العدد 5292 - الجمعة 03 مارس 2017م الموافق 04 جمادى الآخرة 1438هـ

مصر والمواطن أولاً

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

تبقى مصر رائدة حتى في أحلك الأوقات وأسوأ الزمانات. في مصر وأينما يممت وجهتك وأخذت مسارك، تجد المواطن المصري يتصدر المشهد في الأسواق والشوارع وأماكن العمل، وما إن تطأ قدماك بوابة المطار فستجد أن من يستقبلك وينهي إجراءات الحجز والسفر لك أمام واجهة استقبال المسافرين والقادمين «مواطن مصري»، ومن يجر العربة خلفك ويحمل حقائبك وينظف أرضية المطار ويلمع الأسطح ويقوم بأعمال الصيانة، ويتصدر أكشاك البيع الصغيرة والكبيرة في السوق الحرة من بائعين وبائعات وعلى صناديق الدفع وفي مكاتب خدمات المطار والصرافة والاستعلامات؛ ستجد «المواطن المصري» دائماً أمامك.

من يقود الطائرة المصرية التي ستقلك إلى وجهتك، وستنطلق ثانية بسلام إلى آخر عواصم العالم «مواطن مصري»، وهو -أي المواطن- من يعلن عن إقلاع الرحلة في المطار أو في الطائرة باللغة العربية أو الإنجليزية بلكنة مصرية مئة في المئة، طاقم الخدمة بالطائرة من مضيفين ومضيفات هم شباب وشابات مصر، ممن لا يقلون دراية وذوقاً وتدريباً على أصول المهنة عن أي محترفي المهنة في بلدان العالم، من يتصدر إدارة المقاهي والمطاعم الشعبية ويحضر وجبتك ومثلها المقاهي والمطاعم العالمية التي فرضت العولمة وجودها على المجتمعات؛ يبقى «مواطنا مصريا».

مصر نورت يا أفندم

في منتجع واسع تتوافر فيه وسائل الراحة والرفاهية، من أدنى مستوى وظيفي إلى أعلى رتبة وظيفية فيه؛ يشغلها مواطنون ومواطنات مصريات يتحركون كالنحل والفراشات متمكنين من إنجاز مهماتهم وعلى أكمل وجة؛ بل وعلى استعداد لتلبية أي مساعدة أو خدمة تتميز بالطبع كونها بنكهة وختم مصري. في باحة الفندق الذي تسكن فيه، هو أول من يستقبلك ويفتش حقائبك بدقة متناهية وينظر إليك بتفرس ويسلمك لمن يحمل حقيبتك ويسجل بيانات حضورك ويعطيك مفتاح غرفتك قائلاً باللجهة المصرية المضيافة:

- أهلا وسهلاً، مصر نورت يا أفندم.

وفي المؤتمر الذي تحضره طاقم الفريق الذي عمل على تنظيمه، وترتيب إجراءاته بتفاصيلها من ألفها إلى يائها، إضافة للفرق الإعلامية بكل تنوعاتها الموجودة ومن يديرها من صحافيين ومصوريين ومحررين ومذيعين كلهم مصريون ومصريات. حقاً إنه المواطن الذي تتشرف مصر بتصدره واجهة الأعمال والأشغال كبيرها وصغيرها، في كل زاوية ومكان، على رغم كل الاختلالات والمنغصات التي قد تصادفك في يومك، وتشعرك بالضيق أو الرتابة والتململ، إلا إنك ستجده أمامك حاضراً ودائماً بكل التراتبيات الطبقية في المجتمع الفقيرة منها أو المتوسطة وطبقة الأغنياء، ومحدثي النعمة ونخبة المثقفين وفئات الشباب والمرأة، كلهم حازوا على ثقة المحروسة أم الدنيا كعلامة تجارية تفخر بهم أمام العالم.

تلاقح ثقافي

وسط مدينة «شرم الشيخ» التي يسودها سكون قاتل وكئيب، لاسيما بعد التفجيرات الإرهابية التي حدثت لها قبل عام، وشلت حركتها وكأنها سقطت من علو، تأخذك قدماك في جولة سريعة للشارع المشهور فيها «نعمة بيه» كل الأجواء والدلالات تشير إلى أن حركة سياحية كانت نشطة ومنتعشة هنا وأصابها ما أصابها؛ لكن الشارع يحاول الحفاظ على شيء من الحياة والحيوية والبقاء بمحلاته التي انتشرت فيها بضائع صينية الصنع وإن بتصميم مصري، عوضاً عما كنت تشاهده في الزمانات الماضية بما يعرض في واجهات «خان الخليلي» وسط العاصمة القاهرة لمنتجات احترافية مصرية خالصة، لكن البائع والمروج للبضاعة ومن يسير خلفك كظلك ظل مصرياً، يدعوك بلكنته خفيفة الدم وبلغات متعددة لاكتشاف ما بداخل المحلات، حينها تدرك أن مرور السياح الأجانب من بوابة هذه السوق، لم يكن مروراً عابراً فقد حدث تلاقح ثقافي ما التقطه الباعة بحسهم العفوي ممن يرطن بعضهم الآن عبارات روسية وإنجليزية وطليانية وغيرها.

ومنه فمصر لا تخجل من مواطنيها، وتحت أي اعتبارات مذهبية أو طائفية أو إثنية، فهم الخيار الأول والدائم، وإن قست عليها الظروف والمحن، يبقى للمواطن المصري الأولوية والأفضلية، فهو العملة الوحيدة المتداولة في سوق العمل، ورأس المال البشري الذي راهنت عليه في كل الأوقات، وهذا خلاف ما يحدث في بعض الدول المترفة، وما تشاهده في مؤسساتها وأسواقها ومطاراتها، وأنت تتلفت يمنة ويسرى فلن تجد سوى الأجنبي والوافد يمثل عنواناً للمشهد العام في كل ما يجري في الحياة العامة وفي أسواق العمل ومظاهرها.

بطالة غير منطقية ولا أخلاقية

لقد غدت نسب العمالة الأجنبية في بلداننا الخليجية تفوق العمالة الوطنية، وفي البحرين وحدها ارتفع عددها تبعاً للبيانات الرسمية إلى 595.151 ألف عامل أجنبي العام 2016 مقارنة بـ 566.785 ألف عامل أجنبي في العام 2015؛ أي بزيادة قدرها 23.366 ألف عامل أجنبي»، فيما بلغت العمالة الوطنية (العام2015)159.711 ألف عامل بحريني؛ أي بنسبة فاقعة ومخيفة تمثل «22 في المئة» للمواطنين مقابل «78 في المئة» للعمالة الأجنبية، في الوقت الذي تشير فيه التقارير إلى تكثيف في ممارسة سياسة استقدام الخبرات الأجنبية وفي كل المستويات والمجالات الخدمية والصحية والتعليمية في ظل وجود آلاف الخريجين الجامعيين من المواطنين عاطلين من العمل، ولا أدل على ذلك سوى النسب المتداولة التي تشير إلى أن نسبة 56 في المئة من خريجي التمريض من شباب وشابات البحرين، لا يزالون عاطلين من العمل، ومئات غيرهم من مختلف التخصصات التربوية والاجتماعية والاقتصادية وفي شتى القطاعات.

واضح أن المواطن لم يعد خياراً وطنياً واقتصادياً على المدى الاستراتيجي، لم لا؟ والأفضلية لا تزال واضحة وفاقعة للعمالة الأجنبية وبلا حدود ولا ضوابط، وما الحديث عن وجود أنظمة تطوير البحرنة الموازي أو أن نسب البطالة لدينا طبيعية كما في المجتمعات الأخرى، سوى كلام تسكيني ينشر في الهواء وحبر على ورق، لتبرير وتمرير الواقع الشاذ واللامنطقي وغير المقبول أخلاقياً، ولا حتى بحسب المعايير الدولية أو لمن يأخذ مسار العولمة والأسواق المفتوحة نمطاً لاقتصاده المحلي.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 5292 - الجمعة 03 مارس 2017م الموافق 04 جمادى الآخرة 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً