العدد 5278 - الجمعة 17 فبراير 2017م الموافق 20 جمادى الأولى 1438هـ

تاريخ التعليم في البحرين ودور بلغريف

رضي السماك

كاتب بحريني

من نافلة القول إن التعليم في أي بلد هو القاعدة الرئيسية والمنطلق الأول نحو نهوضه وتقدمه الحضاري في مختلف المجالات العلمية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وكلما تطور النظام التعليمي فيه تطور معه المجتمع والدولة معاً والعكس صحيح، وهذا التطور لا يمكن أن يتحقق بمعزل عن دراسة ما توصلت إليه الدول المتقدمة من تقدم في هذا الشأن بالتوازي مع إخضاع ما قطعته المسيرة التعليمية تاريخياً من أشواط للتمحيص والتقويم.

والبحرين محظوظة بشخصية علمية كالباحث الاكاديمي عبدالحميد المحادين الذي كرّس جزءاً كبيراً من نشاطه البحثي للاضطلاع بهذه المهمة تحديداً، وأنجز الكثير من الدراسات والمؤلفات في هذا الحقل التأريخي التخصصي أهمها سفره الكبير الموسوم «خطوات باتساع الأفق 90 عاماً لاجتياز المستقبل» وتبلغ صفحاته نحو 800 صفحة.

وفي محاضرته تحت عنوان «مئوية التعليم في البحرين» التي ألقاها في ملتقى كانو الثقافي (ديسمبر/ كانون الأول العام الماضي) يأخذنا المحادين في رحلة تاريخية شيّقة لنشوء وتطور التعليم النظامي في البحرين طوال ما يقرب من مئة عام، بدءاً من تأسيس «الهداية الخليفية» العام 1919 التي تحل ذكراها المئوية بعد عامين، وليطرح سؤالا كبيراً بشأن هذه المناسبة في نهاية المحاضرة على حكومة البحرين: ماذا أنتم فاعلون بهذه الذكرى العظيمة المهمة؟ بمعنى؛ ليس الاكتفاء بالتحضير للاحتفالات التقليدية بها، بل عما إذا ستكون هنالك وقفة موضوعية جادة لدراسة وتقييم مرحلة تاريخية مديدة، استغرقت قرناً من الزمان، والانطلاق منها لرسم معالم استراتيجية تعليمية جديدة طويلة الأمد، قابلة للتنفيذ بآليات محددة وخاضعة للرقابة والتصحيح والتعديل.

ومع أن العام 1919 هو العام الذي اُعتبر بداية انطلاق مسيرة التعليم النظامي الرسمي، فإن مظاهرالتعليم والثقافة تضرب بجذورها في أعماق التربة البحرينية بامتداد قرون طويلة، وهذا ما أشار إليه لماماً عريف المحاضرة منصور سرحان حيث كانت العملية التعليمية مرتبطة قِبلاً بالمدارس والحوزات الدينية وملحق بعضها بالمساجد أو بيوت رجال الدين، وصولاً إلى الشكل التعليمي الذي عُرف بـ «الكتاتيب» لافتاً النظر إلى أن البدايات الأولىٰ للتعليم النظامي غير الحكومي تمثلت في مدرسة الإرسالية للبنات، التي تأسست على يد زوجة القس صموئيل زويمر العام 1899، ثم مدرسة الإصلاح المباركة 1913 التي تأسست على يد أعيان وتجار من الجالية الإيرانية، وهو ما أكد عليه الباحث في مستهل محاضرته أيضاً.

وقسّم المحاضر فترات الاستعانة بكوادر تدريسية عربية من الخارج إلى عدة مراحل تاريخية، لعل أهمها 5 مراحل مميزة: الأولى أسماها مرحلة الاستعانة بالمدرسين «القلقين» العرب، وكان أبرزهم الشيخ حافظ وهبة وعبدالعزيز العتيقي ومحمد صولان اليماني وغيرهم، وقصد بـ «القلقين» من حملتهم الظروف الإنسانية أو السياسية لهجرة أوطانهم، والثانية أسماها «المرحلة السورية» حيث تمت الاستعانة بمدرسين سوريين من خيرة الكفاءات بناء على عرض من المفكر القومي ساطع الحصري، وكانوا يُقيمون في العراق بعد أن فرّوا إليه من ملاحقات الاحتلال الفرنسي لانخراطهم في الكفاح الوطني ضده، ومن أبرزهم عثمان الحوراني ومحمد الفراتي وعمر يحيى وزكريا البيات، والمرحلة الثالثة بدأت مطلع الثلاثينيات مع استقدام المدرسين اللبنانيين (نجيب بليق وممدوح الداعوق وخير الدين الحبّال وغيرهم)، والمرحلة الرابعة كانت خلال الأربعينيات باستقدام المدرسين المصريين ثم الفلسطينيين، والمرحلة الخامسة ابتدأت مطلع الخمسينيات وشهدت استقدام أكبر دفعات متتالية من المصريين، ومنذ هذه المرحلة تزايدت أيضاً أعداد المدرسين البحرينيين، وتم اعتماد مناهج مصرية بعد ثورة يوليو1952.

على أن المرحلتين الأخيرتين لم تخلوا من استقدام مدرسين عرب وأجانب من جنسيات مختلفة، ثم أنهى المحاضر حديثه بالتطورات التعليمية التي جاءت عشية الاستقلال بتأسيس معهدي المعلمين والمعلمات في العامين 1966 و1967 وصولاً إلى مرحلة ما بعد الاستقلال مطلع السبعينيات إلى يومنا هذا، والتي شهدت تأسيس الكلية الجامعية للتربية والتعليم، فتأسيس جامعة البحرين، ثم نشوء وانتشار التعليم الجامعي الخاص مع مطلع الألفية.

ولعل من أهم ما تطرق إليه المحادين لماماً في سياق حديثه عن مراحل المسيرة التدريسية ما واجهته العملية التعليمية من إشكالات في بعضها، ومنها مرحلة استقدام المدرسين السوريين حيث أشار إلى بدايات التأثير والنفوذ الواضحين اللذين لعبهما المستشار البريطاني تشارلز بلغريف في المسيرة التعليمية خلال مكوثه في البحرين (1926 -1957)، وهذا ما تناوله المحاضر بدون مواربة في سفره المتقدم ذكره، ومن هنا يمكن فهم تعارض إرادته مع إرادة المدرسين العرب السوريين الذين عملوا بكل تفانٍ وإخلاص في خدمة وطنهم الثاني البحرين خلال الفترة (1926 - 1930) لكن بلغريف ضايقهم كثيراً ومهّد لاقصائهم وقرر تسفيرهم، على حد تعبير المحاضر، وبخاصة عثمان الحوراني وعمر يحي حيث جرى ترتيب إبعادهما من البلاد على عجل، عن طريق أول باخرة ترسو قبالة الفرضة مهما تكن وجهتها، وهكذا رُحّلا في مثل هذا الشهر يوم الخامس من فبراير/ شباط 1930 على ظهر باخرة متجهة إلى بومباي، في رحلتي ذهاب وإياب شاقة، إذ عادا إلى المنطقة العربية بواسطة سفينة أخرى نزلا منها عند قناة السويس ومنها توجها إلى وطنهما سورية عبر بيروت.

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 5278 - الجمعة 17 فبراير 2017م الموافق 20 جمادى الأولى 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً