العدد 5249 - الخميس 19 يناير 2017م الموافق 21 ربيع الثاني 1438هـ

التمثيلية الأميركية لا تخص العرب

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

هذا اللغط العربي بشأن ما سيأتي به الرئيس الأميركي الجديد من مفاجآت تجاه الأوضاع العربية هو جهد ضائع، بل وثرثرة سياسية إعلامية لن تفصح عن شيء جديد. ولقد آن لنا، نحن العرب، أن نقتنع بأن ثوابت السياسية الأميركية تجاه الأمة العربية لن تتبدَّل بمجيء هذا الرئيس أو ذاك. ومثلما انتظرنا الكثير من الرئيس الأميركي المغادر فلم نحصل إلا على القليل، فكذلك سيكون الأمر مع الوجه الجديد.

لن تتغير الثوابت الاستراتيجية الأميركية التالية قيد أنملة. وهي استراتيجية لا يزيدها مرور السنين إلا رسوخاً، وتفنُّناً في التلاعب بأقدار الوطن العربي، وتلذُذاً بعذابات الملايين من ساكنيه.

1 - سيبقى الكيان الصهيوني الحليف مقدماً على كل حليف عربي آخر، وستبقى العين الأميركية مغمضة عن كل جرائم ذلك الكيان، وستستمر المساعدات العسكرية والمالية والعلمية والسياسية الدبلوماسية بالزخم نفسه، وسيظلُ الطفل الشيطان ملاكاً في عين أمه.

2 - ومن أجل إرضاء ذلك الحب المريض لن تسمح أميركا بوجود جيش عربي قوي قادر، ولا بوجود نظام حكم مقاوم ورافض للتطبيع، ولا بقيام سلطة فلسطينية غير كسيحة وعاجزة، ولا بقيام نظام حكم ديمقراطي مستقل عن إرادتها وخدمة مصالحها.

3 - ولن تتراجع أميركا عن استراتيجية الهيمنة على ثروات البترول والتحكم في كل السياسات المتعلقة بتلك الثروة، وغض الطرف عن الجنون الجهادي التكفيري طالما بقي محصوراً في أرض العرب، وطالما أن عنفه لا يزعج الكيان الصهيوني ولا يتهدده، والتدخُل اليومي في الشئون الداخلية لكل قطر عربي، حتى لا يخرج عن الخطوط الحمر للسياسة الأميركية، وأخيراً التأكد من عدم توجُه العرب نحو أية وحدة قومية من أي نوع.

وستكون تلك الاستراتيجيات ليست قابلة للتغيير بتغيُر الرؤساء. وإذا فشلت الرئاسة الأميركية في التبني الكامل لتلك السياسة، فسيقوم الكونغرس الأميركي، ويهبُ مجلس النواب، ويتدخل اللوبي الصهيوني، وتضغط المصالح الصهيونية في حقلي المال والإعلام، سيفعلون كل ذلك لتصحيح مسار الرئاسة.

ما نحتاج نحن العرب، أن نفعله ليس الاندماج المضحك في اللغط بشأن المتغيرات الأميركية، التي في الأصل لا تعطي أي اهتمام لوجودنا وطموحاتنا وحقوقنا، وإنما، بدلاً من ذلك، أن نطرح الأسئلة بشأن بناء الندية العربية تجاه الندية الأميركية.

هنا مربط الفرس، وهنا نقطة الانطلاق في التعامل مع السياسات الأميركية المتخبطة المذلة تجاه العرب، والتي لا يهمها إلا المصالح الأميركية، والتي تتميز بالأخذ الكثير والعطاء القليل.

والواقع أن بناء تلك الندية تجاه أميركا هو بناء الندية في وجه الكثيرين الآخرين، سواء بعض الدول الأوروبية التي تتعامل مع قضايانا بالطريقة الانحيازية الأميركية نفسها، وأحياناً بطريقة أشد وأسوأ، أو بالنسبة لبعض الدول الإقليمية التي أصبح بعضها لاعباً رئيسياً في هذه الساحة العربية أو تلك. ولا حاجة للحديث عن التدخُلات الإيرانية والتركية اليومية التي أصبحت تهزأ بالوجود العربي، وتتعامل معه كجسم مريض عاجز. وإلا هل يعقل أن الدولتين أصبحتا تمثلان العرب في كل النقاشات الدولية، بينما تقبع دول العرب وجامعتهم العربية المشلولة في الزاوية وهم يتفرجون ويتلعثمون وينتظرون الفرج؟

لكن تلك الندية العربية لا يمكن بناؤها في أجواء التًشاحن العربي - العربي.

