العدد 46 - الإثنين 21 أكتوبر 2002م الموافق 14 شعبان 1423هـ

مظالم تحت مباركة القانون

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

إذا قرأنا الحياة من حولنا فسنجد من بين صور الظلم الاجتماعي ما يكون فاقعا كريها يأباه الجميع ويرفضه المجتمع، وتُعاقب عليه القوانين. ولكن هناك صورا أخرى تكون ذات ظلال باهتة، يغض عنها المجتمع طرفه، أو يتجاهلها الناس الذين لا تمسهم بطرف، ويغض عنها القانون طرفه فيدفع الضحايا ثمن ذلك كله في موت صامت يتلف الأعصاب ويقتل الأرواح. ويتراءى لي أن من أقبح أنواع الظلم أن تستغل حاجة الفقير والمحتاج والبائس لتفرض عليه ما يحقق مصلحتك على حساب راحته وانسانيته. وهناك نماذج قد تتوارد الآن على ذهن كل منا، ولكني أريد الإشارة إلى نموذجين:

العاملات في مصانع الملابس، حين كتب حديثا عما تلاقيه العاملات من حيف، بدءا بساعات العمل الطويلة والمرهقة، وعدم توافر مواصلات، وظروف العمل السيئة، ونقص مياه الشرب أو دورات المياه الصحية، وهذا كله في جانب، وفي الجانب الآخر الإساءات الأخلاقية والتحرش بهؤلاء الفتيات اللاتي قادتهن ظروفهن التعسة والحاجة المادية إلى العمل. كل ذلك مقابل 60 أو 80 دينارا، يعرف رب العمل جيدا أنها لا تكفي لتغطية مصروف الجيب اليومي، ومع ذلك يعتصرهن في غير رحمة ولا اكتراث.

صورة أخرى من صور الظلم الفادح ما تمارسه بعض المدارس الخاصة من استغلال لظروف العاطلات عن العمل من خريجات الجامعة، فتوظفهن بأجور زهيدة وتفرض عليهن شروطا مجحفة، لا أدري ما هو موقف القانون منها. إذ عليك «في حال استقالتك أن تدفعي لنا مجموع ما تسلّمت من رواتب طوال فترة عملك»! يعني أن تعيدي لنا جميع مستحقاتك بالفلس الواحد وتخرجي من «الباب الشرقي»، كمن خدم خدمة تطوعية ليس له منها غير اللعنات! فبأي وجه حق تفرض هذه الشروط؟ وما هو موقف القانون منها؟ وما هو موقف المحامين وحقوق الانسان؟ قد تقول إدارة المدرسة ان المدرّسة قبلت والناس عند شروطها، ولكنه قبول أشبه ما يكون بالاعتراف تحت التعذيب، فـ «الحاجة هي أم العذاب». وقد تقول الإدارة انها ستتركنا و«تخربط» برامجنا، ولكن بالإمكان أن يفرض شرط معقول كما في كل مؤسسة تحترم البشر، فهناك فترة متفق عليها لتحلل أيا من الطرفين من الاتفاق، اما ان تدوس على رأسي وقت الحاجة فهذا لا يدل على تعامل انساني. إنه شكل قبيح من أشكال الرق الحديث، فالناس أحرار في أن يعملوا معك، ولا يمكن إجبارهم على الاستمرار في مدرستك، حتى لو فرضت هذا القانون الجائر. ثم إن الموظفة التي تخضع لمثل هذا الابتزاز السافر لن تعطي أفضل ما عندها للعمل، هذا إذا فكر رب العمل بلغة الانتاج والمردود المادي البحت، بغض النظر عن الضمير والإنسانية والأخلاق

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 46 - الإثنين 21 أكتوبر 2002م الموافق 14 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً