العدد 5258 - السبت 28 يناير 2017م الموافق 29 ربيع الثاني 1438هـ

تصفية تركة أوباما

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

حين تتابع نهاية الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، تشعر بأنه قد يكون أسوأ رئيس أميركي، حيث يجرى محو آثاره بسرعةٍ صاروخية، فيما يشبه عملية تصفية محمومة لميراثه الرئاسي.

قبل عشرة أشهر من مغادرته البيت الأبيض، نشرت مقابلة مطولة مع أوباما، لتقديم ما عُرف بـ «مبدأ أوباما»، وهو ما أراد أن يخلّد اسمه في التاريخ الأميركي باستعراض ما يعتبره إنجازات كبرى لعهده. لكن لسوء حظه أن هذه «الانجازات» السياسية لم يسلّم له بها الكثير من الأميركيين، الذين اختاروا رجلاً متهوراً خطيراً كدونالد ترامب، بدل المرشحة هيلاري كلينتون التي دعمها أوباما (وزيرة خارجيته السابقة)، ودعا الأميركيين إلى التصويت لها، لكنهم صوّتوا إلى ترامب.

خلال الأسبوع الأول من تنصيبه، توالت القرارات التي اتخذها ترامب لتصفية آثار وسياسات أوباما، بسرعة كبيرة، آخرها منع مواطني خمس دول عربية بالإضافة إلى إيران، من الحصول على تأشيرة، فضلاً عن عدم منح اللاجئين السوريين حق اللجوء. وهي قرارات كانت متوقعةً منذ البداية، كما هو متوقعٌ أيضاً قرارات أخرى أكبر وأخطر، ستنال دولاً عربية وإسلامية أخرى هدّد بفرض الجزية عليها لابتزازها.

تباشير عملية تصفية إرث وسياسات أوباما لاحت منذ إلقاء ترامب خطاب التنصيب، حيث بدا أوباما مثل تلميذٍ يتلقى تقريعاً وتوبيخاً فظّاً من معلّمه، دون أن تتاح له فرصة للردّ أو الصدّ. كان يدرك أنها الساعة الأخيرة له في البيت الأبيض، وأنه سينصرف إلى بيته بعدها، كأي مواطن عادي، بعد أن أدى خدمته وتلقّى عليها الأجرة المعهودة، ما عدا ما توفّره له الدولة من حماية وضمانات أمنية.

أوباما بدأ عهده بمفارقة تاريخية ساخرة، حين مُنحت له جائزة نوبل للسلام، وقبل أن يشرع في تنفيذ سياسته، لا لإنجازٍ أو نجاح، وإنّما لمجرد شعارات وكلام معسول أطلقهما في الهواء. لقد كوفئ مجاناً بجائزةٍ دوليةٍ على ما ساقه من وهم ووعود لم يتحقق منها شيء حتى الآن. كانت أشبه بمن يعِدُ باصطياد السمك في البحر، فكيف لو كان بحراً هائجاً مثل منطقة الشرق الأوسط. لذلك سرعان ما تبخّرت وعوده سريعاً، بعد اصطدامه بالواقع.

في بداية مجيئه، كنا من المتفائلين بأن يُحدِث تغييراً إيجابيّاً لصالح المنطقة وشعوبها التي عانت جرّاء تعنّت السياسات الأميركية وعدوانيتها لعقود طويلة. أما اليوم، فنحن نقيمه بما فعله بمنطقتنا، وما ألحقه من معاناة ومصاعب بشعوبها. وفي جردة حسابٍ مختصرة، وبعدما سحب جنوده من حربي العراق وأفغانستان، إلا أنه لعب دوراً سيئاً جدّاً، في انتشار رقعة الصراعات والحروب القذرة التي يجرى إغراق المنطقة في مستنقعها، وتفتيت دولها وتمزيق شعوبها. حتى في قضية فلسطين فشل في تحقيق أي اختراق، طوال ثمانية أعوام، فبقيت كما قال الشاعر:

دار ابن لقمان على حالها

والقيد باقٍ والطواشي صبيح!

في تاريخنا الحديث، كانت الشعوب العربية تشيّع الرؤساء الأميركيين بالكثير من الكراهية والقليل من الودِّ، فيما تودّعهم الأنظمة الحليفة بالحزن وتمنياتها لهم طول البقاء... أما أوباما، فينفرد بينهم بأنه حظِي بكراهية الأنظمة والشعوب معاً وبالإجماع.

حين يجلس أوباما إلى نفسه بعد أن غادر البيت الأبيض وعالم الأضواء الرئاسية، ربما يجتاحه شعورٌ بالتعاسة وهو يرى ميراثه السياسي يُنتقض بنداً بنداً، بدءًا بإسقاط مشروعه للرعاية الصحية (أوباما كير)، وانتهاءً بالتهديد بهدم أكبر إنجاز له في السياسة الخارجية: «الاتفاق النووي الإيراني»، فماذا سيتبقى له من ذكرى في التاريخ؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 5258 - السبت 28 يناير 2017م الموافق 29 ربيع الثاني 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 3:07 ص

      يا زائر 5
      ما شاء الله
      والله ما درينا عنك ولا سمعنا باسمك

    • زائر 5 | 1:02 ص

      كان بإمكانكم أن تسمعوا كلامي و لكنكم أبيتم، تعليقاتي كلها موجودة على الوسط و يمكن لكم الرجوع اليها:
      * قلت لكم أن الإتفاق النووي الإيراني أرخص من الورق المطبوع عليه، ضحكتم و قلتم أنني أخرف و أن ايران ستصبح القوة الإقليمية العظمى.
      * قلت لكم أن تدخل روسيا في سورية هو فخ أمريكي محترم لإيران، و ها هو الآن يتحقق أمامكم ... اليوم كتاب الممانعجية يشنون هجوما متوسط الحدة (قابل للإزدياد) على الدور الإمبريالي لروسيا في سورية.
      باختصار أوباما سينساه التاريخ و لن يتذكر عنه إلا أنه كان رئيس رخمة مثل كارتر.

    • زائر 9 زائر 5 | 2:28 ص

      من انت؟ والله ما سمعنا عنك ولا قرانا لك. لا يكون هيكل او عبد الباري،عطوان واحنه ما ندري.

    • زائر 14 زائر 9 | 2:19 م

      ومين هؤلاء الاثنين ؟
      لايكون تتكلم عن مصطفي أمين أو يوسف السباعي !

    • زائر 3 | 9:54 م

      $$$

      المسيحيين لم يسيئوا إلى الإسلام ولا اليهود ولا الهندوس ولا البوذيين ، من أساء إلى الإسلام هم دعاة الفتنه والطائفيه ومجاهدي النكاح وقاطعي الرؤوس والمتدثرين بالمفخخات وسيارات الموت ، من أساء إلى الإسلام هم من يدعون أنهم أكثر حرصا عليه وهم كاذبون.

اقرأ ايضاً