العدد 5285 - الجمعة 24 فبراير 2017م الموافق 27 جمادى الأولى 1438هـ

الباحثة وجدان فهد تحذر أولياء الأمور من استهداف التنظيمات أبناءهم

لدى تدشين كتابها «ثلاثية الوعي الجماهيري» بمركز كانو الثقافي...

الباحثة وجدان فهد تحاضر حول الوعي الجماهيري بإدارة عيسى هجرس
الباحثة وجدان فهد تحاضر حول الوعي الجماهيري بإدارة عيسى هجرس

استعادت الباحثة وجدان فهد جاسم مشهدًا من أشد المشاهد إيلامًا عندما تحدثت عن حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة على يد تنظيم «داعش» الإرهابي، لتحذر أولياء الأمور من مغبة استهداف التنظيمات المتطرفة والإرهابية أبناءهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي وشبكات الإعلام الإلكتروني.

ووجدت وجدان في أسلوب مخاطبة (الوجدان) لا سيما لدى فئات الشباب والناشئة بل وحتى الأطفال، تأثيرًا كارثيًا يلزم حذر أولياء الأمور! فعندما أراد تنظيم (داعش) إعدام الكساسبة، استخدم وسمًا (هاش تاق) حول الطريقة: هل حرقًا أو قطع رأس؟ واستغل شبكات التواصل لإجراء الاستفتاءات، حتى تم إحراق الطيار حيًا وتم تصويره بطريقة درامية لافتة باستخدام الإثارة والإضاءة ليفجع المشاهد برؤية إنسان يُحرق ويتعذب، ذلك من أجل هدف مدروس وهو (إشاعة وهم القوة)، فداعش ليست بتلك القوة والإمكانات، لكن تلك المشاهد المؤثرة تجعل الإنسان البسيط يهاب.

زد على ذلك، أن تنظيم (داعش) استخدم أسلوب الترويج للجهاد السياحي، فاستفاد من الفيسبوك لانتقاء المجاهدين الذين يتطابقون مع أهوائهم حتى تمكن التنظيم من التقاط شباب في مستويات اجتماعية راقية ومتعلمة ومتخصصون في التقنيات وليسوا فقراء أو مهمشين، ذلك من أجل صنع مجاهد مستهدف.

احتفاء بسيرة تعانق النور

حديث الباحثة وجدان جاء في رحاب مركز عبدالرحمن كانو الثقافي لمناسبة تدشين كتابها (ثلاثية الوعي الجماهيري: الإعلام، الدين، السياسة) والتي قدم فيها عضو المركز عيسى هجرس الباحثة بنص من تأليفه احتفاءً بسيرتها مع المركز، قال في جزء منه: « في زمن بعيد إلى حد ما، كانت هناك وردة جلست على ضفة النهر، اغتسلت في جداوله وشربت من روافده، وسافرت مع التيار ومقاصد الجهات، لتعود مع الموسم وخضرة الربيع شجرةً مثمرةً وافرة الظلال لتجلس على الضفة مرةً ثانيةً بعد سنين الاغتراب بجذور تعشق تراب الوطن وبأغصان تعانق نور فجره وتحضن ضياء نهاره وتتكحل بطيف مسائه، هكذا هي ابنة هذا المكان، وحفيدة من مشي على هذه الأرض من إنسان... إنها وجدان».

وبذات الحفاوة، استهلت الباحثة وجدان حديثها بالعرفان لمركز عبدالرحمن كانو الثقافي لأنه المحضن الأول لتكوين شخصيتها الثقافية، ومنه انطلقت للحقل الإعلامي والدراسات الإعلامية، والعمل في مجال إصدار الكتب والتأليف والبحث منذ عام 2010 مع أول إصداراتها «الانفتاح الإعلامي»، وعودًا إلى عمق الموضوع، وتحذير أولياء الأمور للتركيز على أبنائهم، فالمسألة كما تراها ليست مجرد صورة في الانستغرام أو موضوعا في الفيسبوك أو تطبيقات الهواتف الذكية، بل لخطورة التأثير على النفس، فداعش وغيرها من التنظيمات تدرس وتحلل الشخص المراد ضمه للتنظيم، واستغلت الوسائط بدرجة أعلى من التنظيمات التي سبقتها واستفادت من حسابات التواصل، إلا أن المحور الرئيس الذي تحدثت فيه المحاضرة هو «كيف يؤثر المشهد الإعلامي الديني في الوعي الجماهيري؟».

مصدر تمويل الفضائيات

وتواصل الباحثة الحديث عن الإعلام الديني من بعد ثورات ما يسمى بالربيع العربي، فظهرت قنوات فضائية بعدد هائل لا يعد ولا يحصى، تتكلم في السياسية والاقتصاد والتربية وغيرها من طرح ديني وهذا هو الخليط الجامع بينها، ولكن، هل مصدر تمويلها معروف؟ الغالبية لا يُعرف مصدر تمويلها، إلا أنه في الوطن العربي، فإن المشهد الفضائي الديني بدأ خاصًا ثم انتقل عامًا حين اتجهت بعض الحكومات وأجهزة الإعلام الوطنية بتدشين محطات فضائية وطنية دينية لتكون أكثر تحكمًا في الخطاب الديني في هذه المحطات، لكن الإذاعات الدينية كانت سابقة لذلك ومنذ الخمسينيات، بخلاف الصحافة حيث تظهر الصفحات الدينية فيها أشبه بالأرشيف، ولا تنشط إلا في المناسبات كالحج والأعياد، ولا تواكب قضايا العصر واهتمامات المواطن.

الخطاب الديني العاجز

وتستدرك لتقول «أنا لست متخصصة في الدين... فهناك فقهاء وعلماء، لكن الذي أعرفه أن الدين سلطة وهي سلطة جاذبة ومؤثرة في الجماهير، والخطورة تكمن في استخدام سلطة الخطاب الديني لفرض فتاوى بوازع الدين! فكيف نحافظ على هذا الجمهور من هذه المؤثرات الخطيرة؟».

وتجيب على التساؤل بلفت النظر إلى أهمية التحصين والمناعة حتى لا يكون الجمهور أسيرًا لخطاب ديني مسيس ومستغل من قبل أطراف سياسية وليس (الطوائف الدينية)، فالخطاب الديني الحالي عاجز عن مواكبة احتياجات واهتمامات الفرد العادي وكأنه شبه مغيب عن واقع النزاعات المسلحة وعن الصراعات فهل تجدون أن هناك مواكبة؟ أم أنها مغيبة ومحصورة في مواضيع معينة، وقد أثبتُ ذلك بالتحليل وفق الدراسات التي أجريتها على عدد من الفضائيات وعدد من المواقع الدينية.

وماذا عن شعار «لا للطائفية»؟

شعار لا للطائفية، من وجهة نظر الباحثة، هو الوتر الذي يسيطر على المشهد الفضائي الديني في الوطن العربي، فهل هو استهلاك إعلامي أم ضرورة؟ وأقول أن الطائفية حقيقة ولا ننكرها فكل إنسان منا ينتمي لطائفته ويجد فيها الملاذ الآمن الذي يحقق له المحضن ويمنحه نوعًا من الراحة والأمان في محيط اهتمامه وطائفته، فالخطورة ليست في وجود الطائفة الدينية، إذ إن التنوع مطلوب، لكن الأهم هو كيفية إدارة الاختلاف وألا يكون متلاعبًا به وورقة يراهن عليها قادة الأحزات السياسية أو الأطراف المتناحرة أو ورقة ضغط، فشعار (لا للطائفية) ظهر في الحرب اللبنانية سنة 1975 حين ظهرت طوائف أصبحت أقوى من الدولة، ومن وجهة نظري، فإن شعار لا للطائفية يناسب الدول العاجزة عن إدارة التنوع، وليس الدول القادرة على أن يكون القانون فيها هو الموجه الأساسي، فهناك بعض الدول الغربية، وهي مجتمعات متنوعة وتفاخر بالتنوع وتعتبره قيمة، لكن نحن نقول أن شعار لا للطائفية دون وعي لمدركات هذا الشعار وهذا أمر مرفوض ويدل على العجز.

ظهور الإعلام الجهادي

من المواضيع التي تناولها الكتاب هو موضوع الإعلام الجهادي الذي تصفه الباحثة وجدان أنه نوع ظهر مع زيادة الحركات والتنظيمات ذات المرجعية الدينية، وهو مؤثر في الواقع الجماهيري وخاطف لكثير من شرائح المجتمع ويؤثر في صناعة الصورة، ففي الثمانينيات، وفي افغانستان، كانت التواصل بين الجهاديين عن طريق الوسائل التقليدية، لكن في التسعينيات كانت هناك شركة إنتاج تنتج أشرطة وتسارع قنوات فضائية لبث هذه التسجيلات، إلا أنها تعرضت للانتقادات من باب كونها تقدم بطريقة غير مباشرة لهذه الحركات المحظورة نوعًا من الدعاية وخصوصًا بعد أحداث سبتمبر 2001، وبعد هذا العام، دخل على هذا الخط: الانترنت، المواقع الإلكترونية والمنتديات المغلقة، والأخيرة أصبحت الملاذ الآمن لقيادات التنظيمات السياسية ذات المرجعية الدينية لأن تتشارك وتتحاور وتتواصل فيما بينها، أما في العام 2003 إبان الحرب على العراق والحرب على الجهاديين، ظهر الفيسبوك وتم استغلاله للترويج لهذه التنظيمات وأيديولوجياتها، حتى المرحلة اليوم، وهي مرحلة داعش الذي استغل تويتر واليوتيوب للترويج لأيديولوجيته وأدبياته معتمدًا على كيفية سرقة الأنظار والاعتماد على جاذبية القوة والانتقام وصحوة الخلافة.

هكذا نشأت فكرة الكتاب

وفي حديثها عن فكرة الكتاب، تشير إلى أنها تولدت أثناء إعداد أطروحة الدكتوراه التي أخذت 3 سنوات من الجهد والبحث، والسؤال الرئيس في أطروحة الدكتوراه هو «هل استطاع الخطاب الديني السياسي – (وليس الحديث هنا عن المنابر بل عما يبث في الإعلام) – تتساءل الكاتبة... هل تمكن من تقديم رسالة واعية تسهم في النهوض بوعي الجمهور نحو مختلف القضايا سيما القضايا السياسية، أم جاءت لتؤجج نار الفتنة والصراعات المذهبية وتخلق نوعًا من الكراهية؟ وهل أثرت هذه المضامين الإعلامية الدينية في صنع القرار السياسي؟.

لكن، كيف يمكن رؤية الصورة الإعلامية لدى التنظيمات السياسية ذات المرجعية الدينية واسقاطات الخطاب الطائفي الإعلامي على الصراعات الجارية، لكن هنا، من هو الجمهور ومن هو الذي يؤثر عليه؟ وهذا السؤال يقودنا إلى مايليه من تساؤلات، فحين نتحدث عن جمهور لابد أن نتطرق لمؤسس علم نفسية الجماهير الفرنسي غوستاف لوبون مؤلف كتاب (سيكولوجية الجماهير)، فالجماهير من صفاتها أنها ظاهرة اجتماعية يذوب فيها الفرد وسط هذه التكتلات، وأهم صفات الجماهير أنها تكون متلقية للأفكار وفي وضع التلقين وليست منتجة.

القذيفة... التدفق... التبادل

وتضيف الباحثة وجدان، فمن لا يكون وسط جماعة سيدرك بنفسه مدى هذه الأفكار من إيجابيتها وسلبيتها ويدرك غايات المحرض، فأي تكتل بشري وأي جمهور له قائد ويحركه في فلكه ويؤثر عليه بما يعرض عليه من مضامين، ومكمن الخطورة أن الفرد في تكتل جماهيري يكون تحت سطوة التأثير، وليس هناك أكثر تأثيرًا من وسائل الإعلام الجماهيري، حتى أن علماء الإعلام درسوا تأثيرات الإعلام على الأفراد وجاءت أكثر من نظرية، ومنها نظرية القذيفة أو الحقنة تحت الجلد بما معناه أن الإعلام يؤثر في المتلقي للرسالة الإعلامية سواء شاهد برنامجًا تلفزيونيًا أو استمع لبرنامج إذاعي أو قرأ مقال رأي فهو يتأثر كما تأثير الحقنة في الوريد، ولهذا قال العلماء ان المتلقي سلبي تمامًا بمعنى أنه ليس لديه أي ردة فعل على ما يواجه به ويتعرض إليه من مضامين، فيما قال علماء آخرون بنظرية تدفق المعلومات وهي نظرية ترى أن الإعلام يؤثر في قادة الرأي، وهم عن طريق وسائل الإعلام، لهم علاقة كعلاقة قادة الرأي ووسائل الإعلام، فيؤثرون في الأفراد من خلال الإتصال الفردي... ثم نظريات أخرى بحثت الاعتماد على وسائل الإعلام كعلاقة تبادلية بين الأفراد ووسائل الإعلام وأن الإعلام دوره في الأساس يحافظ على استقرار الإنسان: ففي الحروب والاضطرابات، تنشط وسائل الإعلام لاستعادة التوازن في المجتمع.

العدد 5285 - الجمعة 24 فبراير 2017م الموافق 27 جمادى الأولى 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً