العدد 5271 - الجمعة 10 فبراير 2017م الموافق 13 جمادى الأولى 1438هـ

"بنا": موقع البحرين الاستراتيجي وثقل ومكانة قيادتها على رأس اهتمامات زيارة الرئيس التركي للبحرين

العاهل لدى زيارته إلى تركيا      (ارشيفية)
العاهل لدى زيارته إلى تركيا (ارشيفية)

تأتي زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لمملكة البحرين، يوم غدٍ الأحد (12 فبراير/ شباط 2017)، في إطار جولة خليجية لتؤكد حقيقتين مهمتين عند دراسة مسار العلاقات الوطيدة بين الدولتين، الأولى: أهمية موقع المملكة الاستراتيجي بالنسبة لكثير من دول العالم المتحضر، وفي مقدمتها أنقرة التي باتت وغيرها توجه بوصلة علاقاتها إلى المملكة باعتبارها وسيطاً إقليمياً نزيهاً يتمتع بثقة ومصداقية تؤهله لممارسة دور رئيسي في الكثير من المشكلات والنزاعات الدولية، والثانية: ثقل قيادة المملكة بقيادة عاهل البلاد حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة وتعاظم مكانتها في الساحات العربية والإسلامية والدولية، ولاسيما مع اتجاه الكثير من الدول للتعويل على دورها كطرف إقليمي متزن ومتوازن، وفي ظل ما تحظى به من قدرة على التواصل مع قيادات دول العالم المختلفة، فضلاً عن حجم اتصالاتها الواسعة والممتدة والمتشعبة مع نخب ورموز ومسئولي دول العالم ومنظماته سواء العامة أو المتخصصة.

لذلك، يمكن ملاحظة هذا التسارع في وتيرة تطور العلاقات التي تربط البحرين بجمهورية تركيا الشقيقة، وخاصة خلال العقد الأخير، بل ويمكن وصف هذا التسارع باعتباره تجسيداً حياً لمدى التقارب في الرؤى ووجهات النظر والمواقف بين قيادتي البلدين، وعمق المصالح القوية التي تربطهما، والتي تشمل العديد من المجالات والقطاعات، ومحاولاتهما الدؤوبة والمستمرة لاستثمارها وتوظيفها بأفضل ما يمكن، في ظل الحرص على الدفع بها والمضي بها قدماً، وبما يضمن تأطيرها وتوسيعها لتعود بالخير والنفع على كلا البلدين والشعبين.

والمدقق في مسار العلاقات الثنائية البحرينية ـ التركية، ولاسيما بعد الزيارة الناجحة التي قام بها العاهل لأنقرة أواخر أغسطس/ آب 2016، ومباحثاته الواسعة التي أجراها مع المسئولين الأتراك، يستطيع أن يخلص إلى عدة مرتكزات جوهرية سترسم إلى حد كبير شكل التطور المنتظر الذي سيطبع مسار هذه العلاقات في المستقبل القريب، وخاصة مع أجواء الاحتفاء بالقيادة البحرينية التي صاحبت هذه الزيارة آنذاك.

وعلى رأس هذه النتائج: مستوى الاهتمام الذي أبداه قادة البلدين لتطوير مسار علاقاتهما المشتركة، ومن ثم الآفاق الرحبة التي يُنتظر أن تشملها هذه العلاقات لتمتد إلى الأصعدة كافة، ناهيك عن الدعم المتبادل لمواقف ورؤى البلدين تجاه الكثير من الملفات والقضايا المحلية منها والإقليمية والدولية.

والمعروف هنا أن علاقات البحرين بتركيا قد شهدت تطوراً لافتاً خلال العشر السنوات الأخيرة، ما يعزز القناعة بأن هناك توجهاً عاماً يقوده العاهل وضيفه الرئيس التركي من أجل تعزيز وتمتين هذه العلاقات وتسريع وتيرتها، والدليل على ذلك ليس فقط تبادل الزيارات والاتصالات بين المسئولين في البلدين، وإنما أيضاً حجم وأهمية الاتفاقات الموقعة بين البلدين خلال السنوات الأخيرة، والتي يمكن وصفها باعتبارها منظومة شاملة ومتطورة من الروابط الوثيقة أُسست وانطلقت في غضون أقل من عقد، وخاصة من بعد العام 2006 الذي شهد توقيع اتفاقية للتعاون الأمني، وتلاها مباشرة العام 2007 توقيع اتفاقية للتعاون الدفاعي، وكذلك في العام 2008 الذي شهد توقيع اتفاقية للتعاون الثنائي ومكافحة الإرهاب الدولي والجريمة المنظمة.

يشار الى أن هناك أساساً قوياً انطلقت منه هذه الروابط الثنائية بين البلدين، يرجع معظمها إلى العام 1990 إبان توقيع اتفاقية للتعاون الاقتصادي والصناعي والفني بين البحرين وتركيا، والتي فتحت المجال لآفاق رحبة من أوجه التعاون والتواصل المشترك، وخاصة في المجالات التجارية.

وتم تدعيم هذه الروابط العام 2005 عندما وُقعت مذكرة تفاهم بين وزارتي الصناعة والتجارة في البلدين ولمنع الازدواج الضريبي، وهو ما كان له أبلغ الأثر في وصول حجم التبادل التجاري بين الدولتين إلى نحو 400 مليون دولار العام 2015 بعد أن كان 72 مليون دولار فقط، ويُنتظر رفعه ليصل إلى مليار دولار خلال السنوات المقبلة.

وقُدر عدد السائحين البحرينيين الذين زاروا تركيا في العام نفسه إلى نحو 30 ألف سائح بعدما كانوا لا يتجاوزون الـ 500 سائح العام 2000 ونحو 3 آلاف سائح العام 2004.

وكانت زيارة عاهل البلاد لأنقرة في أغسطس 2016 قد وُصفت وقتها بأنها "ناجحة جداً بكل المقاييس"، واُعتبرت مباحثاته الواسعة ولقاءاته مع المسئولين هناك بأنها "مثمرة للغاية وتاريخية"، ما أكد أن عهداً جديداً للعلاقات بين البلدين قد بدأ، وأن هناك مرحلة فاصلة من العمل المشترك قد انطلقت، وبما يضمن تحقيق المزيد من المصالح المشتركة وضمان الخير لشعبيهما، ولتأكيد هذه النتيجة المهمة، يمكن الاستناد إلى عدة معطيات رئيسية:

أولها: تناغم الرؤى والمواقف المشتركة بين البلدين إزاء مجمل القضايا المحلية والإقليمية والدولية، وخاصة أن البلدين ومنذ العام 2004 من بين الدول الأعضاء في مبادرة إسطنبول لدول حلف الناتو، ما أسهم كثيراً في عملية التنسيق والتشاور وتبادل وجهات النظر بشأن المشكلات الملتهبة والملفات الساخنة على الساحة، وأبرزها بالطبع التهديدات والمخاطر الناتجة عن استمرار النزاعات والصراعات الإقليمية، كالوضع في بعض دول المنطقة وغيرها، فضلاً عمّا بات يُعرف بتصاعد خطر جماعات التطرف والإرهاب وامتداداتها عبر الحدود الجغرافية لدول العالم وتدخلاتها الخطرة في الشأن السيادي للدول.

ثانيها: أن البحرين قادت دول الخليج، وخاصة إبان رئاستها لقمم دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ولاسيما خلال الدورة الأخيرة لها، لتفعيل الحوار الاستراتيجي مع جمهورية تركيا الشقيقة، وكانت البحرين قد قامت مع أنقرة العام 2008 بتوقيع مذكرة تفاهم لدعم لهذا الحوار الاستراتيجي الخليجي ـ التركي، الأمر الذي كان من شأنه أن يدفع بالعلاقات البحرينية ـ التركية من جهة والخليجية ـ التركية من جهة أخرى إلى مراحل متقدمة لتشمل مختلف المجالات، وبما يكفل لها المضي قدما لمستويات أكثر رقياً وازدهاراً، وخاصة مع إيمان المملكة بالدور التركي كقطب إقليمي نامٍ من ناحية، ومع إقرار أنقرة بدور ومكانة البحرين كبوابة رئيسية لسوق الخليج الواسع وباعتبارها مختبر أمن واستقرار المنطقة برمتها من ناحية أخرى.

ثالثها: تطلعات قادة البلدين لتنمية العلاقات المشتركة، وذلك انطلاقاً من أن زيارة جلالة العاهل الأخيرة لأنقرة أسفرت عن توقيع 5 اتفاقيات وبروتوكولات جديدة لتعزيز التعاون في المجال القانوني والشباب والرياضة والنقل الجوي والثقافة والتعليم، الأمر الذي يبشر بحدوث مزيد من التفاهم حول العديد من أوجه التعاون الأخرى والوصول بها للطموح المنتظر، ويدعم هذه الرؤية والتطلعات، توقيت الزيارة من جهة، حيث احتفالات البحرين بأحد أهم أعيادها الوطنية، وهي ذكرى إقرار الميثاق الوطني، ما يعني مشاركة تركيا هذه المناسبة والاحتفالات الوطنية، إضافة إلى العلاقات الاستراتيجية والتاريخية الوثيقة بين البلدين من جهة ثانية، والتقارب الديني والثقافي والحضاري الذي يجمع البلدين الشقيقين من جهة ثالثة، فضلاً عن حرصهما المشترك والثابت على أمن المنطقة والعالم من جهة أخيرة.

وفي هذا الشأن تبرز الفرص المتنامية لنمو العلاقات إذا ما تحقق التعاون الكامل بين البلدين عقب زيارة الرئيس التركي، ولاسيما في مجال زيادة حجم التبادل التجاري المشترك، وتفعيل أدوات التواصل بين الكيانات المشتركة كمجلس الأعمال البحريني التركي المشترك، ومنتدى الأعمال الخليجي التركي الذي استضافت البحرين النسخة الثانية منه، والاستفادة من التجربة التنموية الثابتة لأنقرة، والخبرات ورأس المال التركي الساعي إلى فتح أسواق جديدة في العالم وفي الخليج، عبر مملكة البحرين.

ومع الميزات التنافسية والفرص الواعدة والجاذبة التي تقدمها المملكة على صعيد البنية التحتية والتسهيلات اللوجستية واللوائح التنظيمية الميسرة والمحفزة لتدفقات رأس المال، ومع الثقل الذي يتمتع به الاقتصاد التركي حالياً باعتباره يحتل المركز السادس على مستوى اقتصاديات أوروبا، والمركز الـ 17 عالمياً، بحسب تصريح للسفيرة التركية بالبحرين، فإنه يتوقع أن تثمر زيارة الرئيس التركي للمملكة ومباحثاته المنتظرة مع العاهل عن الكثير الذي يمكن أن يعود بالخير على شعبي البلدين.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً