العدد 5291 - الخميس 02 مارس 2017م الموافق 03 جمادى الآخرة 1438هـ

 الدماء والدموع تستصرخ الإصلاح

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

عندما تفشل مجتمعات في منع حدوث الانتهاكات الحقوقية والإنسانية بحق الأقليات الدينية أو المذهبية أو الثقافية من مواطنيها فإن عليها أن تفتش في أعمق أعماق مكونات وجودها عن الأسباب والمهيئات لحدوث تلك الانتهاكات.

هذا هو واقع دول ومجتمعات العرب في حاضرهم الذي يعيشون. وهو ما يُرى في أبهى صوره في ارتكاب التهجير والمجازر واغتصاب النساء بحق المواطنين المسيحيين العرب أو في احتلال ميليشيا شيعية لقرية سنية أو في احتلال ميليشيا سنية لقرية شيعية.

في بشاعة وحقارة وفسق تلك الصور ينجلي الجانب المتقيح في مكونات الوجود الاجتماعي العربي.

الدلائل كلُها تشير إلى أن التهيئة لارتكاب تلك البشاعات تبدأ في القراءات المتخلفة والفهم اللامعقول، التاريخي والحاضر، لمنطوق الوحي الإلهي في الدين الإسلامي من جهة، وتنتهي في إصرار أعداد لا حصر لها ولاعد من الملقبين بالأئمة والفقهاء، والعلماء وآيات الله وحجج الإسلام والمجاهدين وأمراء المؤمنين ومنقذي ومجددي الدين عند رأس كل قرن... إلخ. إصرارهم على تعيين أنفسهم كوسطاء ومعلمين وميسرين وشارحين ومشرعين بين الخالق والمخلوقين.

وهكذا تبعد المسافة بين المسلم وربه الرحيم الغافر الذنب المتسامح المحب بينما تصغر المسافة بينه وبين زمرة المتوسطين المتزمتين المتعصبين عن جهالة، غير المتسامحين بانتهازية ونفعية، المنصبين أنفسهم بأنفسهم على أنهم الحماة الوحيدين لمشيئة الله ووحيه ورسالته، الذين أغرقوا الرسالة البسيطة الموجهة لفطرة الإنسان الفرد البسيط في لجج من مدارس وشروحات وتفسيرات فقهية بشرية، ألبسها بعض من أصحابها وكثير من أتباعها لباس القدسية والدلالة المؤكدة للفرقة الناجية.

وهكذا تكونت إشكالية كبرى في ثقافة الإنسان العربي وترسخ مرض في عقول المجتمعات العربية. أما الإشكاليات فيجب أن تحل وأما الأمراض فيجب أن تعالج. والحل هو الإسراع بإصلاح المجالات التي أقحم الدين الإسلامي فيها بحسن نية وبجهل، إذ لا مشكلة في جوهر الدين نفسه والمقاصد الكبرى لرسالته.

ومن البداية يجب التأكيد بأن الورع الديني الذي تتميز به مجتمعات العرب لن يرفض محاولة إصلاحية تستند إلى العقل والعلم وتحترم التقوى الروحية وذلك على رغم التطرف والتخبط الذي تمارسه بعض حركات الإسلام السياسي المتطرفة وجماعات الجهاد التكفيري العنفي.

قضية الإصلاح ثم التجديد في المجال الديني، من مثل مراجعة مكونات وآليات ومناهج علوم الحديث والفقه، مضى عليها أكثر من قرن ونصف وهي تراوح مكانها. الأسباب واضحة. فهي أولاً اعتمدت في معظمها على جهود فردية أو مؤسسية محددة النفوذ والسلطة. وهي ثانياً اعتمدت على سلطات دول، هي إما غير مقتنعة بضرورة الإصلاح أو مكتفية بالاستعمال الانتهازي للدين في صراعات السياسة أو في أحسن الأحوال قانعة بإصلاحات جزئية ترقيعية مظهرية محدودة.

والنتيجة هي أن ذلك الإهمال الذي مارسته سلطات الدول للبدء بعملية إصلاح حقيقي، قائم على العلم والعقل ودروس التاريخ، ومبتعد عن مماحكات السياسة ونفعيتها، قد أدى إلى الوضع المأساوي الذي أمامنا:

عنف وإرهاب وتضليل وملاسنات وأكاذيب سممت المجال الديني وأدخلته في تيه التعصُب والجنون وانتهاكات حقوق الناس وانتهازيات السياسة.

وعندما نضع اللوم الأكبر على الدولة العربية فلأنها الأقدر على القيام بعملية إصلاح شاملة. لكن ذلك لا يعفي الأحزاب السياسية الإسلامية الإصلاحية ولا المرجعيات الدينية شبه المستقلة ولا الجماعات الثقافية الإسلامية.

لا يسمح المجال للدخول في تفاصيل متطلبات هذه العملية الإصلاحية التي صدرت طيلة القرن الماضي مئات المؤلفات الرصينة بشأنها. لكنها لن تثمر إصلاحاً حقيقياً وعميقاً إن لم تتوفر لها المتطلبات الآتية:

أولاً: إخراج منطوق الوحي الإلهي من قبضة التاريخ، ليعود إلى حالة طهارته وبساطته وتوجهه المباشر إلى النفس الإنسانية العاقلة المكلفة المستقلة عن إدعاءات الوساطات والإملاءات. إن ذلك سيتطلب بدوره وجود مراكز بحوث ودراسات في الإسلاميات، تضمُ إضافة إلى علماء الدين علماء متخصصين في ميادين علوم التاريخ والاجتماع والنفس واللسانيات والطبيعيات وغيرها. وهو ما سيجعل الدراسات الإسلامية تستعمل المناهج الحديثة وتستفيد من منجزات علوم العصر.

ثانياً: معالجة كل أنواع الخلل في منظومة التعليم الديني التخصصي، ومنظومة التثقيف الديني المدرسي والجامعي، ومنظومة الإعلام الجماهيري الديني، ومنظومة الاجتهاد الديني ومنظومة العمل السياسي الديني، وذلك كله من أجل هدف جعل مجال الدين ملكية تخص الأمة كلها وعموم المجتمع، وتمنع الاستحواذ عليه من قبل فئة أياً يكون مسماها، أو ممارسة بيعه وشرائه في عوالم السياسة والصراعات الأيديولوجية المختلفة.

ثالثاً: تنفيذ تلك العملية الإصلاحية من خلال مبادئ العدالة، والحرية المسئولة، وتعايش الأفكار المتعددة، والاحتكام إلى القوانين، والمساواة بين المواطنين. وذلك لأن الدين يفسده المجتمع الفاسد. إصلاح المجال الديني سيساهم إلى حدود كبيرة في تسهيل إصلاح مجالات السياسة والاجتماع والثقافة في وطن العرب المريض المأزوم المنهك.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 5291 - الخميس 02 مارس 2017م الموافق 03 جمادى الآخرة 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 17 | 3:36 ص

      هناك الكثير من الكتب ألتي دون مؤلفوها معانات شعوبا استُبيحت حرماتها عندما تم التنكيل بها بواسطة حكوماتها و من تلك الكتب،حكومات العالم السريه للمؤلف سيريب، و روايات تزمامارت لأحمد المرزوقي، القوقعة لمصطفى خليفه و الكثير من الكتب ألتي تجعل قلب قارئها يعتصر ألماً..ولد النبيه

    • زائر 15 | 3:10 ص

      مافى فايده وياهم الشيطان استوحد على قلوبهم هم لايرون اله الشر وتركو شرع الله ويه المعاملة ويه الشعوووب
      المشتكى لله وقاتل الله الجهل واحسنت استادى

    • زائر 14 | 3:00 ص

      اجدت ولكن ياليت قومي يعلمون ..

    • زائر 11 | 1:59 ص

      لقد أسمعت لو ناديت حيا * و لكن لا حياة لا حياة لمن تنادي
      صم بكم عمي فهم لا يعقلون..
      هناك البعض لا يفضل الإصلاح لأنه يعتاش عاى الخلاف و على المشاكل فإن توقفت هذه المشاكل فهو يثيرها كي تقوم من جديد.
      الحذر ثم الحذر من النفعيين فهناك أشخاص نفعيون و مؤسسات نفعية تظن أنها يستغنى عنها إن برز إصلاح و حل لذلك يجب وضع هؤلاء الأشخاص و المؤسسات تحت المراقبة الدقيقة لأنها تضرك من حيث تظن أنها تنفعك.

    • زائر 16 زائر 11 | 3:12 ص

      هذه الحقيقه المره يا ولد النبيه صالح..مشاركتك تجسد واقعنا المر

    • زائر 10 | 1:58 ص

      انه استجداء.
      الشعوب العزيزة لا تستجدي بل تقتحم الحرية اقتحاما.

    • زائر 7 | 1:47 ص

      يجب منع قنوات التلفزه من السماح لمن يطلقون علي انفسهم رجال...من تنصيب انفسهم متخصصين في اصدار.. والتشريعات .. كما يشاؤن وكما يتناسب مع اشباع رغباتهم للظهور . هدا النهج هو عامل اساسي لتشويش الناس مما يشجع صغار العقول للأنحراف عن المبادئ الساميه للدين وارتكاب اعمال لا صلة لها بالدين .

    • زائر 5 | 1:35 ص

      والدماء والدموع تستوجب الفرح والشماته من من يعيش على عذابات وألام الاخرين وقد وصلنا الى ان يدفن احدهم ابنائه وهناك من يقف على رأسه وهو يضحك ويصفق

    • زائر 12 زائر 5 | 2:00 ص

      هناك الكثير من من تجرد من انسانيته و يشمت حتى في الموت مع انه نفسه سوف يموت عاجلا ام اجلا.
      هؤلاء يجب ان لا يفلتوا من العقاب مستقبلا.

    • زائر 4 | 1:11 ص

      يجب فصل الدين عن السياسة ويعبد الشخص ما يشاء وينال كامل حقوقه على اساس المواطنة وليس على اساس دين او مذهب

    • زائر 6 زائر 4 | 1:42 ص

      لم ينل الانسان حقوقه وحريته وعزته على مر الزمان مثل ما نالها في زمن وضل الحكم الاسلامي في زمن الرسول الكريم فلا تتهمو الاسلام بما يفعله المتأسلمون ...

    • زائر 8 زائر 4 | 1:51 ص

      من الذي يتدخل في الآخر. ألا ترى أن السياسة تحاول سحق الدين. أليس السياسة هي من تسعى للتحكم في الدين. في مذاهب الآخرين ك............ أليست السياسة هي من تضع الفا....ممن يتسمون با...في المناصب حتى تفسد ال..و مؤسسات ال... إذا كان الإنسان يخاف الله و عنده ضمير و يملك الإنسانية و الكفاءة فهو الأنسب لنيل المناصب. لماذا يحث الرسول على تزويخ صاحب الخلق و الدين (المتمسك بدينه الصحيح و الأخلاق) لإنشاء مؤسسة المنزل التي هي نواة المجتمع.؟

    • زائر 2 | 12:22 ص

      الإصلاح نفسه يستصرخ الناس هبّوا وقوموا طالبوا بي فلا خلاص لكم من واقعكم وآلامكم المستمرّة إلا بتفعيلي ووجودي على الساحة حقيقة لا مجرد ديكور وشكليات.
      ها قد جربتم الابتعاد عني لعقود وها هي حالكم وصلت الى اسوأ الأوضاع ألا يكفيكم ما اتلفتم ودمّرتم في أوطانكم
      تعالوا اليّ لكي انقدكم وانقد اوطانكم وأصلح آخرتكم ايضا

    • زائر 1 | 12:01 ص

      يقول الفنان دريد لحّام عمرنا ما كانت مشكلتنا مع الله ، مشكلتنا مع اللي يعتبروا انفسهم مكان الله

اقرأ ايضاً