أشار الاكاديمي إبراهيم عبدالعزيز البعيز، في ورقته «دول الخليج والجاهزية لمجتمع المعلوماتية» التي قدمها في المنتدى السابع والثلاثين للتنمية الخليجية أمس الجمعة (3 فبراير/ شباط 2017)، الى أن «وضع الحريات العامة (المدنية أو الإعلامية) في دول الخليج قد انعكس على فرص المشاركة الالكترونية بأبعادها الثلاثة (الوصول الى المعلومات، والمشاركة بالرأي، والمشاركة في القرار)».
وأفاد في مستهل ورقته «يفترض ان نتعامل مع التقنية بجانبيها المادي والمعرفي على انها وسيلة وليست غاية بحد ذاتها، وتقنيات المعلومات والاتصال لا تستثنى من ذلك، فقيمتها ومبررات الاستثمار فيها واستخدامها تكمن في المخرجات الناتجة عنها، وفي الآثار التنموية المأمولة منها على كل المحاور والابعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية».
وأردف «يقوم مقياس جاهزية شبكة الاتصالات والمعلومات (NRI) في احد محاوره على 7 مؤشرات عن الآثار المأمولة للتقنية، 4 منها لقياس الآثار الاقتصادية: مدى الاستفادة منها لتطوير خدمات ومنتجات ونماذج تنظيمية جديدة، ونسبة الوظائف ذات الكثافة المعرفية، وعدد طلبات براءات الاختراع في مجال تقنيات المعلومات والاتصال، هناك مستويات متقدمة لكل من الامارات وقطر للاستفادة من التقنيات لتطوير نماذج وأساليب جديدة للعمل وفي بناء هياكل تنظيمية جديدة، والمتوسط العام لدول الخليجي ارفع بقليل عن المتوسط العالمي على هذين المحورين، وترتيب اربع من دول الخليج يضمن افضل 25 في المئة من دول العالم، لكن أداءها لم يكن على نفس المستوى في مؤشرات طلبات براءات الاختراع ونسبة القوى العاملة في أنشطة معرفية».
وأردف «اما الاثار الاجتماعية فتم قياسها بثلاثة مؤشرات، تتعلق بالحصول على الخدمات الأساسية، ووصول الانترنت الى المدارس وزيادة الكفاءة في الأداء الحكومي، وهنا يتضح تبيان واضح بين دول الخليج، ففي الوقت الذي تحتل فيه الامارات المركز الأول على مؤشري «تأثير التقنيات للحصول على الخدمات الأساسية» و»استخدام التقنيات لزيادة كفاءة الأداء الحكومي»، يأتي أداء الكويت متأخرا عن متوسط أداء دول الخليج وكذلك متوسط الأداء على مستوى العالم».
وأكمل «تناول مقياس تطور الحكومة الالكترونية (EGDI) الاثار لاستخدام تقنيات المعلومات والاتصال على محورين، الأول عن جودة الخدمات الالكترونية، والثانية عن المشاركة الالكترونية، تم قياس جودة الخدمات الالكترونية بإشراف خبراء من الأمم المتحدة مع باحثين وبالتعاون مع متطوعين من 60 دولة وذلك بتقييم المواقع الالكترونية الحكومية وشملت البوابة الوطنية لكل دولة والتي تشمل روابط للخدمات الالكترونية المتاحة، وروابط للمشاركة الالكترونية بالإضافة الى مواقع وزارات وجهات خدمية في مجالات التعليم، والعمل، والخدمات الاجتماعية، والصحة، والمالية، والبيئة. تم تقييم جودة المواقع والخدمات الالكترونية ليس فقط من جانب توفرها، بل أيضا من حيث سهولة تعامل المواطن العادي معها وفهمها وسرعة الوصول الى روابط الخدمات المتاحة عليها. ينتهي المقياس بتصنيف الدول على اربع مجموعات: عالية جدا، عالية، متوسطة، منخفضة من حيث مدى جودة الخدمات الالكترونية فيها».
وأفاد البعيز «يتضح ان جودة الخدمة الالكترونية في دول الخليج على مقياس تطور الحكومة الالكترونية جيدة، وبالمقارنة مع متوسط الأداء لدول في مناطق العالم المختلفة، جاء متوسط أداء دول الخليج الأعلى، كما ان مؤشر جودة الخدمات الالكترونية في الامارات والبحرين فاق متوسط الدول الأوروبية، وتم تصنيف الامارات والبحرين ضمن الدول ذات المستوى العالي جدا». وتابع «تشير التجارب السابقة للدول النامية، ودول الخليج لا تستثنى من ذلك، الى عدم نجاحها في الاستثمار والاستفادة من التقنيات المعرفية (التعليمية والإعلامية) لتحقيق اهداف تنموية، حيث يبدو أحيانا ان استيراد بعض التقنيات لم يكن ضمن رؤية او لتحقيق اهداف استراتيجية، بقدر ما يكون استخدامها كمؤشر على التنمية والتقدم اكثر من كونها وسائل تنموية».
وواصل «فالتقنية، خاصة الجانب المعرفي لها، لا تعمل في فراغ، فثمارها ومخرجاتها تتأثر بالبيئة الثقافية بكل ابعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لذا هناك جملة من المتطلبات التي يجب الوفاء بها قبل البدء في نسج خيوط الامل والتفاؤل بمقدمها، وهناك عدد من التحديات التي يفترض التعامل معها لتتوفر البيئة المعززة لاستثمار تقنيات المعلومات والاتصال لأهداف تنموية، وتتمثل في جملة من الإصلاحات في السلطات التشريعية، والتنفيذية والقضائية».
وأوضح «يشير تقرير المنتدى الاقتصادي الدولي، ان أداء دول الخليج على مؤشرات البيئة لتقنيات المعلومات والاتصال (البيئة التنظيمية والتشريعية، وبيئة الاعمال والابتكار) اقل من أداء افضل ست دول/ اقتصاديات في العالم (سنغافورة، نيوزيلندا، وفنلندا، والمملكة المتحدة وهونج كونج، والنرويج) وخاص على مؤشرات البيئة التشريعية والتنظيمية والمتعلقة بمدى فعاليتها، وسن القوانين المتعلقة بتقنيات المعلومات والاتصال، واستقلال القضاء، وكفاءته في تسوية النزاعات، ومرونته في إتاحته الفرصة للاعتراض على الأنظمة والتشريعات، وكذلك التنظيمات والإجراءات المتعلقة بحماية الملكية الفكرية، وعدد الإجراءات والمدة لتنفيذ العقود».
وشدد البعيز «لا تقتصر الاثار المأمولة لتقنيات المعلومات والاتصال على العمليات الإجرائية في الجوانب الخدمية، او تطبيقاتها التعليمية والإدارية والمالية بل تتجاوز ذلك الى جوانب من تعزيز قيم المشاركة في صنع القرار بكافة محاوره السياسية والاقتصادية والاجتماعية». وواصل «ولأهمية هذا البعد، جاء مقياس تطور الحكومة الالكترونية (EGDI) من إدارة الشئون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة متضمنا مؤشرات للمشاركة الالكترونية، وتصنف على ثلاثة جوانب من المشاركة المتاحة للمواطنين من خلال شبكة الانترنت، الأول: تمكين المواطنين من الحصول على المعلومات العامة (e-information sharing)، والثاني: تسهيل تفاعل المواطنين مع الحكومة بالرأي والمشورة (e-consultation)، والثالث: تسهيل مشاركة المواطنين في صناعة القرار (e-decision-making). ويعتمد قياس المشاركة الالكترونية على مجموعة من المؤشرات ومنها: توافر مصادر المعلومات ارشيفية عن الميزانيات والتشريعات ولوائحها التنفيذية وغيرها من المستندات والوثائق القانونية، وتوافر المعلومات على الانترنت عن حقوق المواطنين في الحصول على المعلومات الحكومية مثل قانون حرية المعلومات، واشراك وفتح المجال للمواطنين للتعبير عن آرائهم حول الخدمات الالكترونية، وبما يسهم في الرفع من جودتها ومستوى الرضا عنها، وحرية المواطنين في التعبير عن آرائهم في خدمات التعليم، والصحة، والمالية، والرعاية الاجتماعية والعمل والبيئة، ونشر التشريعات المتعلقة بحماية البيانات الشخصية على الانترنت، واتاحة الفرصة للعموم لاقتراح قواعد بيانات جديدة مفتوحة لتكون متاحة على الانترنت نشر السياسات المتعلقة بالمشاركة الالكترونية على الانترنت، ونشر إعلانات المشتريات العامة ونتائج المناقصات على الانترنت، وتوافر مواقع على الانترنت (بوابة وطنية) لطلب مرئيات العموم حول مشاريع القوانين والتشريعات واللوائح التنظيمية قبل إقرارها، ونشر الحكومة على الانترنت نتائج سياسة المشورة الالكترونية التي تتبناها الحكومة».
وأفاد «يبدو أن وضع الحريات العامة (المدنية أو الإعلامية) في دول الخليج قد انعكس على فرص المشاركة الالكترونية بأبعادها الثلاثة (الوصول الى المعلومات، والمشاركة بالرأي، والمشاركة في القرار)، إن أداء دول الخليج مؤشرات المشاركة الالكترونية اقل بكثير من أداء افضل ست دول في العالم (المملكة المتحدة، استراليا، كوريا، سنغافورا، اليابان، الولايات المتحدة) وهو أيضا دون متوسط أداء الدول الأوروبية (0.6441)». وأوضح «يمكن نقل التقنية على ثلاث مراحل متتابعة ومتداخلة. المرحلة الأولى وهي مرحلة النقل على مستوى المنتج (Product Level)، حيث يتم استيراد التقنيات (أجهزة وبرمجيات) كمنتجات جاهزة للتطبيق والاستخدام. المرحلة الثانية النقل على مستوى النظام System Level وهنا يتم استيراد أو محاكاة النظم التي انتتجت الأجهزة والبرمجيات، والمرحلة الثالثة النقل على مستوى القاعدة Base Level وهي اعلى مراحل النقل بحيث يقتم الفكر والرؤى التي أوجدت القواعد والأسس والهياكل التنظيمية للمؤسسات العلمية والاقتصادية، والتي أسهمت في تطوير الأنظمة التي انتتجت التقنيات». وختم البعيز «يبدو ان دول الخليج قد تجاوزت المرحلة الأولى لنقل التقنية (النقل على مستوى المنتج)، وبدأت في الخطوات الأولى للدخول في النقل على مستوى النظام، ويتمثل ذلك في بعض المبادرات لإنشاء مناطق حرة وحاضنين للتقنية، ومن الأمثلة على ذلك مدينة دبي للإنترنت، وواحة قطر للعلوم والتكنولوجيا، وتشير قراءة نقدية لهذه التجربة إلى ان على دول الخليج بان تعزز المشاركة والقواسم المشتركة بين تلك المجمعات القائمة على اهداف اقتصادية (المناطق الحرة) وبين تلك المبادرات لإقامة حضانات لرعاية الابتكارات في مجالات تقنيات المعلومات والاتصال (وواحة قطر للعلوم والتكنولوجيا)».
العدد 5264 - الجمعة 03 فبراير 2017م الموافق 06 جمادى الأولى 1438هـ