العدد 5234 - الأربعاء 04 يناير 2017م الموافق 06 ربيع الثاني 1438هـ

الخطاط قوانج... الصيني الذي طلب العلم في بلاد العرب

نور الدين مي قوانج
نور الدين مي قوانج

المنامة - جهاد بوحسن 

تحديث: 12 مايو 2017

الخط العربي هو من أصعب الفنون التي تتطلب مهارات عالية في تطبيق القواعد والذي يتطلب ذوقاً رفيعاً في التركيب والتنسيق. تهافت الكثيرون لتعلم هذا الفن المفعم بكل ما هو جميل وأصيل. فلم يقتصر الشغف بفن الخط العربي على العرب فقط، بل تجاوز ذلك بكثير ووصل إلى الصين.

الخطاط الصيني المسلم الحاج نور الدين مي قوانج جيانج يخط باللغة العربية بأسلوب صيني ماهر يستوقف الناظر ويثير الدهشة والإعجاب. ولد نور الدين في العام 1963 في يويتشانغ من مقاطعة شاندونغ في شرق الصين. وهو أستاذ بارع في الخط العربي، حيث نال إجازة في حسن الخط في العام 1997 من مصر، وأصبح أول صيني يكرم بجائزة رفيعة المستوى.

لم يكتفِ الحاج نور الدين بتعلم الخط العربي فحسب، بل رجع للصين محاضراً في جامعة العلوم الإسلامية بمدينة تشنغتشو. كما أنه في سنة 2008 بدأ فصلاً دراسياً مجانياً كل يوم أحد من كل أسبوع، فحتى هذا اليوم وهو يقوم بتعليم الخط العربي بمسجد باي شيا جاي في مدينته لمدة 5 ساعات، حتى وصل عدد المتدربين إلى أكثر من ثلاثمئة طالب وطالبة ما بين سن الثانية عشرة والثمانين عاماً.

ابتكر نور الدين أسلوب الكتابة العربية بالحروف الصينية وجعل الحروف العربية تمتزج بروح الكتابة الصينية ليصنع منها لوحات تحكي براعته في خلق تلك التحف التي عجز عنها الكثيرون. حازت أعماله شهرة واسعة في مختلف الأوساط الفنية العالمية، حيث قام المتحف البريطاني في العام 2005 باقتناء لوحة «أسماء الله الحسنى»، ليتم عرضها بصفة دائمة في المتحف لجمالها وروعة خطوطها. كما عرضت أعماله كأول فنان صيني عربي في العديد من المعارض والمتاحف مثل متحف أصلان في سان فرانسيسكو، والمتحف الوطني في اسكتلندا، ومتحف الفن في جامعة هارفارد. كما تم اختياره من بين أهم 500 شخصية إسلامية لها تأثير على مستوى العالم سنة 2009 إلى 2016 وذلك لمدة ثماني سنوات متتالية.

البداية

حدثني الحاج نور الدين عن بداية تعلقه باللغة العربية منذ الطفولة، ففي سن العاشرة طلب إمام المسجد من والده أن يقوم بتقديم يد المساعدة من أجل تزيين أبواب المسجد بلوحات مختلفة وذلك بمناسبة حفل زواج. فاستوقفته تلك اللوحات المعلقة وهي في غاية جمالها وروعتها، إذ لا يمكن للمرء أن يغض بصره عن تلك الخطوط السوداء بانحناءاتها المختلفة المطبوعة على الورق الأحمر الذي يعتبر من الألوان المفضلة في الصين، في حين يعتبر اللون الأبيض في التقاليد الصينية لون الحزن الذي يستخدم للحداد. واصل نور الدين تمعنه بتلك اللوحات الخلابة وعندما سأل والده عن محتواها أخبره أنها لوحات مكتوبة بالخط العربي وتحتوي على البسملة وأخرى مضمونها عبارات دعاء ليحفظ الله ويبارك للعروسين.

كما يقول الحاج نور الدين: «على رغم أن والدي لم يفقه القراءة أو الكتابة العربية لكنه أخبرني بشكل مبسط كي أميز الشكل الصحيح للوحة قبل لصقها أو تعليقها بأن الاتجاه الصحيح للقراءة يعتمد على شكل السكين (حرف الألف) إذا كان للأعلى فاللوحة في وضعها الصحيح».

ومنذ ذلك الحين وجمال الخط العربي لم يفارق مخيلته، فعندما بلغ سن السابعة عشرة وأنهى دراسته الثانوية في العام 1980، قطع رحلة طويلة عبر القطار إلى مقاطعة مانجوليا الداخلية إلى مسجد مدينة هرار ليلتقي بالشيخ محمد سعيد وهو خطاط أيضاً علمه علوم الدين والشريعة الإسلامية لمدة سنتين. أضاف نور الدين «تعلمت الكثير من الشيخ محمد الذي شجعني على ختم القرآن، كما أنه لم يكن من السهل تعلم الحروف العربية وخصوصاً حرف الراء الذي أخذ مني شهرين متتالين كي أتقنه».

بعد ذلك، تعلم الحاج نور الدين اللغة العربية في الجامعة في قسم اللغات قسم اللغة العربية. ومن هنا كانت انطلاقة الحاج نور الدين، حيث عمل بعد تخرجه كمترجم صيني عربي في دولة الكويت في سنة 1989. يقول نور الدين: «عملت في دولة الكويت كمترجم لشركة حكومية وكانت هي المرة الأولى التي رأيت فيها الخط العربي التقليدي بأشكاله المختلفة. كنت أقرأ الصحيفة الكويتية بشكل مستمر باحثاً عن تلك الخطوط الجملية التي طالما سحرتني وجذبتني، ولكن في سنة 1990 اضطررت إلى الرجوع للصين بسبب الأوضاع الأمنية المرتبكة بسبب حرب الكويت والعراق».

تعلم الخط العربي باحترافية

تعلم نور الدين فن الخط العربي والزخرفة الإسلامية في مصر وحصل على الإجازة بعد ثماني سنوات من الجهد على يد أشهر الأستاذة المصريين حيث يقول: «أنا سعيد جداً لكون اثنين من أبرز من شكلوا حياتي الفنية يحملان الاسم نفسه (محمد سعيد) أحدهما في الصين والآخر في مصر، وأيضاً تعلمت على أيدي أساتذة ذوي شأن عظيم في جمعية الخط العربي المصرية مثل خضير البورسعيدي، وعثمان توني، وحمام، وصبري، وتم منحي عضوية فخرية مدى الحياة في الجمعية».

علم ومسئولية

يضيف الحاج نور الدين أن الموهبة والفن والعلم والجمع بينها نعمة من عند الله سبحانه وتعالى، حيث إنه أخذ على عاتقه أكثر من ممارسة الخط ليسعى لتعليم هذا العلم ونشره على مستوى عالمي. يقول الحاج نور الدين: «بعد رجوعي من مصر باشرت العمل في تدريس فن الخط العربي وأحياناً اللغة العربية أيضاً كأستاذ في جامعة العلوم الإسلامية، ونشرت عدة كتب تحمل عنوان «أشهر كتابات البسملة بأشكال مختلفة»، وكتاب «تعليم الخط العربي بالمراسلة» وهو عبارة عن سلسلة تعليم ذاتي لخطوط عربية مختلفة. وكتاب نشره في العام 2015 تحت عنوان «المختارات من الخط العربي بالأسلوب الصيني». كما أنه قدم العديد من الورش والمحاضرات في أميركا وبريطانيا واسكتلندا وايرلندا وأستراليا وقطر والسعودية والكويت والإمارات ودول عدة.

الخط العربي الصيني

يقول نور الدين: «في عالمنا المعاصر تنزلق أشكال الفنون القديمة في شقوق الزمان، ولذلك لا يمكننا أن نترك الكنوز الفريدة في التاريخ أو نتناسى هذا التنوع الرائع من الفنون التقليدية، والخط العربي - درة نتاج الفن الإسلامي ونتاجه التاريخي - هو أحد أشكال التعبير الفني التفصيلي من بين الأنماط الخطية الباقية في عالمنا اليوم».

