العدد 5285 - الجمعة 24 فبراير 2017م الموافق 27 جمادى الأولى 1438هـ

حين تكون القراءة وسيلة للعلاج

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

في العام 1904 برزت كاتلين جونز كأول أمينة مكتبة تقوم ببرامج ناجحة للعلاج بالقراءة في مكتبات مستشفى ماكلين في ويفرلي، وبهذا كانت أول من فتح الباب للاعتراف بعلم «الببليوثيرابيا» أي علم العلاج بالقراءة، وجعله فرعاً من فروع علم المكتبات. وهو علم وجد قبل ذلك من خلال تجارب المصريين القدماء والإغريق، إضافة إلى ما قام به الطبيب النفسي الأميركي الشهير بنجامين رش حينما وصف استخدام مكتبة المستشفى كجزء من العلاج. وفي القرن الثالث العشر الميلادي كان القرآن الكريم يوصف كعلاج للمرضى الراقدين في مستشفى المنصور في القاهرة.

كل ذلك يبقى في خانة التنظير كما يعتقد البعض مالم يرَ بعينه ما يثبته. لكن الجميل أن الكثير من القرّاء اليوم في مختلف الدول اتخذوا القراءة علاجاً بالفعل من خلال برامج وضعوها لأنفسهم، وهو ما فعله ويفعله بعض القرّاء في البحرين أيضاً، فحين تعرّض الكاتب والمسرحي خليفة العريفي قبل سنوات لوعكة صحية شديدة، لم ينتشله من ألمه إلا القراءة، حين قرّر أن يلجأ لدواء لا يضره بما يحتويه من مواد مصنّعة كيميائية، ووضع لنفسه برنامجاً قرائياً ينسيه ما يشعر به من ألم وتعب، ونجح في ما فعله وصار يصف القراءة دواءً لكل من تهزمه آلامه ويوصي بها كعلاج فعّال. يقول العريفي: كنت أقرأ ليل نهار لأخرج من تلك الوعكة، وعلى رغم أني كنتُ أقرأ الفقرة عشرات المرات أحياناً، لأنني لم أكن أستطيع استيعابها بسب حالتي الصحية، إلا أنني واصلت القراءة وكنت أعلم أنها دوائي، حتى استطعت بالفعل أن أشفى من غير اللجوء لأدوية جل ما تحتويه هو مواد قد تضر بنا مع كثرة تعاطيعها.

قبل سنوات قليلة ظهرت بعض المبادرات التي تهدف إلى قراءة عدد معيّن من الكتب خلال فترة زمنية محدَّدة، ومع ظهور تلك المبادرات، اتخذت نجاة المتروك القراءة وسيلة لتحدي آلام المرض الناتجة عن إصابتها بفقر الدم المنجلي أو ما نسميه محلياً «السكلر».

بدأ مشوارها حين نجحت في تحدي قراءة الـ 100 كتاب في 2014، ما دعاها إلى دخول العديد من التحديات في المجال نفسه، ونجحت فيها جميعاً.

نجاة التي أحبّت القراءة منذ صغرها، لم تكن تعلم أنها ستكون لها علاجاً حين تكتشف إصابتها بمرض قد تزورها نوباته في أي وقت، ويشلّها عن الحركة والتفكير لشدة الآلام التي يخلفها. كانت القراءة بالنسبة لها كالمورفين، الذي يسكّن آلام هذا المرض، تتجرعها لتنسى ما تعانيه، فتقرأ وتقرأ وتقرأ.

تقول المتروك: «إن التزامي بالقراءة وشغفي بالكتاب جعلاني أفضل صحيّاً، فنسيت بها آلامي ومتاعبي وقلّت معها نوبات الألم، وهو واقع أعيشه لا مبالغة، إذ إنني أتحدّى آلامي الشديدة بالقراءة والتي كان لها مفعول السحر والأثر الكبير عليّ».

لم تكتفِ المتروك بالقراءة فقط، بل بدأت تنشر قراءاتها الانطباعية عن الكتب التي تقرأها في حسابها على بعض مواقع التواصل الاجتماعي، لتكون مرشداً لمن يرغب في قراءة هذا الكتاب أو ذاك.

هكذا يكون للقراءة مفعول الدواء والمسكّن والعلاج، بل وبإطالة العمر أيضاً كما تفترض دراسة أشرف عليها باحثون في العام 2016 في جامعة يال الأميركية للأبحاث والتي تعد ثالث أقدم معهد للتعليم العالي في الولايات المتحدة. فقد شارك في عيّنة الدراسة أكثر من 3600 شخص في سن الخمسين عاماً فما فوق، وزّعهم الباحثون إلى ثلاث مجموعات: الأفراد الذين لا يقرأون الكتب، وآخرون يقضون ثلاث ساعات ونصف أسبوعياً في القراءة، أما المجموعة الأخيرة فتمثل الأفراد الذين تتجاوز ساعات قراءتهم الأسبوعية الرقم السابق، في حين لم تؤثر الصفات الأخرى، كالعمر والعِرق والملف الصحي وكون المرء متزوجاً أو لا، إضافة إلى المعاناة من الاكتئاب، على نتائج الدراسة.

وأثبتت الدراسة أن القرّاء يعيشون في المتوسط لسنتين إضافيتين مقارنة بالأشخاص الذين لا يقرأون على الإطلاق.

وأوضحت المدرِّسة في جامعة يال الأميركية بيكا ليفي، في مقال لها نشر في مجلة «العلوم الاجتماعية والطب»، بأن القراءة لمدة نصف ساعة يومياً قد تحدث فارقاً ملحوظاً فيما يتعلق بمعدّل دورة حياة الأفراد.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 5285 - الجمعة 24 فبراير 2017م الموافق 27 جمادى الأولى 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 1:44 ص

      القراءة ليست فقط علاجاً بل هي سمو بالروح ، قلم متميز

    • زائر 4 | 1:18 ص

      فتح لي المقال علاجا لما امر به ، بالفعل احيانا لا نلتفت الى ما نملك من حلول
      القراءة تاخذك الى عوالم مختلفة وبالتاكيد ستكون لك خير مكان لنسيان الالم

    • زائر 3 | 1:17 ص

      مقال جميل ومثالين اجمل واجمل
      شكرا للكاتبة

    • MahmoodAlsaei | 12:32 ص

      رائع .. مقال كلهم ومحفز للقراءة، معلومات جديدة في هذا المقال

    • زائر 1 | 9:43 م

      القراءة زينة ومفيدة ....

اقرأ ايضاً