العدد 5254 - الثلثاء 24 يناير 2017م الموافق 26 ربيع الثاني 1438هـ

مستقبل الحوسبة السحابية في البحرين

تيريزا كارلسون

رئيس قسم القطاع العام العالمي في شركة أمازون لخدمات الإنترنت

على مدى السنوات الإحدى عشرة الماضية، شهدنا نمواً هائلاً في الحوسبة السحابية في مختلف أنحاء العالم. ولم تستثن هذه التكنولوجيا أحداً حيث اعتمدتها الشركات الناشئة سريعة النمو، مثل Airbnb وRovio وYelp، إلى جانب الشركات والمؤسسات الكبرى مثل «إتش إس بي سي» و «لامبورغيني» و «بي أم دبليو» وصولاً إلى الحكومات والمؤسسات التعليمية وغير الربحية، مثل الأمم المتحدة، وهيئة النقل البري في سنغافورة ووكالة ناسا.

ولا يقتصر التوجه المتسارع لاعتماد التقنيات السحابية على البلدان الأخرى، إذ إن العديد من الفرص الواعدة تتوافر أيضاً لرواد الأعمال وأصحاب الشركات الناشئة في الشرق الأوسط وهنا في البحرين على وجه التحديد، والفضل في ذلك يعود بلا شكّ إلى السحابة.

سافرت إلى البحرين في مارس/ آذار 2015 وكان لي شرف لقاء صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة في قصر الرفاع وقد شدّد صاحب السمو الملكي خلال حوارنا على جهود البحرين لتوفير بنية تحتية متطورة لقطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والذي حظي بدعم كبير من خلال وضع السياسات التنظيمية التي تعكس التزام المملكة بمهمة تطوير التكنولوجيا.

وعلى رغم هذا التفكير المنفتح والنمو والتبني السريع للحوسبة السحابية، فنحن لانزال في بداية الرحلة ولايزال هناك الكثير من العمل يمكن إنجازه أو كما نقول في «أمازون»: «مازلنا في يومنا الأول». فما رأيناه من ابتكارات السحابة هو غيض من فيض لما يمكن لهذه التقنية أن توفره للشركات في البحرين وحول العالم. لنلقِ نظرة على عدد من الابتكارات التي نشهدها الآن بفضل السحابة وتلك التي يمكن أن تظهر في الشرق الأوسط خلال السنوات القليلة المقبلة.

فإذا ما نظرنا إلى الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية على سبيل المثال، نجد أن السحابة قد غيّرت طريقة تفاعلنا مع الأجهزة المتحركة. في الماضي، كنا نقوم بنقل المحتوى إلى الجهاز، أما اليوم، فأصبحت الأجهزة نافذة على المحتوى والخدمات التي تحتضنها السحابة. كما تخطت هذه الظاهرة الهواتف المتحركة لتشمل الأجهزة غير المتنقلة، مثل أجهزة التلفاز الذكية والسيارات والتي باتت هي الأخرى ترتبط بالسحابة. وهذا يعني أننا لم نعد بحاجة إلى حمل محتوانا أينما ذهبنا، فبفضل السحابة صار المحتوى يتتبعنا في كل مكان وبتنا نجده على أي شاشة استخدمنا.

ولا تقتصر مهمة الأجهزة المتصلة بالسحابة على احتضان المحتوى الخاص بنا، ولكنها تزودنا أيضاً بالتطبيقات التي تسهل وتحسن مستوى حياتنا اليومية. خذ على سبيل المثال تطبيقات « Hive Active Heating» أو Nest connected thermostats أو غيرها من تطبيقات التحكم بالأجهزة في المنزل والتي تم تطويرها من قبل شركات الطاقة ليتمكن المستخدمون من التحكم بالتدفئة والإضاءة والبيئة المنزلية باستخدام هواتفهم الذكية. كما بتنا نشهد استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في تطبيقات المنزل الذكي، حيث يمكن للناس استخدام صوتهم، من خلال أجهزة مثل جهاز أمازون إيكو، للتحكم ببيئتهم المنزلية بأكملها من خلال التحدث إلى الجهاز. كل ذلك لم يكن ليتحقق دون السحابة وقدراتها على الاتصال. فمن خلال تفريغ الطاقة الحوسبية في قدرة لامتناهية توفرها البنية التحتية السحابية، تمكن هذه الأجهزة المتصلة المستخدمين من القيام ببعض الأمور المدهشة وهنا يمكن للابتكار أن يكبر وينمو ويفتح الآفاق للمزيد من التطور والإبداع. وقد بدأنا بالفعل نرى هذه التكنولوجيات ترسخ بصمتها في الولايات المتحدة، وحول العالم، وما هي سوى مسألة وقت حتى نرى هذه التقنيات الرائعة في البحرين والشرق الأوسط.

ومن ناحية أخرى بدأنا نشهد لمسات السحابة خارج جدران المنزل، حيث أخذت الأخيرة تؤثر على كافة مجريات حياتنا اليومية ولاسيما في المدن الذكية، التي رآها الجميع واعدة منذ إنشائها قبل سنين عديدة، إلا أنها بدأت لتوّها تؤتي ثمارها ويرجع ذلك إلى توافر الاتصال بالشبكات والتطبيقات القريبة من قاعدة البيانات (backend storage) والبنية التحتية الحوسبية اللازمة على السحابة، مما ساهم في إطلاق العنان لقدرات هذه العناصر على أتم وجه.

وإضافة إلى أن بعض جوانب المدن الذكية قد أصبحت حقيقة واقعة اليوم، بدأنا نشهد أيضاً ظهور ما يسمى المدن الجماعية حيث يتعاون المطورون المستقلون والمواطنون في إنشاء التطبيقات وتبادل المعلومات وقد تشكل هذه الظاهرة سراً من أسرار النجاح لبناء مدن أكثر إنتاجاً وفعالية وذكاءً في المستقبل.

ومن أبرز الأمثلة على هذه الابتكارات التي ولّدتها السحابة مدينة شيكاغو في الولايات المتحدة الأميركية والتي تعد من أولى المدن التي تعتمد أجهزة الاستشعار في جميع أنحاء المدينة لقياس جودة الهواء وقوة الضوء ومستوى الضجيج والحرارة وهطول الأمطار والرياح وحركة المرور بشكل دائم. وتتدفق البيانات التي تلتقطها هذه المجسات إلى السحابة، حيث يتم تحليلها لإيجاد سبل تُحسّن حياة المواطنين. وتتاح مجموعات البيانات التي تم جمعها من «سلسلة الأجهزة المتصلة» لكافة المواطنين على السحابة ليتمكن الباحثون والمطورون ورجال الأعمال من إيجاد طرق مبتكرة لتحليل هذه البيانات. ونحن نرى إمكانات كبيرة لهذا النوع من تطبيقات التكنولوجيا في البحرين أيضاً. فالحكومة البحرينية تعد واحدة من الحكومات الأكثر طموحاً وانفتاحاً في الشرق الأوسط والعالم. ونحن نشعر بوجود إمكانات كبيرة للمبادرات التي تم إطلاقها هنا مثل خدمات الحكومة الإلكترونية، حيث يتم توفير المزيد من الخدمات للمواطن عبر التطبيقات المتحركة المتصلة بالإنترنت. ويمثل العمل الذي تقوم به هيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية في البحرين وجهودها لإتاحة كافة الخدمات الحكومية عبر الإنترنت، مثالاً رائعاً على ذلك.

وعلى رغم كل الابتكارات المدهشة التي شهدناها بالفعل على مدى السنوات الإحدى عشرة الماضية، فنحن مازلنا في اليوم الأول. وانطلاقاً من العام 2017 وعلى مدى السنوات المقبلة ستمكّن السحابة ظهور الكثير من الابتكارات المثيرة التي ستؤثر على مختلف نواحي حياتنا، في البحرين وحول العالم.

إقرأ أيضا لـ "تيريزا كارلسون"

العدد 5254 - الثلثاء 24 يناير 2017م الموافق 26 ربيع الثاني 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً