنا، وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)».

وشدد القطان على أن «سنة الله تعالى لا تحابي أحداً، وليس لفرد ولا لمجتمع حصانة ذاتية، وحين تقصر أمة في توقي أسباب المصائب العامة، فإن عليها أن تتقبل نتيجة التقصير، والسعيد من اتعظ بغيره، وليست أمة بمنأى عن العذاب إذا عقدت أسبابه، ولا في مأمن من العقاب إن سلكت سبيله، وفتحت للذنوب والمعاصي أبوابه، ولذلك أكثر الله تعالى من وعظ هذه الأمة بمصارع الأمم الغابرة، وحذر الآمنين من مكره الذين لا يقدرون الله حق قدره، ولا يقفون عند نهيه وأمره، فقال عز وجل: (أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض، أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون، أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين، أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرءوف رحيم)، وقال عز وجل: (أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون، أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحًى وهم يلعبون، أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون، أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون) عباد الله: إن الأمن من مكر الله كبيرة من الكبائر؛ فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (الكبائر: الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله)... ولهذا كان أعرف الخلق بربه وأخشاهم له محمد صلى الله عليه وسلم، كان إذا رأى غيماً أو ريحاً عرف ذلك في وجهه، فسئل عن ذلك فقال: (ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب، قد عذب قوم بالريح، ورأى قوم العذاب فقالوا: (هذا عارض ممطرنا)».

وتحدث القطان عن أن «النبي عليه الصلاة والسلام أخبر عن أنواع المصائب التي كان يخشى أن تنزل بأمته، وحذرهم من أسباب نزولها، فقال: (يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان، إلا أخذوا بالسنين، وشدة المئونة، وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم، إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله، إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، ويتخيروا مما أنزل الله، إلا جعل الله بأسهم بينهم)... فظهور المعاصي والفواحش والمنكرات والمخالفات، في مجتمعات المسلمين وحياتهم، وفي وسائل إعلامهم، والتطفيف في المعاملات، والسرقات والاختلاسات من الأموال العامة والخاصة، وظلم الناس والاعتداء عليهم، وترك الصلاة ومنع الزكاة، وخيانة الأمانة، ونقض العهود، وتحكيم الهوى، ونبذ تعاليم الدين؛ تلك هي أكبر أسباب المصائب العامة التي إذا نزلت بقوم لم يسلم من وطأتها أحد».

وقال القطان: «إن من أسباب العقوبات العامة ما أخبر عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: (في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف). فقال رجل من المسلمين: يا رسول الله! ومتى ذاك؟ قال: (إذا ظهرت المعازف، واتخذوا القينات، واستحلوا الخمور)؛ قال ابن القيم رحمه الله: (المسخ واقع في هذه الأمة ولابد، وهو في طائفتين: علماء السوء الكاذبين على الله ورسوله، الذين قلبوا دين الله وشرعه، فقلب الله تعالى صورهم كما قلبوا دينه، والمجاهرين المتهتكين بالفسق والمحارم، ومن لم يمسخ منهم في الدنيا مسخ في قبره أو يوم القيامة)».

وأكد أن «المسئولية في المجتمع على كل فرد فيه حاكماً ومحكوماً، وجاء الأمر باتقاء المصائب العامة موجهاً إلى كل أحد، كل بحسبه، يقول الله عز وجل: (واتقوا فتنةً لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصةً) قال ابن عباس رضي الله عنهما: (أمر الله المؤمنين ألا يقروا المنكر بين ظهرانيهم، فيعمهم الله بالعذاب، يصيب الصالحين منهم ما أصاب الناس، يهلكون مهلكاً واحداً، ويصدرون مصادر شتى، يبعثهم الله على نياتهم)».

وأشار إلى أن «اتقاء هذه المصائب العامة لا يكون إلا بتوقي أسبابها، والظلم من أعظم أسباب العذاب العام، فبسببه هلكت الأمم السالفة، والقرون الخالية، وبسببه تسقط الدول، وتهلك القرى، (وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعداً)، (وكم قصمنا من قرية كانت ظالمةً وأنشأنا بعدها قوماً آخرين) والله عز وجل يمهل ولا يهمل، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته)، ثم قرأ: (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد) فاحذروا رحمكم الله ظلم الناس والعباد، وهضم حقوق العمال والضعفاء، فضلاً عن المظالم العامة التي يطال ضررها الكثيرين... ومن الظلم عباد الله: خذلان المظلوم، والتخلي عن نصرته؛ فإن ذلك مؤذن بالعقوبة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب)؛ وأشد الظلم ما يسبب فوات الدين أو النفس أو العرض أو المال. وإننا والله نخشى على مجتمعاتنا ودولنا وأنظمتنا أن تصاب بعقاب وعذاب، نتيجة لخذلانها للمستضعفين والمظلومين الأبرياء الذين يتعرضون للظلم والتقتيل والاضطهاد والتنكيل أمام مرأى ومسمع من العالم، وسكوتنا وخذلاننا لهم، وتخلينا عنهم، وهم يستغيثون بإخوانهم، ولكن لا حياة لمن ينادون، ألا فرحماك ربنا رحماك، من تقصيرنا وتفريطنا وإغفالنا».

ونبه القطان إلى أن «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، أمن وأمان من العذاب، يقول تعالى: (وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون) فما أعظم بركة المصلحين، وما أقبح أثر الناس عليهم! ومن سنة الله في عباده: أن المنكر إذا فشا فيهم ولم يغيروه فإن العقوبة تشملهم والعذاب يعمهم، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم، وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه، فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة) ويقول صلى الله عليه وسلم: (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء، مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً، ولم نؤذِ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً)، وعن أم المؤمنين زينب رضي الله عنها، قالت، قلت: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: (نعم، إذا كثر الخبث)، وقال صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده؛ لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم). وقال عليه الصلاة والسلام: (ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيروا ثم لا يغيروا إلا يوشك أن يعمهم الله منه بعقاب)».

وأوضح القطان أن «من أسباب العقوبات العامة: كفران النعم، يقول تعالى: (وضرب الله مثلاً قريةً كانت آمنةً مطمئنةً يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) والخوف شبح يرعب كل الأحياء، ولقد قال تعالى: (فكفرت بأنعم الله) ولم يقل: كفرت بالله؛ ذلك أن كفران النعم سبب الفقر والجوع والخوف، وسبب الفتن والنكبات والاضطراب في الأمن والمعايش، وهلاك الأنفس وتلف الأموال والترويع والإرهاب، وإنما تثبت النعمة بشكر المنعم، وإن الله تعالى أعطى فأجزل، وأنعم فتفضل، (وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها) وقد وعد سبحانه وأوعد، فقال وهو القادر: (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد)».

وذكر أن «الإنسان المسلم الحق هو الذي لا يكفر النعمة ولا ينكر الجميل، بل يشكر الله على كثير الأمر وقليله. فقيدوا النعمة بقيد الشكر، فأيما نعمة لم تقيد بقيد الشكر هربت، والإنسان إذا رزق بنعمة فليحسن جوارها، فإن من رزق بنعمة المال، فليحسن جوار نعمة المال، ومن رزق بنعمة الصحة؛ فليحسن جوار نعمة الصحة. ومن رزق بنعمة العلم فليحسن جوار نعمة العلم، فإن الإنسان إن لم يحسن جوار النعم زالت، وإذا زالت قلما تعود مرة أخرى».

وبين القطان أن «من أسباب العقوبات العامة: الغفلة والإغراق في اللهو والعبث والمجون؛ يقول صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب، فإنما هو استدراج). ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتةً فإذا هم مبلسون)، يقول الحسن البصري رحمه الله: (مكر بالقوم - ورب الكعبة -، أعطوا حاجتهم ثم أخذوا). وقال قتادة رحمه الله: (بغت القوم أمر الله، وما أخذ الله قوماً قط إلا عند سكرتهم وغرتهم ونعمتهم)، فلا تغتروا بالله، عباد الله، إنه لا يغتر إلا القوم الفاسقون، وحاذروا الترف، والركون إلى الدنيا والتسابق فيها؛ فإنه الداء الذي أهلك الأمم السابقة، وهو ما حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته منه، حين حذرها من فتنة الدنيا والتسابق فيها، فقال: (فو الله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم) وقال: (إني مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها)».

كما تحدث القطان عن أن «من أعظم أسباب العقوبات العامة: انتشار الذنوب والفواحش والدعارة والخمور، وأسباب الفسوق المؤدية إليها، يقول الله عز وجل: (وإذا أردنا أن نهلك قريةً أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا). فحافظوا رحمكم الله على أمنكم، وحاذروا غضب الجبار، وتوقوا أسباب غضبه لعلكم تتقون، وتيقنوا وأيقنوا أن السبب الذي ترجع إليه كل أسباب العقوبات العامة بعد الشرك بالله: هو الذنوب والمعاصي؛ فهي التي تزيل النعم، وتحل النقم، وتحدث في الأرض أنواعاً من الفساد في الماء والهواء، والزروع والثمار، والمساكن والأرزاق، والأمن وسائر الأحوال، يقول تعالى: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) ويقول سبحانه: (ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدراراً وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرناً آخرين) ويقول سبحانه: (فكلا أخذنا بذنبه)، ويقول عز من قائل: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير)، وما المعاصي إلا خراب للديار العامرة، وسلب للنعم الظاهرة والباطنة، فبادروا بالتوبة والاستغفار؛ فذلك أمان من العذاب، (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) الاستغفار سبب لرحمة الله ولطفه، (لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون) وكذا الإيمان والتقوى، (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض) أما إذا غير العباد أو بدلوا فإن سنن الله لا تحابي أحداً».

العدد 5222 - الجمعة 23 ديسمبر 2016م الموافق 23 ربيع الاول 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً