العدد 5251 - السبت 21 يناير 2017م الموافق 23 ربيع الثاني 1438هـ

سورية... ما وراء اللحظة

شفيق الغبرا comments [at] alwasatnews.com

لم تكن الإرادة الشعبية السورية التي انطلقت في شوارع درعا ودمشق (أسوة بالثورات العربية)، تريد أكثر من تعديل هذا الجزء أو ذاك من النظام السياسي السوري، ولم يكن كل النظام السوري مع الحل الأمني في التعامل مع تظاهرات الشبان والشابات. لكن طرفا أساسيا في النظام السوري حمل قيما مدمرة مستمدة من أسوأ ما يمكن أن يحتويه الاستبداد تجاه كل حراك شعبي وتعبير، وقد جسد رئيس النظام الأسد ذلك الجانب الأكثر ظلامية من مكونات النظام في سورية.

كان رد الأسد في خطابه الأول في أواخر مارس/ آذار2011 مرآة عاكسة لمدى ضعف استيعابه مضامين بدايات الثورة بصورتها السلمية. لقد بدأت الكارثة السورية مع سوء إدارة وسوء نية النظام لما وقع بعد اشتعال الثورة. ولو لم تتم تصفية خلية الأزمة المكونة من آصف شوكت والقادة الأمنيين، والذين عرف عنهم عدم تقبل الحل الأمني في المراحل الأولى للثورة السورية، لتم التوصل لحل في سورية، قبل تدخل القوى الخارجية أكانت عربية وإقليمية أو دولية.

لو عدنا للحظة 2011 فالسؤال الأهم: لماذا لم ترتجف أيدي النظام كما ارتجفت في أنظمة أخرى كالمصري والتونسي والمغربي مثلا عند اطلاق الرصاص على شعبه السوري من المتظاهرين السلميين؟ ففي المغرب ثار الشعب، لكن النظام رد من خلال سياسة استيعاب الحراك عبر إصلاحات. وفي مصر ثار الشعب وغير الرئيس، لكن الجيش لم يدمر القاهرة والمدن المصرية رغم تجاوزاته؟ في هذا يتضح الفارق بين النظام السوري وعدد من الأنظمة العربية الأخرى التي لا تقل تسلطية وديكتاتورية. فباستثناء القذافي، تحكمت حسابات السياسة والاقتصاد والمستقبل والوضع الدولي والسيادة بقرارات الأنظمة. لنتذكر أن جيوش تلك البلدان، بحكم عقيدتها الوطنية، تجد صعوبة في تحدي إجماع شعبي.

لقد سعى النظام السوري، منذ الأيام الأولى للثورة، لتصفية كل الشبان والنشطاء السوريين السلميين (وعددهم بالآلاف) ممن قادوا الموجه الأولى من الثورة السورية، وهذا فتح الباب بدوره للصف الثاني من النشطاء. لكن ذلك المشهد الذي تطور في شهور الثورة الأولى فتح المجال للعنف المسلح. إن تكتيك النظام السوري اعتمد على خطط مرعبة، فقد أطلق سراح الجماعات الإسلامية الموجودة في سجونه منذ زمن الاحتلال الأميركي للعراق مما فتح الباب لعسكرة ثم لأسلمة الثورة. فمخابراته كانت تعلم بأن المجموعات الجهادية التي يطلق سراحها ستتبوأ مراكز قيادية في الثورة السورية، وستحصل على التمويل والسلاح من ممولين عرب من ذات المدرسة السلفية الجهادية ممن يشاطرونها الفكر والتوجه. كان النظام يلعب لوحده بمصير سورية، ويمارس فتكا غير مسبوق مع متظاهرين سلميين، وكانت النتيجة انه أخرج القضية السورية من يده كما أخرجها من يد الشعب السوري، وذلك من خلال استدعائه حزب الله وإيران، وفيما بعد روسيا.

لقد سقطت حلب في اواخر 2016، لكن ذلك يسجل كإنجاز روسي، وفي جانب منه إيراني، وقد ذهب لحلب قاسم سليماني محتفلا بينما رئيس النظام الاسد اكتفى بالتصريح عن انتصاره في حلب. ماذا جنى الاسد، فسورية لن تكون سورية التي ورثها من الرئيس الأسبق حافظ الأسد، فبعد مقتل ما يقارب 400 ألف سوري وجرح أكثر من مليون ونصف، وتشريد نصف السكان، وكلفة للحرب بمئات المليارات، وسقوط الاقتصاد مع بطالة تصل لخمسين في المئة، وبعد سنوات من عدم قدرة أطفال سورية على الذهاب للمدارس لن تصل الأزمة السورية لحل في المدى القريب والمتوسط. في سورية الآن صوملة وبلقنة في ظل حقوق ضائعة ولجوء وتهجير ودمار وآلام، وفي سورية سيطرة لروسيا وإيران وحزب الله إضافة لانتشار عشرات الآلاف من المقاتلين السوريين من المعارضة في كل سورية. ما وقع في سورية هزيمة للنظام، فمن يضطر لمحاربة شعبه وهدم مدنه وتهجير مواطنيه واستدعاء الشرق والغرب لنصرته ضد شعبه فشل في واحدة من أهم وظائف الدولة. إن فصول الثورة السورية مازالت دون الاكتمال.

إقرأ أيضا لـ "شفيق الغبرا"

العدد 5251 - السبت 21 يناير 2017م الموافق 23 ربيع الثاني 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 11 | 1:16 م

      لا ندري أيهما أصدق

      ما حدث في سوريا مخطط له من زمان قبل ما يسمى بالثورة وعيكم التفصيل،،،،،وبالنسبة لاشتراك إيران وروسيا وحزب الله جريمة كبرى ،،،،،ولكن أمريكا وإسرائيل وتركيا وبعض الدول العربية(لن نسميها)فلها كل الحق في تسليح المعارضة وكذلك داعش!!!!!

    • زائر 9 | 3:24 ص

      لم نعد نصدق ان الأسد قد قتل الآلاف في بداية الثورة .. لسبب بسيط هو ان الاعلام الذي كان يبث ويساند الثورة هو اعلام ثبت بالتجربة عدم حياديته وفبركته للكثير من الأحداث خلال الثورات كونه تابع لانظمة تعادي الأسد ..

    • زائر 8 | 12:42 ص

      الأستاذ الغبرا يمر سريعا وبلا تفاصيل بـ(ممولين عرب من ذات المدرسة السلفية الجهادية)، لكنه يبدع متخيلاً في رسم ما يجري بالشام، أتمنى على الكاتب أن يعطيني اسم تلميذ واحد من الذين قتلهم النظام في درعا، أليس من هنا بدأت (الثورة)، وذاك(بلبل الثورة) الذي ذبحه النظام وإذا به لا جئا في السويد.

    • زائر 7 | 12:30 ص

      ألا زلت يا سيدي تردد الأسطوانة المشروخة؟! المؤامرة واضحة، حتى أن معارض مثل نواف البشير عاد إلى دمشق وبدء بفتح ملفات فساد وعمالة ما يسمى "المعارضة السورية"! وقريباً سيلحقه آخرون، كان بإمكانك كتابة هذا المقال بداية المؤامرة على سورية في ٢٠١١ نحن الأن في٢٠١٧ كل شي تغير يا عزيزي الكاتب. الثورات البطيخية لم تجلب سوى التخلف والدمار لم تكن هناك ثورة ناجحة سوى في تونس وفي مصر نسبياً كونها كانت سلمية. شوف ليبيا وين صارت ثلاث حكومات متصارعة ومليشيات سائبة!! أي ثورة هذه؟! ....

    • زائر 5 | 12:19 ص

      بل قل سوريا ما بعد الحرب الكونية المدمّرة ، خرجت من تحت الركام ولا ندري هل سيدعونها تفيق ام سيواصلون حربهم عليها كي لا تفيق فهي آخر معاقل الممانعة التي يجب ان تكسر

    • زائر 4 | 12:10 ص

      .

      تركيا انقلبت ٣٦٠ درجة، فبعد أن كانت تؤيد إسقاط الأسد وأنه هو العقبة... تغير الموقف فجأةً بتصريح قبل يومين: مسألة إسقاط الأسد في محادثات أستانا المقبلة، أصبحت بلا جدوى
      فشل وراء فشل... هذه أكبر ضربة تتلقاها المعارضة منذ بداية الأزمة في ٢٠١١

    • زائر 1 | 10:45 م

      النظام لم يقتل ولم يتعدى نفد كثير من مطالبهم في سوريا انما هناك مخظظ مرسوم من دول كبرى مع صغرئ وعلى رغم ذلك لم يسقط الاسد لان عنده تركيبة سحرية اسمها إ 0رو0حزب0ج أصدقاء صادقون

اقرأ ايضاً