العدد 5268 - الثلثاء 07 فبراير 2017م الموافق 10 جمادى الأولى 1438هـ

بالفيديو... دونالد ترامب يدفع «دولة المهـــاجرين» لمحاربة الهجرة

بعد قراره حظر دخول مواطني 7 دول ذات غالبية مسلمة

قبل أن يمضي الأسبوع الأول على وجود الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب في البيت البيضاوي حتى قام بإصدار قرارات متوالية وصادمة في الوقت ذاته. ففي الداخل أمر بوقف تمويل الجمعيات التي تشجّع على الإجهاض، وطَلَبَ إعادة بناء القوات المسلحة الأميركية بمراتبها المختلفة، وكذلك إعادة النظر في قواعد الاشتباك التي تتبناها. كما قرّر أن يبني جداراً عازلاً بين بلاده والولايات المتحدة المكسيكية، ثم أمر بتدشين خط أنابيب كيستون اكس.ال وداكوتا أكسيس على أن يُبنى «أميركياً».

وعلى مستوى الخارج نَظَرَ في اتفاق الولايات المتحدة الأميركية التجاري مع كندا والمسكيك، ومزّق اتفاق التبادل الحر عبر المحيط الهادئ الذي يضم 12 دولة، والذي عكف الخبراء الأميركيون طيلة السنوات الماضية لإقراره بهدف خلق فضاء متوازن مع الصين، ثم الأهم والذي أثار ضجة واسعة فرضه حظراً على دخول اللاجئين من 7 دول إسلامية وهي: العراق والسودان واليمن وسورية وليبيا والصومال وإيران لمدة 90 يوماً.

ولأهمية القرار الأخير وجدليّته تتابع «الوسط» دوافع ترامب في ذلك وإرهاصه عليه، مع تثبيت حقائق إثنوغرافية في التاريخ والمجتمع الأميركي منذ 5 قرون.

عقيدة ترامب تَجِبّ ماضي أميركا

الرئيس الأميركي «الجديد» دونالد ترامب يعمل وفق منظومة «أيديولوجية» بدأت معالمها في التشكُّل شيئاً فشيئاً. فالقرارات التي اتخذها تباعاً، وبالخصوص تلك المتعلقة بالمهاجرين أو اللاجئين تستند إلى ما بات يُسمّيها ديفيد بْرُوُك في الـ «نيويورك تايمز» بـ «القومية العِرقية» والتي لا يمكن إلاّ أن يُنفذها سياسيون يحملون نَفَسَاً شعبوياً كما يرى.

فالحزب الجمهوري، وعلى الرغم من تصقّره، إلاّ أنه ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية كان يعمل وفق قواعد النظام العالمي الجديد القائم على التحالفات وتعزيز انفتاح الولايات المتحدة وتوصيف روسيا كـخصم. أما ترامب وفريقه (وعلى الرغم من انتمائهم للحزب الجمهوري) فإنهم يتوقون إلى ما روّج له مُنظِّرهم ستيف بانون وهو العودة إلى الدول الوطنية اليهو – مسيحية التي تطبق رأسمالية الكتاب المقدس وتدير مجتمعات منسجة ثقافياً كما يراها ديفيد بْرُوُك.

هذا الأمر قاله بانون علانية قبل عامين في الفاتيكان خلال أحد المؤتمرات. بل إن الأخير أضاف نقداً إلى تجمع دافوس السنوي الذي اتهمه بأنه قوّض «الأسس الأخلاقية» لطبيعة الحياة في الدولة «اليهو – مسيحية» لصالح العولمة والتعددية والتنوّع. وهو يرى (أي بانون) أن الفارق بين الرؤيتين هو أن الأولى جَلَبَت الرأسمالية المتوحشة والأوليكارشية بدفع من المنظمات المتعددة كـ الاتحاد الأوروبي EU، بينما الرؤية الثانية التي يدعو إليها ترامب فإنها ستأتي بحسب ادعائه بـ «الديمقراطية القومية ذات السيادة» وبالتالي «الرأسمالية الإنسانية» كما يسمّيها.

ويرى بْرُوُك أن هذه النظرة تشترك في نهاية الخيط مع ما كان يقوله ألكسندر دوغين في موسكو ورؤيته لشكل روسيا المفترض، وكأن الأمر هو بين مسيحية أميركية بابوية غربية، وأخرى مسيحية روسية أرثوذكسية شرقية كما يقول، وهو يشكل شيئاً من التماثل أو التحالف الموضوعي بين الجانبين. لذلك وجدنا ترامب يزيح روسيا كخصم تقليدي لأميركا ويضع ما سمّاه بالتطرف الإسلامي كـ عدو أول لبلاده. ما يعني اتباع ما كان يقوله صامويل هنتنجتون حول صراع الحضارات قبل أزيد من عقدين.

نظرة عامة على أوضاع اللاجئين حول العالم

وفقاً لإحصاءات المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة فقد بلغ عدد النازحين في جميع أنحاء العالم 65 مليوناً و300 ألف إنسان، بينهم ما يقرب من 21 مليوناً و300 ألف لاجئ أزيد من نصفهم تحت سن 18 عاماً. وكان تجاوز مجموع اللاجئين في العالم، عتبة الـ20 مليونا قد بدأ اعتباراً من منتصف العام 2015، للمرة الأولى منذ العام 1992. ووفقاً للتقديرات فإن ما يقرب من 34 ألف إنسان ينزح قسراً كل يوم نتيجة للصراع أو الاضطهاد.

كما تشير الأرقام إلى أن هناك 10 ملايين شخص من عديمي الجنسية، وبالتالي فهم قد حُرِموا من الحصول على الحقوق الأساسية كـ التعليم والرعاية الصحية والعمل وحرية التنقل.

وتقول الأمم إن طلبات اللجوء ارتفعت بنسبة 78 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام 2014، أي أنها بلغت 993 ألفاً و600 طلب.

لكن ما يجب أن يُعلَم أن الدول التي تستضيف أكبر عدد من اللاجئين هي ليست الولايات المتحدة أو أوروبا أو أيّ من العالم المتقدم، بل جاءت كل من: تركيا وباكستان ولبنان وإيران وإثيوبيا والأردن كأكثر دول مستضيفة للاجئين. فمثلاً بلد كـ لبنان يستضيف عدداً من اللاجئين أكبر من أي بلد آخر، مقارنة بحجم سكانه (يبلغ عدد اللاجئين فيه 209 من بين 1000 نسمة) وكذلك إثيوبيا التي تتحمّل العبء الأكبر مقارنة بحجم اقتصادها (يوجد 469 لاجئاً لكل دولار من الناتج المحلي الإجمالي) كما تقول الأمم المتحدة.

لذلك، فإن إفريقيا وشمالها والشرق الأوسط وآسيا (وباسفيك) تستضيف 82 في المئة من كل تلك الأعداد الهائلة من النازحين واللاجئين، بينما أوروبا لا تزيد نسبة استضافتها لتلك الأعداد عن الـ 6 في المئة والولايات المتحدة عن الـ 14 في المئة جلهم من المكسيك ووسط أميركا.

هوية أميركا والهجرة

قبل أن تنشأ أميركا لم يكن هناك شعب اسمه «الشعب الأميركي» الذي نعرفه. كانت هناك شعوب أطلِقَ عليها «الهنود الحمر» ظناً من البحارة، والتي وصلوا سواحلها، أنهم يطأون أرض الهند. وبعد أن تناهَبَهَا «الأوروبيون» ودخلوا في صراع إبادة مع سكانها الأصليين الذين كانت تصل أعدادهم إلى 112 مليونا كأقرب التقديرات واجهوا تحدياً ديموغرافياً في هذه المناطق. فَمَن سيملأ أزيد من 42 مليون كيلومتر؟ لذلك، بدأت الهجرات تأتي إليها مِنْ كل حَدب وصوب.

كان الأوروبيون أوّل الواصلين. ومَنْ ذهب إلى هناك كان أساساً الاسبان والبرتغاليون والانجليز والايرلنديون ثم جاءت الشعوب الأوروبية الأخرى. ولأنهم كانوا يعتبرون أنفسهم «أسياد العالم» فقد جلبوا معهم وعلى مدى 3 قرون 40 مليون إنسان من الرقيق الإفريقي. كان 133 ألفاً من الأفارقة يتم «أسرهم» كل عام ليُشحَنوا للعمل كـ عبيد في ذلك العالم الجديد!

لذلك تشكلت أميركا من 236 ديناً وكذلك من 158 مليون من اللادينيين، لتصبح مجتمعاً مختلطاً لا تزيد فيه السلالة الواحدة عمراً عن الـ 200 سنة.

تاريخ المسلمين في أميركا

لم يكن الذاهبون إلى الأراضي الأميركية ينتمون كلهم إلى مِلّة واحدة. فقد كان هناك اليهود والمسيحيون ومن اللادينيين، وكذلك كان هناك المسلمون الذين كانوا يعيشون في أوروبا أساساً منذ القرن الثامن الميلادي. والحقيقة أن دخول المسلمين الأوروبيين للأميركيتين كان عبر الموريسكوس وهي جماعات من المسلمين ظلت متسترة بـ «الرمادية الدينية» بعد سقوط الأندلس وخروج المسلمين منها كحكام وملوك، وظلت تعمل حتى وصلت علاقاتها بالعرشين البرتغالي والاسباني. ويقال ان هؤلاء كان لهم دور في الاكتشافات الأوّلية للأميركيتيين.

وباتت بعض الدراسات التاريخية اليوم تتحدث عن سعيد بن حدو أو «استيفانيكو» ذلك الرجل المغربي المسلم الذي دفعه الفقر نحو سوق النخاسة ليُباع فيها، ثم يؤخذ إلى إحدى السفن الاسبانية الماخرة باتجاه العالم الجديد، كان ذلك في العام 1527. وعلى الرغم من قول بعض الوثائق باعتناقه المسيحية لاحقاً إلاّ أنه مؤشر على حركة الهجرة المختلطة التي تصيب أكبر من انتماء، وربما كان ذلك الرجل المغربي قد تخفى بدينه كالموريسكوس. هذا فيما خصّ الهجرات الأوّليّة.

لكن كانت هناك موجة أخرى من تدفق المسلمين إلى الأميركيتين وهي تلك القادمة من افريقيا والتي كان لها قصة مختلفة. فقد كان البرتغاليون وبقية الأوروبيين حين يذهبون إلى القارة السمراء يأسرون من شعوبها دون أن يُميّزوا بين انتماءاتهم الدينية. ولم يُدركوا هذا الأمر إلاّ عندما وجدوا أن الأفارقة الذين يتمرّدون على أسيادهم في الحقول الجنوبية عادة ما يكونون من المسلمين.

وبعد اندلاع الثورة الأميركية وظهور نزعة الاستقلال ثم اندلاع الثورة الفرنسية في العام 1789 وبداية الوعي بالمبادئ الإنسانية، تغيرت أوضاع المسلمين الأفارقة في الأميركيتين وبدأت تنشأ مجتمعات خاصة بالمسلمين الأوروبيين والأفارقة، وتعززوا بالهجرات الآسيوية لاحقاً. ولأن الولايات المتحدة هي مركز القارتين من حيث القوة والنفوذ فقد بات فيها الأمر أكثر جلاءً من غيرها.

لقد وَلَجَ المسلمون إلى العالم الجديد وعاصروا مراحل صراعاته وتطوره. لذلك، لم يأت القرن العشرون إلاّ والمسلمون أصبحوا من نسيج مجتمعات 15 دولة أميركية بشكل قوي، أظهرها هي الولايات المتحدة الأميركية كما أسلفنا. ولأن حركة مناهضة العنصرية كانت فيها أكبر فقد ساهمت المشتركات العِرقية في أن يُضَم المسلمون الأفارقة ضمن ما كان تطالب به تلك الحركات.

المسلمون وبناء الولايات المتحدة

مع توالي ردود الفعل على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن حظر استقبال اللاجئين من 7 دول إسلامية، بدأ الجميع في التساؤل والبحث عن جذور المسلمين في هذا البلد. ولأن النتائج في ذلك مثيرة فقد آمن كثيرون بأن هذه القرارات والسياسات هي بالأساس ضد الهوية الأميركية وضد المنتظم التاريخي للمسلمين في الولايات المتحدة ونسيجها منذ ما قبل الاستقلال.

عندما قال الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما قبل 6 سنوات بأن «المسلمين الأميركيين أثروا الولايات المتحدة الأميركية منذ استقلالها» فإنه يعي ما يقول. فهو ينتمي إلى عِرق افريقي كان ما بين 15 و30 في المئة منه ينتمي إلى الديانة الإسلامية حين دخلت الولايات المتحدة. وإذا ما تذكرنا الـ 40 مليون افريقي خلال 3 قرون لغاية القرن الثامن عشر فإن ذلك يعني أن ما بين 6 ملايين و12 مليونا كانوا مسلمين في عموم القارتين خلال تلك القرون، على الرغم من تناقصهم بعد ثورة العام 1830 في البرازيل.

وقد سجّل التاريخ أن أحد آباء الجمهورية الأميركية في القرن التاسع عشر وهو الرئيس رقم 29 وارين هاردنج (1865 - 1923) كان جدّه الخامس مسلماً! وقد شهدت سجلات الخدمة المدنية في الولايات المتحدة أن أنتوني جانزون أحد سكان حي بروكلين في نيويورك هو سليل أم مسلمة، وتربّى مثل حياتها! ولهذا النموذج تماثل في مواقع عدة داخل منظومة الدولة هناك.

وقد احتفظت الوثائق الأميركية بما قام به توماس جيفرسون وهو الرئيس الثالث للولايات قبل أزيد من قرنين وعشرين سنة حين قرّر قانون فيرجينيا الخاص بالحريات الدينية لحماية الأقليات ومن بينها المسلمين. وكذلك تحتفظ تلك الوثائق بما قاله الرئيس الذي سبقه جون آدامز، الذي قال إن الولايات المتحدة لا تعادي قوانين وطقوس المسلمين.

قبل فترة كتبت رايانا خلف في الـ ستيب فيد ذلك مستعرضة أيضاً دور المسلمين في حرب أميركا من أجل الاستقلال بين العام 1775 والعام 1783 وما قام به أحدهم في معركة بانكر هيل خلال حصار بوسطن حين قَتَلَ بيتر سلام جنرالاً بريطانياً. ثم كيف قاتل المسلمون في حروب أميركا الكبرى وتحديداً في الحربين العالميتين الأولى والثانية وحرف فيتنام.

هي تذكر نقلاً عن مجلة (The New Yorker) كيف أن 5000 مسلم حاربوا في الجيش الأميركي خلال الحرب العالمية الأولى، وكذلك كان لهم حضور في الحرب العالمية الثانية وخلال حرب فيتنام.

الخلاصة

في كل الأحوال، القرار الذي اتخذته إدارة دونالد ترامب لا يستقيم مع ذلك التاريخ والتجذر والهوية الأميركية التي ما يزال 3 ملايين مسلم يُشكلون جزءًا من هويتها، وهم الذين زاد تعدادهم خلال عقد مضى ليتخطى عدد اليهود للمرة الأولى هناك في أغلب مناطق الغرب الأوسط وجزء من الجنوب، وقرابة نصف عدد المورمون المسيحيين. والذي يبدو أن ترامب يمارس سياسة قد تؤثر على السلم الاجتماعي، وتُغذي قضايا التطرف، وتحديداً ما يُسمّى بالذئاب المنفردة.

المصدر: UNHCR بتصرف - الأرقام المذكورة أعلاه تخص اللاجئين المسجلين لدى الأمم المتحدة فقط
المصدر: UNHCR بتصرف - الأرقام المذكورة أعلاه تخص اللاجئين المسجلين لدى الأمم المتحدة فقط

العدد 5268 - الثلثاء 07 فبراير 2017م الموافق 10 جمادى الأولى 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

شاهد أيضا