العدد 5229 - الجمعة 30 ديسمبر 2016م الموافق 01 ربيع الثاني 1438هـ

ذاكرة المنامة... والبيوت الشاهدة على الأصالة والجمال

الطريق إلى فضاء البيت
الطريق إلى فضاء البيت

تجوب شوارع المنامة، تتنفس عبق الماضي المختلط بروح الحاضر. المدينة البحرينية، العصية على المحو من الذاكرة مهما تداخلت فيها الثقافات وتعدّدت على أراضيها الجاليات. هي نبض القلب ومركز الروح.

وأنت تسير بين أزقتها متجهاً لـ «بيت خلف» الذي أراد مجلس أمناء مركز الشيخ إبراهيم أن يطلق عليه اسم: «ذاكرة المنامة»، تشعر وكأنك على موعد مع ماضيك، ماضيك الذي يمثل امتداد الأصالة والرقي والتسامح. فقبل أن تنعطف باتجاه حيّه، يستقبلك بيت خلف الكبير الذي يشي بالجمال المعماري القديم، فتتخيل أحاديث الرجال الذين كانوا يجلسون في «البرزة»، وهي بناء مرتفع عن الطريق بمقدار متر أو نصفه تقريباًً، يبنى أمام المنزل ويفرش بالسجاد والمفارش والمساند يجلس فيه رجال الحي لتبادلوا الأحاديث في الفترات المسائية.

تدخل الحي فيواجهك «الأرسي» وهي الشرفة المزينة بالخشب المنقوش، أو ما يسمى «الشناشيل» أو «المشربية» في بعض اللهجات، يستقبلك بجمال نقوشه وبديع صنعه، إلى جانب النوافذ الخشبية القديمة التي كانت تميّز بيوت البحرين الطينية.

الباب الخشبي المنقوش يدخلك إلى حوش البيت المفتوح، حيث كان يجلس أفراد الأسرة لتبادل الأحاديث، وتجلس فيه النساء لغسل الأواني، لكن من يَزُرِ البيت في هذه الأيام سيجد جمالاً آخر أضيف للمكان، وهي الأعمال الفنية للفنان راشد آل خليفة التي صنعت وكأنها تتقصد إحياء المكان كما الذاكرة، عنونَه بـ «لقاء»، وهو عبارة عن مجسمات لأطفال صنعوا من الالمنيوم ترافقهم مؤثرات صوتية، فتجد طفلاً هناك يلعب بعجلته وفتاة تتأرجح فتتمايل معها أحلامها وأمانيها، وتلك تحاول الطيران باستخدام بالونات مربوطة في خيط تمسكه بيدها. ويلفت انتباهك طفل يتسلق وآخر يتشقلب. وهكذا كانت البيوت بأبوابها المفتوحة تزخر بالحياة والحركة.

البيت يحوي غرفاً رُممت بأناقة حافظت على طابعها القديم وشكلها المتميز، قُسِّمت لتكون شاهداً على زمن طيّب بأهله وحرفه وطقوسه، فهناك غرفة الطوّاش التي احتفظت بما يتصل باستخراج اللؤلؤ وبيعه من أدوات وأوزان ووثائق وبعض العملات القديمة، وغرفة ذاكرة المنامة التي ضمت صوراً لشخصيات من المنامة كانت ومازالت شاهدا على عراقة هذي المدينة، وكتاباً مفتوحاً احتوى سِيَراً مقتضبة لشخصيات المنامة القديمة، وغرفة النوم التي مازالت تحتفظ بسريرها الخشبي جميل المنظر وخزانة الملابس المنمقة.

في الطابق الأول من البيت تدخل الغرف المتلاصقة في جهة واحدة يقابلها السطح الأشبه بصالة من جهة أخرى لتستمتع بأحاديث من سكنوا المنزل وتأنس بضوء النجوم وجمال القمر. ومن خلفك يطل سلم خشبي طالما وجدته في طفولتك ولهوت على عتباته بخطوات لم تكن بالحذر نفسه الذي قد تبديه اليوم وأنت تصعدها.

تتجول في البيت بن جدرانه المزدانة بالنقوش وبـ «الروازن» التي استخدمت كمخازن للسلال قديماً، والتي كانت تحوي ما يراد حفظه من ملابس وأدوات وأطعمة، فيما كانت تضم الأطفال حيناً ممن طالما أرادوا الاختباء بداخلها خشية التوبيخ أو في وقت اللهو مع أقرانهم.

تستنطق الجدران، فينطق كل المكان بشموخ عظيم. تستنشق من خلاله عبق الماضي وأريحيته التي اكتسبها من ناسه المنفتحين على بعضهم، كما على الثقافات من حولهم.

تخرج من البيت فتودّع جدرانه كما تودع حيه لتقول في نفسك: هنا المنامة، هنا الحب، وهنا الأصالة، وهنا منبع الثقافة والحضارة والجمال. لكن أمراً يستوقفك في كل هذا الجمال والسعادة وهو أن المرشد في بيت خلف كغيره من البيوت الشبيهة به والتي تفنن في إبرازها مركز الشيخ إبراهيم لم يكن بحرينيا أو حتى عربيا. لتصاب بالحسرة وأنت تجد أنه لا يعرف من تاريخ هذي الأرض أو هذا المكان إلا القليل الذي تعلمه قبل توظيفه، في حين يوجد لدينا الكثير من المهتمين البحرينيين المستعدين لسماع الكثير من الحكايات حول هذه الأماكن وتاريخها وتاريخ الوجوه التي مرت بها، إن لم يكونوا يعرفونها جيد، قادرين على العمل في هذه البيوت التي تمثل واجهة سياحية مهمة للبلد وذاكرة عامرة بالعراقة والأصالة.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 8:12 ص

      انا مستعد للعمل
      وهل في احلى من ان يحكي المرء عن اهله الطيبين وفرجان لول والبيت العود وحزاوي الدار والنخلة والبلبول والخضرة والعين ،حديث لا يمل ولاينتهي _ ترى من يتم توظيفهم عن ماذا يتحدثون وهم لا يعرفون دهاليز بيوتنا ووصفها والحوش وألعابه والسطح والحمام
      رجاء اعدوا الكوادر الوطنية لشغر هذه الوظائف المهمة
      وشكرا للسوسنة

    • زائر 9 | 6:41 ص

      أكره المنامة و كل ما يمت للمنامة بصلة من أعماق قلبي.
      مع تحيات درازي.

    • زائر 7 | 1:45 ص

      #موضوع جيد ناقصه #الصور ارجو تدارك ذلك

    • زائر 6 | 10:25 ص

      سبحان الله
      وكأن الجدران تحكي كواليس عبق الماضي

    • زائر 5 | 7:21 ص

      بيت جدي والدتي قريب من بيت خلف و حوله الورثه لسكن عمال و مازال يحتفظ بعمارته القديمه و لكن تم بيعه ونجهل ومصيره حاليا

    • زائر 4 | 4:19 ص

      كم انت رائعه يالمنامه. جميله في كل شئ وتميزت بكل جمال مما جعلك غاليه جدا على نفوس قاطنيك

    • زائر 1 | 6:43 م

      اخ عليش يالديرتي المنامة

    • زائر 2 زائر 1 | 10:37 م

      المنامة نكهة خاصة يحيطها الاسواق ومختلف اللغات والعادات والمقابر والسينمات والمستشفيات كيف تتوقع شخصية قاطن المنامة من كل الجهات .

    • زائر 3 زائر 1 | 1:26 ص

      اخ علي بيتنا الكبير جدا الي تهدم سنة 1965 علشان انه قديم ونحتاج بيت جديد وكان في فريق كانو ما كان أحد يفكر في الاحتفاظ في القديم جهل عن جهل

    • زائر 8 زائر 3 | 2:20 ص

      وصف رائع لبيت خلف ونحن من جيرانهم. ولكن هل يعقل ان يوظف اجنبي سواء كان عربي او غير عربي ليعمل مرشد في مثل هذه الاماكن التي تحتاج الى المام كامل بتاريخ البلد والمنطقة والناس التي تسكن في هذه المناطق وعاداتها وتقاليدها؟ اقترح توظيف بعض البحرينيين المتقاعدين لهذه المهمة وهو امر لن يكلف الدولة الكثير حيث يمكن ان يدفع لهم مكافأة وليس راتب وعليه يستفيد الطرفان من هذا النظام .

اقرأ ايضاً