العدد 5233 - الثلثاء 03 يناير 2017م الموافق 05 ربيع الثاني 1438هـ

هل نستفيد من تجاربنا المحلية والدولية في مجال القضاء على الفقر؟

حسين مدن comments [at] alwasatnews.com

شدّني للكتابة في هذا الموضوع خبران، أحدهما محلي والآخر عالمي. الخبر الأول يؤكد أن حكومتنا أوقفت الدعم المالي المباشر البالغ مليون دينار بحريني سنوياً إلى غرفة تجارة وصناعة البحرين (بيت التجار)؛ ولكن ستعوّضها عن ذلك بإصدار تشريع لوضع آلية لدفع الرسوم، تلزم كل من يمتلك سجلاً تجارياً بدفع رسوم العضوية فيها، ما سيوفر مليوني دينار سنوياً للغرفة.

جاء هذا الدعم للغرفة من الموازنة العامة للدولة، وإيقافه كان بسبب تراجع إيرادات النفط، وارتفاع العجز وتفاقم الدين العام. والسؤال هنا: لماذا كان هذا الدعم المالي للغرفة من الميزانية العامة للدولة في الأساس ولعشرات السنين، في الوقت الذي امتنعت فيه الدولة ولا زالت تمتنع، عن تقديم دعم مالي مباشر للجمعيات الخيرية على رغم أن هذه الجمعيات تحمل عن كاهل الحكومة وزراً نعتقد أنه أكبر من الغرفة بدعمها الآلاف من الأسر المحتاجة والمتعففة؟ أليست الغرفة، إذا وضعنا التسمية جانباً، هي بمثابة جمعية أو نقابة للتجار ورجال الأعمال والمؤسسات التجارية، وهي بخير مالياً، والمفروض أن تدير ذاتياً جمعيتها أو غرفتها أو بيتها من مواردها المالية الخاصة بها؟

بصراحة تامة، إنها كما قال الله عز وجل: «تلك إذا قسمة ضيزى» (النجم، الآية 22)، أي إنها قسمة جائرة وناقصة وخارجة عن الصواب ومائلة عن الحق. فكيف يكون لجمعية يملك معظم أعضائها المال، الحصول على هذا الدعم المالي المباشر الكبير في الوقت الذي تتهرّب فيه الدولة عن دعم الجمعيات الخيرية مالياً، بل أحياناً تعيق دورها، وهذا المال في النهاية رزقٌ للفقراء والأسر المحتاجة، إضافةً إلى استخدامه في مبادرات مهمة تقوم بها الجمعيات في تنمية مجتمعها البحريني.

الحكومة عن طريق وزارة التجارة، ستعوّض الغرفة عن خسارة المليون دينار بإصدار آلية ملزمة لدفع الرسوم من قبل التجار، صادق عليها البرلمان في أكتوبر/ تشرين الأول العام 2013، يضاعف لها هذا الدعم، ولكن أين الحكومة من وضع تشريعات وقوانين تساهم في معالجة شحّ المال لدى الجمعيات الخيرية التي ما فتئت تنادي بها، أي التشريعات، ليلاً ونهاراً؟

الخبر الثاني وهو على هيئة فيديو من تركيا، ويتحدث عن دور الحكومة التركية كمثالٍ في إطعام الأسر الفقيرة والمعدمة، والتي دخلها يكاد يغطي مصاريفها اليومية ويحفظ كرامتها. ويقول الخبر إن الحكومة التركية عن طريق بلدياتها، قد أقامت مطبخاً في كل مدينة تركية لتوزيع الأكل مجاناً على كل الأسر الفقيرة. في المدينة التي يتحدّث عنها الفيديو هناك 600 عائلة تستلم وجبات الغداء والعشاء يومياً، مباشرةً من المطبخ عن طريق «صفرطاسات» خاصة تصل إلى بيوتها، حجمها يعتمد على حجم العائلة، وتعتمد نوعية الأكل على آراء أخصائيي التغذية وبطريقة علمية. إضافةً إلى وجود مطاعم تديرها البلدية، وتبيع وجباتها على المواطنين بحيث يدخل ريعها وربحها في جيب البلدية، التي عن طريقها تمول وجبات الطعام المجانية للفقراء، إضافةً لاستقبال تبرعات المحسنين ورجال الأعمال التي تساعد على تمويل هذه الوجبات.

طبيعي أن مستوى خط الفقر وطريقة حسابه وتقييمه يختلف باختلاف الظروف الاقتصادية والاجتماعية في البلدين؛ ولكن تبقي ظروف الأسر الفقيرة بحاجةٍ إلى من يهتم ويقدّم المبادرات لمعرفتها، وحصرها وتفعيلها حسب الظرف الاقتصادي للدولة.

في البحرين ليست هناك إحصائيات دقيقة لمعرفة عدد وحجم الأسر التي لا تستطيع توفير قوت يومها، والتي هي بحاجةٍ لهذا النوع من المساعدات، ولكن الكثير من رؤساء الجمعيات الخيرية يؤكدون وجود هذه الأسر، وبالذات في القرى، على رغم اختلاف المستوى الاقتصادي والاجتماعي بين هذه الأسر المحتاجة.

لا نعتقد بأن هذا النوع من التبرعات حسب مشروع تركيا يصلح أو يتناسب مع ثقافة التبرع عندنا في البحرين، ولا نجزم بوجود حاجة ضرورية تبرر تفعيل مثل هذا المشروع كما هو، بدون القيام بدراسات علمية وجادة من قبل مختصين عن طريق وزارة العمل والتنمية الاجتماعية أو غيرها كمؤسسات مجتمع مدني أو معاهد بحوث، ولكننا نستطيع القول بأن البحرين بحاجة للاستفادة من هاذين المثالين.

أولاً: البدء في تقديم دعم مالي مباشر للجمعيات الخيرية أسوةً بالحكومات الخليجية أو إصدار تشريعات تساعد على دعم هذه الجمعيات عن طريق الحكومة مباشرة أو عن طريق البرلمان، وعدم الاعتماد فقط على مبادرة صندوق العمل الأهلي الاجتماعي التابع لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية عن طريق المنح المالية للمشاريع التنموية التي تتقدم بها الجمعيات.

نحن من دون شك نؤيد مواصلة تقديم المنح التنموية للجمعيات لما لها من تأثير إيجابي على التنمية في البحرين بصورة عامة؛ ولكن المشكلة هي أن هذه المنح المالية خاصة بمشاريع تنموية تتوقف بعد تنفيذ هذه المشاريع، وأن عدد المستفيدين منها من الجمعيات الخيرية قليل جداً بالمقارنة مع عدد الجمعيات الأهلية التي تتقدّم بمشاريعها سنوياً مع ضعف الدعم المالي المقدّم لهذه المشاريع. هذه المنح لا تغني عن الحاجة لتغطية المصاريف الإدارية للجمعيات، وكذلك المساعدات الشهرية والموسمية التي تقدّمها للأسر التي يتزايد عددها يوماً بعد يوم، عدا مساعدات الزواج والعلاج وترميم البيوت والمساعدات الطارئة للمحتاجين. إضافةً إلى مشكلة الدخل المتناقص لهذه الجمعيات بسبب التضييق عليها مثل آليات تراخيص جمع المال والحصالات، وانخفاض تبرعات المواطنين المحسنين بسبب ترشيد الانفاق وبرامج التقشف الحكومية.

ثانياً: دعوة وزارة العمل والتنمية الاجتماعية للقيام بمسوحات ودراسات ميدانية علمية لمعرفة حجم مشكلة وجود أسر معدمة في البحرين، وتقديم التوصيات اللازمة لتنفيذ المبادرات المناسبة لحل هذه المشكلة بالتعاون مع الجمعيات الخيرية والجهات الحكومية المختصة الأخرى.

إقرأ أيضا لـ " حسين مدن"

العدد 5233 - الثلثاء 03 يناير 2017م الموافق 05 ربيع الثاني 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 2:51 ص

      فى هاده الزمن مستحيل الغنى اساعد الاجنبي ويترك المواطن الغلبان والحكومة تفضل الاجنبي على المواطن والاسعار عاليه والراتب مايتغير والحين هم فى ازمة والضحيه ماليه والمواطن هو الضحيه \\\\\\\\ المشتكى لله \\\\\\\\

    • زائر 1 | 1:52 ص

      لماذا كان في زمن الخليفة عمر بن عبدالعزيز لا يوجد فقر ولا محتاج؟؟! لو تطبق الآن ما كان يطبقه الخليفة ستحل مشاكل الناس.

اقرأ ايضاً