وقال: «الكتابة العربية موجودة منذ ما يقارب 1300 سنة تقريباً في الصين، حيث زينت المساجد والبيوت والمطاعم بلوحات خطت عليها آيات قرآنية أو أحاديث شريفة، وما قمت به أنني مزجت الخط العربي بأسلوب الخط الصيني، فهو أسلوب لا يشكل لوحةً فنيةً فحسب، بل عبارة عن تمازج بين الثقافة العربية والثقافة الصينية»، مبيناً أن عدداً كبيراً من الصينيين لا يعرفون اللغة العربية، لكنهم يتذوقون الخط العربي ويحبون كتابته بالأسلوب الصيني.

إضافة إلى ذلك، فقد ابتكر الحاج نور الدين الكتابة العربية بالأسلوب الصيني وطورها حيث إن الربط بين جمال هذين الخطين يولد لوحة فنية فائقة الجمال. يكتب الخط الصيني بطريقة عمودية والكلمة الواحدة عبارة عن كتلة واحدة، بينما الخط العربي بكتب بشكل عرضي وكل كلمة تتكون من عدة حروف. كما أن الخطاط الصيني يخط اللوحة في دقائق معدودة بينما يأخذ الخطاط العربي كل الوقت والذي قد يصل إلى أيام لينهي مخطوطته. وعندما سألت نور الدين عن فارق الوقت في الإنجاز أجاب بأن نوعية الورق تختلف، فالكتابة الصينية تستخدم الفرشاة على نوعية ورق تجف سريعاً فيتوجب على الخطاط الصيني أن يكون سريعاً وحذراً في زوايا وانحناءات حروفه، بينما الخطاط العربي يستخدم القصب - البامبو - على نوعية تتيح له حرية الوقت في تعديل الخط ورسمه.

يدرس الحاج النور الخط العربي الصيني بسبع طرق أساسية وهي: خط ريحاني وهو خط مختص بالخطوط القرآنية، وخط القلم وهو مختص لكتابة الكتب الدينية، وخط بقلم عريض وخط الرسم لرسم الأشكال مثل البيوت والزهور بالحروف العربية، وخط الريشة وهو مثل القصب بزوايا حادة، وخط أخير مشابه للخط الكوفي. جميعها باللغة العربية لكنها بالأسلوب الصيني.

الخط العربي والشعارات

يقول نور الدين: «جميع مخطوطاتي تجسد آيات قرآنية أو أدعية دينية أو أحاديث شريفة. إلا أنه عندما يطلب مني عمل مخطوطة كشعار يمثل شركة معينة وكان هذا الاسم يمس أسماء الله الحسنى فإنني امتنع عن ذلك، لأن الشعارات التجارية تكون مطبوعة بكل أشكال العناصر المرئية للهوية التجارية مثل المنشورات، والغالبية من الناس تتخلص منها في القمامة. أما إذا كانت لا تحتوي على اسم من أسماء الله فلا مانع من ذلك، إذ إنني قمت بالسابق بعمل شعار لشركة أميركية باسم (نور)».

يرى الحاج نور الدين أن الشعار هو رمز يدل على شركة معينة لا يجب أن يكون مقروءاً ولكن يجب أن يركز في ذهن المتلقي، فعلى سبيل الذكر يبين نور الدين أنه قام بكتابة شعار «حلال طيب» لمطعم في سيدني بأستراليا على شكل ميزان، وعلى رغم كونه غير مقروء لأن الشعب لا يقرأ العربية، إلا أنه أصبح مُميزاً للمطعم من قبل الغالبية.

الخط العربي الحر

يفضل الحاج نور الدين الخط العربي الكلاسيكي لما يحمله من جمالية وتاريخ عريق، فهو يمثل فناً من الفنون الإسلامية التي تمتلك جاذبية عالية ويمكن للآخرين تذوق هذا الكنز الغني والقيم. يقول الحاج نور الدين: «استخدم الخط العربي في القرآن الكريم لتزيين المساجد، وإنه لمن الصعب استخدام الخط الحر في القرآن الكريم، أنا لست ضد الخط الحر ولكنني أرى جمالية قراءة القرآن الكريم بالحروف العربية الكلاسيكية مثل خط النسخ للآيات لسهولة قراءته ووضوحه. فيما عدا ذلك فلا مانع من وجود علم يختص بالخط الحر ليكون علماً قائماً بذاته. لافتاً إلى أن البعض يستخدم الخط الحر بأشكال غير مقروءة.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً