العدد 5259 - الأحد 29 يناير 2017م الموافق 01 جمادى الأولى 1438هـ

دولة الشاه في خدمة الثورة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لقد تحدثنا في الحلقة الماضية عن شخصية الجنرال حسين فردوست ودوره المزدوج أيام الشاه محمد رضا بهلوي والإمام الخميني. ثم المسائل المرتبطة بالصفقة السرية التي تمّت ما بين قيادات جهاز السافاك والحكم الثوري الجديد الذي قاده الإسلاميون بعد الحادي عشر من فبراير/ شباط 1979.

وختمنا الحديث بالحديث عن دور فردوست في المعركة التي دارت مع القوى الشيوعية في إيران. لقد كانت إدارة الحرب الأهلية بعد الثورة بين الإسلاميين ومنظمة خلق فعالة جداً لصالح الإسلاميين، والفضل كما يبدو يرجع في ذلك إلى الجنرال فردوست الذي كان يملك معلومات خاصة عن اليسار.

وربما كانت بقية العمليات الأمنية الناجحة التي قام بها الحكم الثوري الجديد دليلا على توافر معلومات متراكمة ومتوالية عن الأهداف الاستخباراتية المرصودة وبشكل دقيق. ولا يمكن أن يتوافر ذلك إلاّ من خلال جهاز أمني متماسك كان يملك ما يكفي كي يحقق تلك النجاحات، وإلاّ كيف نُفسِّر قدرة جهاز الاستخبارات الذي أسسه الحكم على الوقوف على قضايا سياسية وجنائية حصلت أيام حكم الشاه، كقضية الشمس آبادي وقنبر علي صفر زادة وغيرها من القضايا، بل وحتى أسماء العملاء السريين ومع مَنْ كانوا يتواصلون كما في حالة مير لوحي ورضوي.

اليوم سنتحدث عن شكل وطبيعة عمل جهاز السافاك الذي أسّسه الشاه محمد رضا بهلوي بعد حركة التأميم في خمسينيات القرن الماضي. فقد أُسِّسَ جهاز السافاك وفقاً لأدبيات استخباراتية رباعية: أميركية وبريطانية وإسرائيلية وفرنسية. ولأن تلك الفترة كانت المعركة مع الشيوعية فقد نُشِّئ السافاك أولاً على مكافحة المدّ الأحمر الذي كان قوياً في إيران. وهو تصوّر تبناه كثير من المحللين والكتاب.

كانت الدورات التي أعطِيَت لهم أنكم «أصفياء» لذلك يتوجّب عليكم الابتعاد عن الحياة الاجتماعية العادية بل العيش في مجتمع مُصغَّر، وكلما تناهى في الصغر كان أفضل. وخلال تعاقب رؤسائه الثلاثة: تيمور بختيار (1957 - 1961) وحسن بكراوان (1961 - 1965) ونعمة الله نصيري (1965 - 1978) وناصر مقدم (1978 - 1979) كان الجهاز يترسّخ ويزداد شراسة.

لم يكن عمل هذا الجهاز مقتصراً على الداخل السياسي والعسكري والأمني والاقتصادي فقط، بل كانت لديه أنشطة تجسس خارجية شملت دولا كثيرة من بينها 10 دول عربية. وللعلم فإن السافاك قدَّم للأميركيين معلومة استخباراتية عن احتمالية غزو السوفييت أفغانستان قبل وقوعه بـ 13 شهراً، أي في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1978 قبل أن تصلهم.

في لحظة ما اكتشف السافاك مجموعة من الضباط الإيرانيين، الذين يُحتَمَل أن يكونوا قد أجروا اتصالات مع الصينيين، كما يذكر إحسان نراغي الذي أعلِمَ بذلك عندما سُجِن مع كوادر من النظام البهلوي بعد الثورة. كان هذا الجهاز مهووساً جداً بشيء اسمه الشيوعية، وكان أزيد ما كان يخشاه هو أنشطة الـ كي جي بي السوفيتية؛ كونها كانت الأكثر تنظيماً وتعقيداً من أي جهاز آخر.

والحقيقة أن كلّ مَنْ درس تجربة السافاك أدرك مدى التدريب الموغل في «الشَّكِّيّة» الذي تدربوا عليه. لقد كان منتسبوه يُحوِّلون كل شيء إلى خيالهم الأمني المتأسّس على الريبة من الآخر، وبالتالي يصبح كل شيء في الحياة له تفسير استخباراتي، حتى ولو كان الأمر متعلقا بقريب أو صديق أو حليف.

خلال تلك الفترة، كانت الموازنة التي يرصدها الشاه لجهاز السافاك تصل إلى مليار دولار سنوياً. وهو مبلغ كبير جداً مقارنة مع تلك الفترة. وكانت تلك الموازنات الضخمة تسمح له بأن يعمل بحرية أكبر في عمليات التجنيد واستجلاب أحدث وسائل التجسس ومكافحته فضلاً عن التدريب.

كان ذلك الجهاز بكل ما يملك من قدرات وعلاقات ممتدة في الداخل والخارج قد منح كل تلك القدرات للحكم الثوري الجديد، ما مكّنه من إدارة شئونه بشكل مُحكم جداً. وهو أمر انسحب على غيره من القطاعات الأخرى، ومن بينها الجيش الذي كان قد تدرّب على أحدث أساليب القتال.

بعد مؤامرة نوجي أصدر الإمام الخميني عفواً عن مئات الطيارين الإيرانيين، طالباً منهم الذهاب إلى الجبهة لصد تقدم الجيش العراقي في المناطق الجنوبية الغربية. وربما تفاجأت القيادة العراقية من ردة الفعل الإيرانية المباشرة بعد قيام 140 طائرة إف 5 بضرب نقاط تمركز استراتيجية للجيش العراقي، مهّدت الطريق للهجوم المضاد على خرمشهر في مارس/ اذار وابريل/ نيسان1982، كما يذكر نراغي.

وربما تعيد تجربة الجنرال حسين فردوست تجارب الكثير من الضباط الإيرانيين الذي انتقل ولاؤهم من الحقبة الشاهنشاهية إلى الخمينية، كالجنرال محمد سليمي الذي كان ضابطاً في الجيش الإيراني منذ الخمسينيات، وبعد الثورة تحول إلى حلقة اتصال بين الجيش والحكام الجدد، ثم أصبح رئيساً للمكتب الاستشاري للخميني ورئيساً لهيئة الحروب غير المنظمة، ثم قائداً للجيش حتى العام 2005. وعندما توفي العام الماضي وُضِعَت لجنازته مراسم رسمية.

تعيد إلينا هذه التجارب في الحقبتين الشاهنشاهية والخمينية مزيداً من الفهم للذهنية الإيرانية السياسية والقومية وفي تعاطيها مع الحوادث، وإبداء الموقف تجاه الدولة القائمة وطبيعة اللاوعي الجمعي الإيراني بكل ما فيه من صور ورموز. وهي أمور يمكن إسقاطها على الكثير من الحوادث التي جرت.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 5259 - الأحد 29 يناير 2017م الموافق 01 جمادى الأولى 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً