العدد 5251 - السبت 21 يناير 2017م الموافق 23 ربيع الثاني 1438هـ

الأمية في المرحلة الثانوية... كيف وجدت؟

سلمان سالم comments [at] alwasatnews.com

نائب برلماني سابق عن كتلة الوفاق

لم يتخيل أحد في البلاد أن يرى طلبة قد تخطوا المرحلتين الابتدائية والإعدادية ووصلوا إلى المرحلة الثانوية، وهم يعانون بوضوح من الأمية في القراءة والكتابة وقراءة الأعداد... قبل الاطلاع على عينة من الطلبة الذين يعانون من الأمية غير الطبيعية، كنا نشكك بوجودهم، وبالمستوى التعليمي المتردي الذي سمعنا عنه؛ ولكن بعد اطلاعنا على الواقع المُر تبددت كل الشكوك من أذهاننا، التي كانت تستبعد كليا وجود مثل هؤلاء الطلبة...

وبعد أن ثبت لنا بالدليل الذي لا يقبل النقاش ولا التأويل أنهم موجودون ضمن طلبة المرحلة الثانوية، وبأعداد ليست بالقليلة، برزت بقوة مجموعة من علامات الاستفهام الموجعة للرأس في أذهاننا، ولم نجد لها إجابات ولا مبررات منطقية! كيف وصل هؤلاء الطلبة بهذا المستوى التعليمي المتردي جدا إلى المرحلة الثانوية؟ أين الخلل في هذا الحال المؤسف؟ هل الخلل في المناهج الدراسية، أم في التقييم المستمر، أم في الاختبارات والامتحانات، أم في إدارات التعليم، أم في إدارات المدارس، أم في الهيئات التعليمية، أم في أسر أولئك الطلبة، أم في الطلبة أنفسهم، أم في جميع من ذكر آنفا؟

أين وزارة التربية والتعليم عن هذه البلية التعليمية الكبرى؟ كيف سمحت لحدوث هذا الخلل الكبير الذي لا يمكن تجاوزه في كل الأحوال؟ والمصيبة أن درجات أولئك الطلبة في الأعمال الشهرية وفي امتحانات منتصف الفصل الأول لا تكشف أميتهم، على رغم الحال الذي هم فيه من الأمّية، مازالوا يحصلون على الدرجات التي تؤهلهم للنجاح ومواصلة الانتقال إلى مرحلة أخرى، نحن على يقين لا يداخله الشك، ولو بنسبة واحد في المئة أن الوزارة على دراية كاملة بهذا الحال المزري الذي تعيشه فئة من الطلبة في المراحل الدراسية الثلاث (الإبتدائية والإعدادية والثانوية)، إذا حاولنا تحميل المعلم في المرحلة الابتدائية المسئولية يقول لنا إنه لم ينجح مثل هؤلاء الطلبة إلا بأمر من إدارة المدرسة.

فالمعلم المخلص والوفي لمهنة التعليم ولوطنه لا يقبل في كل الأحوال أن يدوس على ضميره، ويقوم بتنجيح طلبة وهو يعلم أضرار هذه الخطوة على مستقبلهم ومستقبل الوطن. وأما المعلم الذي يقدم مصلحته الشخصية على مصلحة الوطن، فتراه يعطي ضميره إجازة طويلة، فيقوم بكل بساطة بتلبية ما تريده إدارته في هذا الشأن، لأنه ينظر إلى التعليم من زاوية واحدة، ألا وهي الزاوية المادية البعيدة عن كل الزوايا الوطنية. ولو سألنا الإدارات المدرسية التي تطلب من معلميها استخدام الرافعات الآلية للطلبة الراسبين، ستراها تنفي أنها قد طلبت من معلميها رفع نسبة النجاح، أو أنها تقر بأنها قد طلبت من معلميها الذين نسب النجاح لديهم متدنية جدا القيام بهذه الخطوة؛ لأن الوزارة لا تقبل النتائج الحقيقية في كل الأحوال.

لا أحد يستطيع أن يقول أن أمّية بعض الطلبة قد نشأت في المرحلة الثانوية، لأنه لو قيل هذا الكلام فسيكون مضحكا، فأمّيتهم جاءت من مجموعة كبيرة من التراكمات الخاطئة، التي كانت تمارس في المرحلتين الابتدائية والإعدادية، والخطأ الذي يمارس في المرحلة الثانوية أنها واصلت العمل بالنهج الخاطئ نفسه، الذي جعلهم ينتقلون من مرحلة دراسية إلى أخرى من دون تعب أو جهد. لا يمكننا أن نقول أن الوزارة لا تعلم عن الممارسات الخاطئة التي تمارس في بعض المدارس، التي من ضمنها ترفيع نسبة النجاح بالرافعات الآلية، لأننا لو قلنا أنها لا تعلم عنها، نكون قد تجنينا عليها والعياذ بالله، وسيطرح سؤال على ألسن المتابعين للشأن التعليمي في البلد؛ كيف لا تعلم عن مثل هذه المصيبة التعليمية الكبرى؟ فإن قلنا إنها تعلم عنها، ولكنها تغاضت أو تجاهلت أو تغافلت عنها، ونقصد رفع نسبة النجاح باستخدام الرافعات الآلية، فتكون المصيبة أعظم!

المهم في هذا الموضوع أن التساهل في معالجة هذا الحال المؤسف يؤدي في نهاية المطاف إلى تردي التعليم، وجعله غير قادر على النهوض بالوطن في مختلف المجالات الأكاديمية والمهنية، فلهذا نأمل أن يتغير عاجلا غير آجل هذا الحال غير السار، وتبدأ الجهات المعنية بجودة التعليم ومستقبل الوطن بإجراء دراسة وافية ومعمقة، يشارك في إعدادها جهات تربوية ومهنية وحقوقية وقانونية متخصصة، لكي تعطي النتائج والحلول الحقيقية التي تنقذ التعليم من مثل هذه الممارسات الخاطئة، التي ساهمت بصورة مباشرة في إيجاد الأمية المبطنة في أوساط طلبة المرحلة الثانوية.

لابد من مشاركة أطراف مجتمعية تمتلك رؤى واضحة في تطوير التعليم في البلد وتنميته، للعمل على تأسيس قاعدة تربوية وتعليمية متينة تتواءم مع متطلبات سوق العمل، لكي ترتقي بالتعليم وتوصله إلى مستويات عالية، وهذا لا يتم إلا إذا ما وجدت الإرادة الجادة في التغيير الإيجابي في التعليم. لا أحد ينكر أن الوطن يمتلك طاقات بحرينية كبيرة، قادرة على تحمل المسئولية كاملة في التعامل مع التعليم بمبدأي المواطنة المتساوية والشفافية، بعيدا عن كل المؤثرات الايديولوجية والنفسية.

فالكل يعلم أن التعليم لا ينهض ويرتقي بالتمييز والمحاباة وإقصاء الكفاءات والخبرات الوطنية، فالدول التي ارتقت وتطورت وملأت الدنيا بالابتكارات الرائعة والصناعات الثقيلة والخفيفة وبالإلكترونيات والتقنيات المذهلة، لم تكن تصل إلى هذه المستويات العالية، إلا بعد أن جعلت التعليم في مقدمة أولوياتها الوطنية، ولم تلتفت في تعاملها مع التعليم إلا إلى تنمية قدرات ومهارات وإمكانات المتعلم بأحدث الوسائل والطرق، وخلق أجيال متعلمة وواعية وقادرة على التنافس الحقيقي في المجالات العلمية والطبية والتكنولوجية وغيرها من المجالات المهمة. وقد ثبت للدول المتقدمة علميا أن التعليم إذا ما صلح صلح كل شيء في البلد، وعلمت أيضا أن طريق الإصلاح في مجال التعليم أقصر وأوفر للوطن بكثير من كل الطرق غير الصالحة.

لا يختلف أحد في أن التعامل الصادق والإيجابي مع التعليم يفتح للوطن آفاقا واسعة في كل المجالات، ويجعله الملجأ الأول والأخير لكل من لديه القدرة والرغبة في تطوير نفسه وبلده، كل أملنا أن نرى قريبا استراتيجية واضحة للتعليم في بلدنا الحبيب، التي تجعله في المقدمة على كل المستويات: الإقليمية والعربية والعالمية، ويكون سبيلا لكل مجتهد مخلص في هذا البلد الطيب، وما نأمله للتعليم ولوطننا الغالي ممكن جدا تحقيقه وليس صعبا أو مستحيلا، إذا ما وجدت كل الأسباب الإيجابية التي تسهم بصورة مباشرة في تحقيق كل طموحات الوطن، وإذا ما أزيحت كل المنغصات والمعوقات والمعطلات التي تعمل جاهدة على إبقاء التعليم عليلا مثقلا بكثرة الأخطاء والإخفاقات، التي تجعله غير قادر على النهوض بالوطن.

إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"

العدد 5251 - السبت 21 يناير 2017م الموافق 23 ربيع الثاني 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 11 | 4:26 م

      أحد أسباب فشل الكثير من الطلبة هو الإعتماد على الحفظ بشكل أساسي. الطالب لا يسمح له بالنقاش والإبتكار كما يتاح له في الدول المتقدمة.

    • زائر 9 | 5:14 ص

      كل الشكر للتربوي الفاضل الأستاذ سلمان سالم على هذا الطرح.
      يوجد مشروع التعليم المهني، بإمكان الوزارة تطويره، خصوصا اذا تم اكتشاف هذه العينات من المرحلة الابتدائية.

    • زائر 8 | 4:44 ص

      التعليم في تردي وتراجع بشكل واضح عندما تسأل الطالب الثانوي عن جدول الضرب او عن طرح وجمع او عن موقع دولة عربية في الخارطة لا يعرف تجد ان التعليم القديم افضل مليون مره من استراتيجيات التعليم الحالية التي مجرد تجميل لشيء قبيح

    • زائر 7 | 1:22 ص

      ماذا تعني ترفيع نسبة النجاح بالرافعات الآلية؟ ؟؟!!!

    • زائر 5 | 11:52 م

      تأكد يا أستاذي الفاضل

      بأن هناك أحدهم من العفنين طالبي المجد بالقوة ، قد حضر ورقة وقلماً ليبعثر عليها حقداً دفيناً يكنه لك ولكل من ينطق بالحق ،كلمات مرسلة لا تغني ولا تسمن من جوع .. لكن فقط لأنك انت من تكتب ، فهو يرد رغم قناعته التامة بأنه غير محق لكنه عفن متمجد. لك كل التحيات والتقدير

    • زائر 4 | 11:41 م

      هناك عملية تزوير كبرى تمارس بحق التعليم في الوطن بإشراف كبار في وزارة التربية و خضوع صغار يأمرون بأمره. التنجيم الآلي أحد مفرداته.

    • زائر 3 | 10:09 م

      " يمكننا أن نقول أن الوزارة لا تعلم عن الممارسات الخاطئة التي تمارس في كل المدارس، التي من ضمنها ترفيع نسبة النجاح بالرافعات الآلية " هذا يعني أن التزييف و التزوير تحت إشراف الوزارة ، ما دام تحت سمعها و بصرها .

    • زائر 2 | 10:04 م

      وأسفاه على التعليم ثم وأسفاه!!!، لقد نكأتَ القرحةَ يا أستاذ سلمان.
      سؤل أحد رؤساء الحكومة اليابانية عن سر نهضة اليابان بعد دمار الحرب العالمية فقال: أعطينا المعلم كل ما يحتاجه من اهتمام لأنه يبني كل بناة الوطن فنهضنا ونافسنا أكبر الاقتصادات العالمية.
      فهل من واع.

    • زائر 1 | 10:04 م

      ها أنت قد وضعت يدك على الجرح الغائر في مأساة التعليم في الوطن ، و البلية الكبرى هي دراية الوزارة بعمل الرافعات الآلية في امتحانات كل المراحل التعليمية ، و الغريب هو صمتها عن كل صوت فاضح لهذا الواقع ، و صب جام عقابها على من يقف ضد تيار التزوير الدافق ، و الأغرب تبجحها بنسب النجاح و معدلات التحصيل عبر قراءة احصائيات و معدلات ورقية هي في أصلها قد طالها التحريف و التزييف ، ولا مصداقية فيها ، يا للتعليم من حماقات القائمين عليه !!!!!!

اقرأ ايضاً