فالخلافات العربية البينية في المغرب العربي الكبير لا تنطفئ في مكان حتى تتجدد في مكان آخر، والصراعات العربية البينية في المشرق العربي بشأن ما يحدث في سورية والعراق وليبيا واليمن، والمماحكات الإعلامية التي ما إن يهدأ أوارها هنا، حتى تشتعل نيرانها هناك والتي يزيد في بلاءاتها وفواجعها سفه بعض الإعلاميين وصبيانيتهم، كل تلك الخلافات والمشاحنات لا يمكن أن تؤدي إلى بناء الندية التي نتحدث عنها.

فإذا أضيف إلى ذلك الجهات الداخلية والخارجية التي تعمل من وراء أقنعة، من مثل أجهزة الاستخبارات وبعض الأحزاب الانتهازية وبعض المؤسسات المدنية العربية المرتبطة بالخارج بلادة أو اضطراراً أو تآمراً، فإن المشهد العربي قد أصبح سريالياً بكل معنى الكلمة، وأصبح اللاعبون في كل موضوع يعدُّون بالعشرات. ولعل المشهد السوري هو أوضح مثال على ذلك.

إذا كانت القيادات العربية تعتقد بأن الزمن كفيل ببناء تلك الندية العربية، فإنها ترتكب جريمة تاريخية مفجعة وخطرة. وإذا كانت تعتقد بأن انشغالاتها الصغيرة ستقود إلى حلول كبرى فإنها تعبث بمصير هذه الأمة. وإذا كانت المؤسسات المدنية العربية في مجتمعات العرب المنهكة ستظل هي الأخرى تراقب وتنتظر، فإنها هي الأخرى تساهم في خروج العرب من التاريخ. وإذا كان الكل سينتظرون الفرج على أيدي أمثال الرئيس دونالد ترمب فإنهم سينتظرون طويلاً.

جاء ترامب أو ريغان أو بوش أو أوباما، صعد نتنياهو وليبرمان أم غطسوا في فضائحهم المالية والجنسية، فإن الحل يقبع في أرض العرب ولا غير وطن العرب.

اليوم الجمعة هو، يوم تنصيب الرئيس الجديد، لن يكون أكثر من يوم تمثيلية مضحكة ومبكية بالنسبة للعرب؛ لا بأس أن يستمتعوا بمشاهدتها، ولكن عليهم أن لا يعيشوها، فهي تخص غيرهم.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 5249 - الخميس 19 يناير 2017م الموافق 21 ربيع الثاني 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 11:05 ص

      لا فض فوك. اي و الله.

    • زائر 7 | 3:48 ص

      امريكا حليفة إسرائيل و كل رئيس لا ينتخب إلا برضى إسرائيل كذلك بقاء بشار فى سدة الحكم فى السورية برضى إسرائيل اذا إسرائيل مب راضية علية فى الدقيقة بيختفى

    • زائر 5 | 12:37 ص

      ...يعني الحين ترامب او طرامب راح يختلف عن اللي قبله؟ ابدا
      بلد لديه مؤسسات تعمل وتضع تصورات ودراسات لكي تمشي وتمضي عليها الادارات المتعاقبة شئنا ام ابينا وتغيير الرئيس
      لن يغيّر شيئا الا في بعض الرتوش والتفاصيل وبس

    • زائر 4 | 12:16 ص

      نحن قبلنا ان نصبح مفعولا به منصوب فنتجرّع كأس الهوان سواء من امريكا او بريطانيا ومن لفّ لفهم واحد يرفع والثاني يكبس والكرة نحن
      الثروات العربية بدل ان تسخّر لخيرات شعوبها اصبحت تسخّر لقمعها وتدمير بعضها.
      اصبحنا دولا تخطّط لنا دول الغرب الحروب لكي لا نتجه للإعمار والتطوّر

    • زائر 3 | 12:10 ص

      22 دولة وقرابة 400 مليون نسمة او أكثر لا اذكر كم هو عدد سكان الأمّة العربية ..
      دول عربية تمتلك كلّ مقوّمات القوّة من ثروات بشرية وطبيعية وتاريخ ولغة واحدة لكننا نفرّط في كل مقومات القوّة لدينا،
      هذا الدول اصبحت من الهوان دول لا قيمة لها على مستوى العالم وتنتظر ماذا يفعل بها وماذا يصنع بها الرئيس الفلاني
      والادارة العلّانية، أليس هذا مخجل؟
      هل السبب يقع على الأنظمة فقط أم نحن الشعوب ايضا يقع علينا جزء من المسؤولية؟

    • زائر 2 | 10:51 م

      سنرى أن أمريكا ترامب مثل أمريكا أوباما في الوقوف ضد أي شعب عربي يريد الديمقراطية والحريّة.

    • زائر 1 | 10:36 م

      التكرار يعلم الشطار.... عاد وينهم

اقرأ ايضاً