العدد 5223 - السبت 24 ديسمبر 2016م الموافق 24 ربيع الاول 1438هـ

ترامب بين الشعبويّة والنخبويّة!

عبدالحسين شعبان comments [at] alwasatnews.com

كاتب عراقي وحقوقي عربي

بعد صدمة الانتخابات الأميركية وفوز دونالد ترامب، انتشر اللّون الأحمر، وهو لون «الحزب الجمهوري» على مواقع كثيرة من الخريطة السياسية للولايات المتحدة، وانحسر إلى حدود معيّنة الجدار الأزرق بخسارة هيلاري كلينتون مرشّحة الحزب الديمقراطي.

الرئيس الجديد المنتخب «الخامس والأربعون»، البالغ من العمر 70 عاماً، هو تاجر عقارات كبير، وهو من خارج المؤسّسات والنّخب التقليدية والسياسية الأميركية، وقد استطاع بخطابه الشعبوي دغدغة عواطف الفئات المهمّشة والأكثر فقراً في المجتمع، إضافة إلى الطبقة المتوسطة، وجميع المتضرّرين من الأزمة المالية والاقتصادية العالمية التي ضربت الولايات المتحدة العام 2008، وهو الذي جعله يكسب الانتخابات في تخطّيه العتبة الانتخابية المقرّرة 270 صوتاً لضمان الفوز، إلى 306 صوتاً في حين حصلت منافسته على 218 صوتاً.

ويأتي هذا الفوز العاصف والمفاجئ لترامب خارج الكثير من التوقّعات واستطلاعات الرأي وانحياز الكثير من وسائل الإعلام المسبق ضدّه، وقد كانت الحملة الانتخابية هي الأسوأ في تاريخ الولايات المتحدة، لما شهدت من انحدار في مستوى المناظرات وما اتّسمت به من بذاءات وشتائم وتركيزها على الفضائح والاتّهامات، بدلاً من التنافس في البرامج والخطط وتقديم ما هو أصلح للناس.

الهزيمة تبدو مجلّجلة ليس لهيلاري كلينتون فحسب، بل للنُّخب الحزبية المتحكّمة بالحزبين الأساسيين، اللّذين طبعا الحياة السياسية على مدى قرنين ونيّف من الزمان، خصوصاً أن ترامب اعتمد على شعبويّته الشخصية وخطابه التهريجي، متحدّياً المؤسسة التقليدية برمّتها، بما فيها الحزب الجمهوري، حيث كان في معارضته التيار المحافظ داخل الحزب، لكن فوزه سيكرّس الحزب كقائد للبلاد دون منازع، وربما لأوّل مرّة بهذه القدرة الشاملة، فهو يمتلك الغالبية في مجلس الشيوخ، وكذلك في مجلس النواب، والغالبية مكفولة له في المحكمة العليا، وزاده وصول ترامب إلى البيت الأبيض. وقد تعيد هذه الهيمنة إلى الأذهان فترة ذهبية عاشها الحزب الجمهوري خلال رئاستي رونالد ريغان وجورج بوش (الأب) من العام 1981 وحتى حرب الخليج الثانية 1990 – 1991، والتي عُرفت بما سمّي «بالنظام العالمي الجديد» وانهيار الكتلة الاشتراكية.

والسؤال الآن: هل ستبقى الشعبويّة التي صبغت آراء ترامب المرشّح وخطبه النارية، تحكم سلوك ترامب الرئيس، أم أنه سيتمّ التخلي عنها، سواء برغبة أو بحكم الضرورة والمسئولية؟

سينتظر ترامب حتى حلول يناير/ كانون الثاني المقبل (2017)، ليتم نقل السلطة إليه رسمياً، ويتولّى إدارة البيت الأبيض كرئيس للولايات المتحدة، فهل سيعيد النظر بخطابه كمرشح ليقدّم خطاباً جديداً كرئيس؟ وهل ستبقى الشعبوية تحكم تصرفاته أم أنه سيعود إلى النخبوية السياسية التي حكمت إدارات البيت الأبيض بحكم عدد من الاعتبارات، منها مسئولياته الكونية ومراعاته لمصالح الاحتكارات العالمية، ولا سيّما للمجمّع الصناعي الحربي، خصوصاً حين يطّلع على ملفات الأمن القومي وقضايا المؤسسة الحاكمة ودور الـCIA والعلاقات الدولية المعقّدة، وخصوصية العلاقة بالحلفاء؟

فهل سيتغلّب ترامب الرئيس على ترامب المرشّح؟ أي هل سينقلب ترامب رجل الأعمال المتمرّد والمشاكس الشعبوي المحتجّ والمحرّض المستفزّ، إلى ترامب النخبوي المسئول والحاكم والمعني بمسئوليات كبرى إزاء السياسة العالمية؟

وماذا سيبقى من ترامب المرشح، الذي تحدث بلغة إقصائية ضدّ المسلمين، وهدّد بمنع دخولهم للولايات المتحدة مؤقتاً؟ هل سيتشبّث بذلك أم أن علاقاته بـ57 دولة إسلامية، ونحو مليار و600 مليون مسلم ستفرض عليه نمطاً آخر من التصرّف؟ ويبدو أن الاحتمال الثاني هو الذي سيتغلّب، وإن بقي موقفه معادياً لـ»الراديكالية الإسلامية» كما سمّاها، فقد رفع موضوع منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة (مؤقتاً) من موقعه الإلكتروني بعد فوزه، مؤكّداً أنه سيضع مصالح أميركا في المرتبة الأولى، وسيسعى لقواسم مشتركة مع الأمم الأخرى، وقال: سنتفاهم مع كل الدول الأخرى التي لديها رغبة في التفاهم معنا، ولن نسعى للعداء.

إذا كان ترامب شعر بالقوّة من خلال خطابه الشعبوي واستخدامه لغة غير معتادة، سواءً لإدهاش من يدعمونه أو لاستفزاز من يكرهونه، فإنه أدرك أنه الأقرب إلى نفسية الشعب الأميركي، وخصوصاً للرجل الأبيض الذي شعر بحاجة للتغيير، وقد ضاق ذرعاً إزاء سياسات آل بوش وآل كلينتون اللذين هُزما أمام ترامب، ومعهما هُزم باراك أوباما، الذي تطوّع وقرينته ميشال ترامب بالترويج لهيلاري كلينتون في حملتها الانتخابية.

فكيف سيتصرّف ترامب على صعيد السياسة الداخلية فيما يتعلّق ببرنامج التأمين الصحّي الذي عُرف باسم «أوباما كير» (Obama Care)، وتحديد نسبة الفائدة، وإزاء مخصّصات التعليم والصّحة؟ ثم على الصعيد الخارجي، ماذا عن دعوته لإلغاء الاتفاقيات الدولية والعلاقة مع إيران، لا سيّما البرنامج النووي الإيراني؟ وكيف سيتعاطى مع «خيار الدولتين» التي قالت عنه «إسرائيل» بعد فوزه، إنه سقط وطالبته بتنفيذ وعوده بنقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة أبديّة لدولة «إسرائيل».

ثم كيف سيطبّق موضوع تقليص الهجرة، وطرد عشرة ملايين لاجىء غير شرعي من الولايات المتحدة؟ وإذا كان ترامب قد وضع في أولوياته محاربة تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، فكيف سيتصرّف إزاء سورية والعراق واليمن وليبيا، وهي بلدان ملتهبة بصراعات داخلية وتداخلات خارجية؟ وإذا كان لا يريد الخوض في حروب، فكيف سيتعامل مع روسيا وإيران ودول الخليج؟ ثم كيف سيعاقب الصين ويحدّ من نفوذها الاقتصادي؟ وبعد ذلك كيف سيتعامل مع حلفائه في حلف شمال الأطلسي، هل سيستمرّ بشطحاته حين قال عن بلجيكا إنها «قرية في أوروبا»؟ في حين أن بروكسل هي مقرّ الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، وهو الأمر الذي يحتاج منه إلى معرفة بالسياسة وبأوروبا وتاريخها تحديداً؟

وهل سيبقى على مطالبته المكسيك دفع كلفة بناء الجدار العازل بينها وبين الولايات المتحدة، والذي طوله 1600 كم؟ وهل سيستمر بازدراء اللاتينيين؟ وهل ستبقى نظرته للعرب والخليج بشكل خاصّ نظرة استعلائية، في حين يعبّر بفجاجة وعدم لياقة دبلوماسية عن أطماعه في نفوطهم وأموالهم؟

هذه أسئلة ربما سيوجّهها ترامب الرئيس (النخبوي) إلى ترامب المرشح (الشعبوي)، وسيتوقّف على جواب المرشّح، للرئيس تحديد مسار ولايته، بل والعالم أيضاً، وإلاّ فإن الإمبراطورية الأميركية قد تنتهي هي نفسها إلى التفتّت، وحتى لو كانت هناك إرهاصات بخصوص مطالبات باستقلال كاليفورنيا، وهي من الولايات الغنية جداً، ويبلغ عدد نفوسها نحو 34 مليون نسمة، فلا ينبغي التعاطي معها باستخفاف، إذا ما استمرّ ترامب في تطبيق برنامجه الانتخابي بطريقته الفوضوية، التي قد تُفقد واشنطن حلفاءها، الأوروبيين واللاتينيين والشرق أوسطيين، ولن تحقّق «عظمة» أميركا التي يتحدّث عنها.

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسين شعبان"

العدد 5223 - السبت 24 ديسمبر 2016م الموافق 24 ربيع الاول 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً