العدد 5264 - الجمعة 03 فبراير 2017م الموافق 06 جمادى الأولى 1438هـ

شعوب.. «جضرانه»

سعيد محمد saeed.mohd [at] alwasatnews.com

يروى فيما يروى من حكايات عن الخليفة العباسي (المعتضد)، أنه كان «جضران حده» ذات يوم، وسبب جضره (ضجره)، أن الكثير من الناس صاروا يجتمعون ويتشاورون ويعبرون عن الكثير من الضيق والامتعاض مما يقع عليهم من ظلم وجور، ولأنهم «جضرانين»، فذلك يعني ثمة أمر جلل.

اشتعل (المعتضد) غضبًا وضاقت به الدنيا، فما كان منه إلا أن كلف وزيره (ويقال أن اسمه عبيدالله بن سليمان) بأن ينظر ويدقق ويبحث ويستقصي فيما يقوله الناس وما يريدون، وأن يرفع إليه الرأي بعد حين، لكن الوزير نصحه وبادره (بخوش شور)! إذ أشار عليه بأن يصلب بعضهم ويغرق بعضهم الآخر ويحرق البعض الثالث، وأن ينوع في العقوبات وشدتها ليكون لها في قلوب الناس وقع الخوف والفزع لينزجر العامة.

كان هذا الرأي بكل ما فيه من شدة وغلظة وانعدام حكمة مفيدًا للمعتضد إلى درجة لم يتوقعها ذلك الوزير! فتفاصيل الرواية كما تنقلها بعض كتب التاريخ -صحيحة كانت أم خاطئة- أن المعتضد قال لوزير (بردت قلبي بهذا الرأي)، ونقلتني من الغلظة إلى اللين، وقبل أن ينشرح صدر الوزير ويعتقد أن رأيه نال رضا المعتضد، بادره الأخير بالقول: «ما علمت أنك تستجيز هذا في دينك وهديك ومروءتك، ولو أمرتك ببعض ما رأيت بعقلك وحزمك لكان من حسن المؤازرة ومبذول النصيحة والنظر للرعية الضعيفة الجاهلة، أن تسألني الكف عن الجهل وتبعثني على الحلم وتحبب إليَّ الصفح وترغبني في فضل الإغضاء على هذه الأشياء، وقد ساءني جهلك بحدود العقاب وبما تقابل هذه الجرائر، أما تعلم أن الرعية وديعة الله عند سلطانها! وأن الله يسائله عنها كيف سستها؟ ألا تدري أن أحدًا من الرعية لا يقول ما يقول إلا لظلم لحقه أو لحق جاره».

قال الراوي... ثم أمر المعتضد وزيره بأن يرعى الناس ويقف على شئونهم ويرفق بأحوالهم، فمن كان محتاجًا ضعيفًا سيئ الحال أعطاه من بيت المال، وإن كان مظلومًا رفع عنه ظلامته وهكذا، فعمل الوزير بالنصيحة وعادت الأمور إلى استقرار حالها.

انتهى قول الراوي، أما الآن ياجماعة، فلننظر إلى أحد التقارير الصحافية (المؤرشفة منذ ما قبل مرحلة ما يسمي بالربيع العربي) التي قالت بأن وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي.آي.إيه) «تحذر» من انتشار مشاعر الضجر في العالم العربي والإسلامي، وموضع التحذير أن جيل الشباب ولا سيما في البلدان الفقيرة وفي المناطق الأشد فقرًا في تلك البلدان، سترفع من مطالبتها واصرارها بالحصول على حقوقها سواء كانت سياسية أم اجتماعية أم معيشية، حتى أن مدير الوكالة جورج تينت توقع أن يؤدي هذا الضجر إلى هيجان، وأن الأوضاع الراهنة قد تؤدي إلى حالة هيجان.

واحتوى أحد التقارير السنوية للوكالة ما ملخصه «ان الشعوب الضجرة تزايدت قدرتها على العمل عبر استخدام وسائل اتصال حديثة مثل شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) بدون هيكل تنظيمي أو قيادي، وأن القيادات الشابة أصبحت محل اختبار من جانب شعوب تطالب بالتغيير ومن جانب أجهزة بيروقراطية راسخة مستعدة للقتال بضراوة للحفاظ على الأوضاع القائمة، وأن الكثير من الحكومات العربية ستواجه مأزق الاختيار بين طريق الإصلاح التدريجي الذي لا يتوقع أن يضيق الهوة المتزايدة الاتساع بين المنطقة وبقية العالم وبين طريق التغيير».

الستار الله، فمنظمة الصحة العالمية تشير في تقاريرها إلى أن الدول العربية تتصدر دول العالم في نسبة الاكتئاب كلما تفاقم العنف وغاب الاستقرار، وأن هناك حالة قلق من زيادة انتشار الأمراض النفسية على امتداد الوطن العربي، تضاعفها الأوضاع المالية المتردية والبطالة والعنف وعدم الاستقرار، فالإحصاءات الصحية للبنك الدولي تقول أن 7 بلدان من 10 تتصدر العالم في ظاهرة الاكتئاب لدى النساء هي بلدان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

المهم، ما هي الخلاصة من وراء هذا الموضوع كله؟ وليس لدي إجابة صريحة إلا :«سلامتكم... ولا شي... أهم شي تكونون بخير وسعادة بلا ضجر وبلا اكتئاب... حبوا بعض».

إقرأ أيضا لـ "سعيد محمد"

العدد 5264 - الجمعة 03 فبراير 2017م الموافق 06 جمادى الأولى 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 12:29 ص

      الحكومات الغربية تعمل على استنزاف ... والاستثمار السريع دون النظر الى الاستثمار بعيد المدى والذي يكون معتمدا على الشعوب وارادة الشعوب فصداقة الشعوب والعمل على توطيد العلاقة معها هو اطول واسلم بينما العمل مع الحكومات تدخلها مفاجآت الزمن وتقلباته
      خلق جيل واجيال من الشباب معادية لسياسة دول مّا ذلك يمثل خطرا مستقبليا اذا ما وصلت هذه الشعوب يوما للشراكة في قرار بلدانها ونحن كشعوب عربية نمثل قوة شعبية

    • زائر 1 | 12:20 ص

      مقالك جيد جدا لبعض المعلقين هنا ممن يرون انفسهم بطانة لكنهم بطانة سوء ولا يعرفون شيء من كلمة ساس ويسوس وسياسة شيءـ هؤلاء الذين يزيدون وضع البلد سوء ويصبون الزيت على النار ولا يهمّه حال البلد الذي ستؤول اليه فيما لو ازداد الاحتقان ووصلت الأمور الى ما لا يحمد عقباه وكم يقول المثل العامّي ( ديرة مو ديرتك ....

اقرأ ايضاً