العدد 5280 - الأحد 19 فبراير 2017م الموافق 22 جمادى الأولى 1438هـ

الأمطار والمجاري وصحة الناس

سلمان سالم comments [at] alwasatnews.com

نائب برلماني سابق عن كتلة الوفاق

في البلدان التي يمتنع المطر عن النزول على أراضيها، تتحوّل معيشتها إلى بؤس، وفي بعض البلدان يصلّون صلاة الاستسقاء لنزول الغيث، وفي اليوم الذي يأذن الله بنزوله عليها، يتغيّر حالها ويزداد فرحها وبهجتها به، ويتبادل أهلها التهاني والتبريكات. وفي بلدنا الحبيب الذي ينعم الله عليها في كل عام بهطوله، كيف يتعامل مع هذه النعمة الكبيرة، التي بقدومها تنتعش الحياة وتخضر الأشجار وتتفتح الأزهار وتكثر الثمار؟ هل عرفنا قدرها وقيمتها الرحمانية أم أننا تجاهلناها ولم نعبأ بها؟

في بلدي البحرين التي من أسمائها «أرض الخلود» لكثرة خيراتها ومزارعها وعيونها الطبيعية وأمطارها الوفيرة، أصبح هطول المطر غير مرغوب فيه لدى الكثيرين من المواطنين والوافدين، أتعرفون لماذا أيها السادة لا يحبذون نزوله في بلدنا الغالي؟ بالتأكيد ليس لأنهم يجهلون قيمته الربانية، وليس نكراناً لهذه النعمة العظيمة، وإنما يعرفون أن الجهات المعنية التي من المفترض أن تكون مستعدة كل الاستعداد للإستفادة من المطر استفادةً كاملةً، لم تعمل على تهيئة نفسها لذلك ولو بنسبة ضئيلة، ولأنهم يعلمون علماً يقينياً أن شوارعهم وطرقاتهم وممراتهم وبيوتهم ومحلاتهم ستغرق حتى ولو كان هطوله قليلاً .

وعندما يسألون الجهات المعنية عن هذا الموضوع الأزلي، وعن الأسباب التي تجعلها لا تفكّر في مشروعٍ يستوعب كمية الأمطار التي تهطل في فصل الشتاء، تقول إن الأمطار التي تهطل على البلد ليست بالكمية الكبيرة التي تدفعها للقيام بتنفيذ مشروع يكلفها ملايين الدنانير. قلة الأمطار كما تقول تجعلها لا تعطيه أية أهمية، ولا تعمل على إيجاد السبل المناسبة لاستقباله والإستفادة منه في الزراعة وغيرها من الأمور الحياتية، فترى أن عملية نقل مياه الأمطار من الشوارع والطرقات والممرات بالصهاريج (تنكرات كبيرة) وإفراغها في بعض الساحات المفتوحة، وكأنها لا تعلم أنها بهذا العمل تكوّن المستنقعات الراكدة التي تتحوّل إلى بيئات مناسبة لتكاثر الميكروبات والجراثيم والحشرات الضارة.

هل بالفعل الوزارة المعنية ترى أن هذا الحل صحيح من الجانب الصحي والبيئي والاجتماعي، التي تنتقل الأمراض الخطيرة بسببها للرجال والنساء والأطفال وكبار السن، الذين يضطرون لخوض مياه الأمطار المختلطة بمياه الصرف الصحي الملوثة. وما يزيد الطين بلة هو تزامن هطول الأمطار مع فيضانات المجاري (الصرف الصحي) التي تنبعث منها الروائح الكريهة، والتي يتكون منها ما يشبه النافورات العشوائية، فلو حاولنا معرفة الأسباب التي تؤدي باستمرار وتزيد نسبتها كثيراً مع هطول الأمطار، فهل لهذا الخل المزمن علاقة مباشرة أو غير مباشرة بعنوان التقصير أم بسوء التقدير والتخطيط أم لقلة الموازنة؟ لماذا لم يتم تدارك هذا الخلل والإسراع بإصلاحه حتى الآن رغم معرفتها الأكيدة بخطورة تلوث مياه الأمطار بمياه الصرف الصحي وتعريض صحة الناس للخطر؟

الحديث عن مستوى الأضرار وخطورتها التي تصيب الناس نتركه للمختصين في المجالين الصحي والبيئي، فيقيناً أن الجهات الصحية والبيئية تعلم جيداً مدى خطورة اختلاط مياه الأمطار بمياه المجاري على صحة الإنسان، فكان المؤمل أن تقوم هذه الجهات بإجراء دراسة جدية لهذا الموضوع المهم، وتبيان ما تتوصلان إليه للجهات المعنية بسلامة وصحة الإنسان في هذا البلد. أما التجاهل أو التغافل عن هذا الموضوع فإنه يكلف البلاد والعباد أكثر مما لو قامت الوزارات المعنية بواجبها تجاه المواطنين والمقيمين.

لا أحد يختلف في أن صحة الإنسان في هذا البلد إذا ما تدهورت تكون لها تداعيات خطيرة على الكثير من الجوانب الإقتصادية والاجتماعية، فالأمل أن تتنبه الجهات المعنية إلى هذه المسألة الحساسة التي تتعلق بصحة الإنسان وبمصالحه الاقتصادية، والقيام بمعالجتها معالجة شاملة وجدية، لما لها من انعكاسات سلبية تؤثر مباشرة على أحوال كل إنسان يعيش على هذه الأرض الطيبة.

سنوات طويلة جداً قد تمتد إلى أكثر من 40 عاماً، والناس في كل مناطق البحرين يتحدّثون عن هذه المشكلة الأزلية، ومازلوا يرون الأماكن التي تتجمع فيها مياه الأمطار، في الشوارع والطرقات والممرات والساحات دون أن يتغير الحال للأفضل. ألم تشاهد الجهات المعنية مياه الأمطار الكثيرة، التي تحوّلت إلى بحيرات وبرك كبيرة، في مختلف المناطق والمحافظات؟

من واجبنا تجاه وطننا الحبيب وأهله الكرام أن نلفت انتباه الجهات المعنية وفي مقدمتها وزارة الأشغال وشئون البلديات والتخطيط العمراني الموقرة، التي كانت ومازالت تقول عن نفسها إنها تتولى مجالاً واسعاً من الخدمات ترتبط بكل بيت ومحل تجاري وتتصل مع كل مواطن ومقيم وصاحب عمل، ويتطلب منها تقديم هذه الخدمات بمستويات عالية من الاتقان والاستجابة لحاجات المستفيدين والمرونة، وقدراً كبيراً من التنسيق بين مختلف الجهات، وتقول أيضاً إنها تتعامل مع بيئة دينامكية تزداد حاجاتها كماً ونوعاً، وإن لها المساهمة الفعالة بالتنمية الشاملة في مملكة البحرين.

لا أحد ينكر أن للوزارة إنجازات خدمية واضحة، ولكن تبقى تلك الإنجازات لا ترتقي إلى المستوى المطلوب، ليس معناه أن الناس يشككون في قدرة الوزارة في الإنجاز المتميز، ولكن يقولون إن الغريب في الأمر على رغم ما تمتلكه الوزارة من إمكانات وكفاءات بحرينية إلا أنها تخفق كثيراً في استيعاب الأمطار التي تهطل على البلد في كل عام، وعدم الاستفادة منها استفادة حقيقية، تعود بالنفع على البلاد والعباد. وفي هذا العام برزت جلياً النواقص التي تعاني منها كثيراً، شوارع وطرقات البلاد، التي لا يمكن لأحد نكرانها والتغافل عنها.

حقيقةً إن موضوع مياه الأمطار يحتاج إلى دراسة معمقة والخروج بخطة استراتيجية متكاملة تحل هذه المشكلة المتكرّرة سنوياً، ونعتقد أن الكفاءات البحرينية المتخصصة قادرة على إيجاد الحلول الناجعة لمياه الأمطار وتدفق مياه المجاري .

إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"

العدد 5280 - الأحد 19 فبراير 2017م الموافق 22 جمادى الأولى 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً