العدد 5292 - الجمعة 03 مارس 2017م الموافق 04 جمادى الآخرة 1438هـ

في حديث الذكريات مع فيصل الناصر: عشت بمنزل تاجر سعودي في كراتشي أول أيام دراسة الطب

الناصر مع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان
الناصر مع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان

كانت مرحلة الطفولة في أحضان البحرين منذ ولادته في العام 1955، وتحديداً في فريج المخارقة، وحين يعود ضيفنا البروفيسور فيصل عبداللطيف السليمان الناصر إلى تلك المرحلة، تلوح ذكريات مدرسة الإمام علي في المرحلة الابتدائية ثم الانتقال إلى مدرسة أبي بكر الصديق في المرحلة الإعدادية، وأجمل ما يتذكر في أيام الستينيات، تلك الحياة البسيطة جداً والعلاقات القوية بين الناس الذين يتبادل الجيران الزيارات وكانت المنازل شبه مفتوحة، كما أن العادات الموجودة في القرى كانت هي ذاتها في المدن، وكانت المنازل مفتوحة وحين يتزاور الناس لا يحتاجون إلى مواعيد، لاشيء غير طرق الباب ووجود صاحب المنزل فيه، وإن كان الوقت للغداء أو العشاء أو حتى الإفطار، فالطارق سيكون ضيفاً على المائدة... سنذهب من خلال هذا الحوار إلى المزيد من الصور الجميلة:

كانت علاقتك بالوالد الوجيه المرحوم عبداللطيف السليمان الناصر لصيقة جدًا منذ الطفولة... لعلنا ننتقل معك إلى بعض ذكرياتها.

- تعلمت من المرحوم الوالد الكثير مما لا يمكن عده، وأذكر لك حادثة لاتزال ماثلة في ذاكرتي، فقد تعرضت محلات ومخازن أحد كبار التجار لحريق أتى عليها بالكامل، وفي ذلك الوقت، علمت من خلال الوالد رحمه الله أن هناك حملة -قادها الوالد بالمناسبة- بين التجار لجمع مبلغ من المال لهذا التاجر الذي احترقت تجارته ليقف على رجله، وتم الجمع دون وصولات أو صكوك مكتوبة، فكان المهم عندهم أن يقف هذا التاجر على رجله ويبدأ أعماله من جديد، وهذا يدلك على أنه كيف كان المجتمع يرتبط مع بعضه، ولم تكن هناك أي تفرقة بين أفراد المجتمع لا على المستوى الاجتماعي ولا الشخصي ولا الديني، وبالتالي كانت العلاقات التي تربط بين الحاكم والمحكوم قائمة من خلال تبادل الزيارات بين البلدين، وكان الوالد يزور الحكام والحكام ويزورونه في المناسبات، ولا تزال هذه العلاقات قائمة، غير أنه في ذلك الوقت لم تكن تكنولوجيا الاتصالات كما هي في واقعنا اليوم، فقد يسرت الاتصال لكنها عزلت الكثير من الناس من وجهة نظري.

صديق راحل... وذكرى باقية

من كان من أصدقائك المقربين جدًا في فترة الطفولة؟

- طبيب العيون المرحوم أحمد التحو من أوائل أصدقائي في الطفولة، لدينا أصدقاء آخرون عشنا معهم في المدرسة بالطبع وكذلك بحكم أنهم في ذات الفريج، لكن تبقى صداقة الطفولة لها ميزة معينة وتبقى عند الإنسان ويترعرع الإنسان بهذه الصداقة وبهذه القيم فيشعر أن هذا الصديق جزء من كيانه لدرجة أن صداقة الطفولة لها تأثير على مستقبل الإنسان، فبعد الثانوية قررت دراسة الطب وقرر المرحوم التحو دراسة الهندسة، فسافرنا أنا إلى بلد وهو في بلد آخر، وبعد سنة اجتمعنا بصورة غير مرسوم لها واتفقنا نحن الاثنان على دراسة الطب في باكستان وكان ذلك في فترة السبعينيات، وبعد المشاكل التي وقعت بين الهند وباكستان انتقل صاحبي إلى مصر وأنا لحقته كذلك، وهذا ما أردت توضيحه بشأن كيفية تأثير صداقة الطفولة على المستقبل.

لماذا لم تتجه لدراسة تخصص يتناسب مع كونك من عائلة تجارية؟

- الوالد تاجر ومن عائلة تجارية أبًا عن جد، وكان يتمنى أن ابنه البكر يسلك نفس طريقه، لكن كان عندي هوايات طبية حتى منذ أيام المدرسة، فقد كنت أهوى النواحي العلمية وأعمل في المختبرات العلمية وكان لدي أعمال تطوعية كالعمل في الهلال الأحمر أو بعض الجمعيات التي تؤدي الأعمال الخيرية، واقترحت على والدي رحمه الله أن أخدم من خلال العمل الطبي والوالد لم يعارض، حتى أن لديه الكثير من الأصدقاء الأطباء فاستشارهم في الموضوع وحاول أن يرتب لي للدراسة في بريطانيا، ولم تكن الأمور في السبعينيات آنذاك سهلة لكن عنده أصدقاء في معظم البلدان، ثم أخبرني أن لديه صديقا، وهو من التجار السعوديين يعيش في باكستان، وسألني عن رأيي في أن أذهب للدراسة هناك، وبالفعل، قمنا بالإجراءات وحصلت على قبول في كلية الطب في كراتشي وذهبت إلى هناك واستقبلني صديق والدي المرحوم زكي بندقشي الذي كان يمتلك سلسلة من محلات للملابس ومصنع في كراتشي، واستضافني لمدة أكثر من 6 أشهر في منزله كأحد أبنائه، وأنا شعرت بأن هذه الرحلة الدراسية تتطلب إصرارًا على النجاح، وقبلها كنت في إحدى المدارس الداخلية في مصر لمدة سنة حيث أرسلني الوالد من باب التعود على الاعتماد على الذات وتحمل الغربة، وهذا ما ساعدني على الدراسة في باكستان، وشعرت بأن فترة العيش في بيت المرحوم زكي أعطتني الكثير من الدعم النفسي والحنان الأبوي منه أو من زوجته التي كانت (حسبة والدتي) كما نقول.

قصة الخروج من باكستان

وهل العلاقة مع أسرة المرحوم بندقشي قائمة إلى اليوم؟

- العلاقة إلى اليوم مستمرة مع العائلة، فأبناء العم بندقشي درسوا وتخرجوا وعادوا إلى السعودية وفتحوا أعمالا تجارية في المملكة ودبي وتربطني علاقة قوية بهم حتى اليوم، وما أردت قوله ان تلك المرحلة كانت مهمة جدًا بالنسبة لي، وحين فكر الوالد بإرسالي إلى هذه العائلة كان مصيبًا في منحي دفعة لمواصلة دراستي.

بالمناسبة، نريد الحديث عن كيفية خروجكم من باكستان في فترة الأزمة بينها وبين الهند؟

- حين وقعت المشاكل بين البلدين، علقنا في باكستان، وأتذكر اللحظات التي كانت تواجه فيها مدينة كراتشي قصف الهجمات من الطائرات، وفترات قطع التيار الكهربي، فلم نستطع الانتقال من كراتشي إلى مكان آخر حيث الطيران وسبل المواصلات كلها مغلقة فتواصل والدي مع السفارة السعودية والخارجية الباكستانية وأرسلوا طائرة وذهبنا إلى المطار الحربي، ونقلتنا الطائرة مع مجموعة من الطلبة، ليس بخط مباشر من كراتشي إلى السعودية بل ذهبت إلى شمال ولاية (كويتا)، وفي تلك الأثناء، والطائرة تحلق، لوحقت من قبل طائرات هندية ولله الحمد أنها لم تتعرض كهدف للإصابة، حتى وصولنا إلى مطار الظهران، ثم بعد ذلك رتبت أوضاعي لإكمال الدراسة في جمهورية مصر العربية.

بعدما تخرجت، عدت إلى البحرين وعملت لمدة عام في شركة أرامكو بالظهران، لكن الحنين إلى البحرين جعلني أترك العمل في أرامكو بالرغم من المزايا الكبيرة التي كنت أحصل عليها، وفي تلك الأيام لم يكن هناك جسر يربط البلدين، فكانت وسيلة السفر إما جوًا بالطائرة أو اللنجات (السفن) من الخبر إلى المنامة، وكان من حسن الحظ أنه بين العامين 1983 – 1984 كان المذكور بالخير علي فخرو وزيرًا للصحة وقتذاك، وابتكر برنامجًا جديدًا ومميزًا وهو تدريب أطباء للالتحاق ببرنامج طبيب العائلة، فدخلنا البرنامج من غير أي تردد لأهمية طبيب العائلة في المجتمع ككل، فدخلنا البرنامج ومدته 3 سنوات بالتعاون مع جامعة بيروت الأميركية وتخرجنا وكنت مسرورًا لأن التجربة كانت تدريبًا عمليًا على يد طبيب من بريطانيا هو الدكتور (بوتر) ممن أسسوا برنامج طب العائلة، كما شارك طبيب اميركي هو (فينيست هانت) وأكمل المشوار.

ولأننا نعمل في المراكز الصحية في الرعاية الصحية الأولية ونحتك بالمرضى، كنا نحاول تطبيق مفاهيم طب العائلة في ذلك الوقت، وكان البرنامج بالنسبة لي مهمًا لأنه سيغير الحالة الصحية في البحرين والمنطقة كلها، فكنا من أوائل الأطباء الذين دخلوا البرنامج وتخرجنا ثم سنحت لي الفرصة للالتحاق بمشروع جامعة الخليج العربي، وحين التحقت بالمشروع كان عبدالله الرفاعي يترأس الجامعة، وأرسلنا في بعثات إلى جلاسكو في سكوتلندا لدراسة طب العائلة، وكنت من أوائل الناس ذوي التخصص العالي في مجال طب العائلة.

تجربة غلاسكو وعضويات ملكية

هل كانت تجربة غلاسكو أساسية من ناحية التعمق في تخصص طب العائلة؟

- في غلاسكو درست وتدربت لمدة 3 سنوات، وكنت أعمل في المراكز الصحية في بريطانيا وأتدرب وأدرس في جامعة غلاسكو واستطعت الحصول على الدكتوراه في مجال طب العائلة وكنت أول طبيب يحصل على هذه الشهادة في طب العائلة، ثم التحقت بالكلية الملكية البريطانية لأطباء العائلة وحصلت على العضوية في الكلية كأول طبيب في المنطقة يحصل على هذه العضوية بالكلية الملكية الإيرلندية لأطباء العائلة، وبعدها بحوالي 5 سنوات منحت الزمالة الفخرية من الكلية الملكية لأطباء العائلة في بريطانيا بسبب مجهودي في الارتقاء بطب العائلة في البحرين والمنطقة، وبعد ذلك تأسس المجلس العربي للتخصصات الصحية النابع من مجلس وزراء الصحة العرب وصرت ممثل البحرين في هذا المجلس، وتدرجت في المجلس من عضو في المجلس إلى مقرر للجان التدريب ثم مقررًا للجان الامتحانات إلى أن أصبحت رئيس المجلس العلمي لاختصاص طب العائلة والمجتمع لدورتين لمدة 8 سنوات، وكان هذا المجلس يعنى بالاهتمام بتطوير طب العائلة في الدول العربية جمعاء.

وما يزيدني فخرًا أنه خلال الفترة التي عملت بها كرئيس بالتعاون مع زملائي سواء من البحرين أو الدول العربية عكفنا على استحداث مراكز للتدريب في طب العائلة في الوطن العربي من بينها السودان، جمهورية مصر العربية التي انضمت للبرنامج التدريبي في مجال طب الأسرة، وكذلك استحداث برامج في الجمهورية العراقية واليمنية، بالإضافة إلى تقوية البرامج التي كانت موجودة في دول مجلس التعاون وزيادة عدد الخريجين.

وفي الواقع، أنظر لهذه الفترة أنها فترة جميلة جدًا استطعت خلالها أن أحقق طموحي في نشر مفهوم طب العائلة في الوطن العربي سواء من دول الخليج إلى المغرب العربي والدول العربية في إفريقيا، وكانت زوجتي الغالية معي منذ بداية التخصص العالي في غلاسكو وكان معي ابني خالد حيث ولد في البحرين عام 1984 ورافقتني زوجتي وكافحت من أجل أن نحصل على هذه الشهادات ونحقق هذه الإنجازات، فلها مني كل الشكر والتقدير والامتنان.

البرنامج التدريبي للسنة الأولى

ألم يؤثر دخولك سلك التعليم الأكاديمي على ملكاتك المهنية؟

- عملت في السلك الأكاديمي، لكنني لم أتغافل عن العمل المهني وكنت مؤمنًا بذلك، وفي نهاية العام 1987 انضممت مع أسرة الأكاديميين في جامعة الخليج العربي وتدرجت في الجامعة من أستاذ مساعد إلى أستاذ مشارك إلى أستاذ بروفيسور وتقلدت مناصب عدة في الجامعة كنت فيها رئيسًا للجان عدة من بينها لجنة قبول الطلبة ولجنة مرحلة السنة الأولى، وأعددت البرنامج التدريبي لطلبة السنة الأولى وكنت كذلك عميدًا بالوكالة ثم عميدًا لفترة بسيطة، ومن ثم نائب لرئيس الجامعة، وكذلك رئيسًا لقسم طب الأسرة والمجتمع إلى أن تقاعدت في شهر يوليو/ تموز2016.

حدثنا عن البرامج التي ساهمت في استحداثها بجامعة الخليج العربي؟

- استحدثنا برامج جديدة مثل تدريب الطلبة في المراكز الصحية لفترات أطول بحيث يكتسبون خبرة ميدانية، وكذلك تدريبهم سواء في البحرين أو في دولهم، وكنت أقوم بزيارات متواصلة لإعداد البرنامج التدريبي للطلبة في دولهم وتأهيل الأساتذة الذين يدربون الطلبة في المستشفيات والمراكز الصحية، وهناك برامج أخرى من بينها برنامج الالتحاق بالأسرة، حيث أن الطالب يقضي سنة كاملة يتم خلالها تحديد أسرة تعاني من مرض عضوي أو نفسي أو من ذوي الاحتياجات الخاصة فيذهب الطالب للأسرة بصفة دورية ولديه فكرة واقعية عن كيفية معايشة المرض في العائلة وكيفية تعامل العائلة مع هذا الفرد المصاب، ويكون الطالب حلقة الوصل بين الجهات الصحية أو الاجتماعية والمريض، وكان من بين البرامج الرائدة والفريدة في دول مجلس التعاون التي طبقت في جامعة الخليج العربي بالإضافة إلى برامج أخرى حاولنا من خلالها إدخال منهج تدريس طب العائلة في المناهج، وكذلك اعتبر طب العائلة والرعاية الصحية الأولية خامس اختصاص رئيسي مع الجراحة والباطنية.

أبحاث ودراسات وديوان شعر

وبعد التقاعد... هل ستواصل الأبحاث، هنا مسك الختام؟

- أثناء العمل الأكاديمي، كان لدي اهتمام كبير بالبحث العلمي، وأعتقد أنه السبيل لتطور أي دولة، ومن غيره لا يمكن أن ننتقل من مرحلة إلى مرحلة أخرى، وخلال مسيرتي عندي أكثر من 70 بحثًا علميًا منشورا في دوريات علمية محكمة في دول العالم، وعندي كتابان أصدرتهما الأول بعنوان: أنت وطفلك والثاني بعنوان: أوراق مبعثرة، ومشاركات لكتابة فصل في كتابين عالميين: أحدهما عنوانه التوقعات الدولية للبحث في الرعاية الصحية العالمية أصدرته المنظمة الدولية لأطباء العائلة والكتاب الآخر هو: طب العائلة والأوراق والبحوث المتعلقة به، وهو من الكتب المهمة التي تباع على مستوى العالم وموجود على موقع الأمازون، من ناحية أخرى عندي اهتمامات شبه متواضعة بربط النواحي العلمية بالنواحي الأدبية والشعرية، فأعمل حاليًا على إصدار ديوان لقصائد تتحدث عن كل جزء من أعضاء الإنسان من خلال أبيات تتحدث عن وظائف كل عضو وأهميته بصورة شعرية جميلة، وأحاول إكماله حاليًا على أمل أن ينشر قريبًا.

صورة تذكارية مع رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة
صورة تذكارية مع رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة
الناصر (الثاني من اليمين) أثناء الدراسة فى باكستان مع خالد بهزاد
الناصر (الثاني من اليمين) أثناء الدراسة فى باكستان مع خالد بهزاد
فيصل الناصر متحدثاً إلى «الوسط» - تصوير عقيل الفردان
فيصل الناصر متحدثاً إلى «الوسط» - تصوير عقيل الفردان

العدد 5292 - الجمعة 03 مارس 2017م الموافق 04 جمادى الآخرة 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً