العدد 5307 - السبت 18 مارس 2017م الموافق 19 جمادى الآخرة 1438هـ

واشنطن «تَحْنَق» من تقرير ريما خلف وتل أبيب تصفه بـ «النازي» والأمم المتحدة تكاد أن «تَضْرس»

استقالت «احتجاجاً» على سَحْبه

استقالت الأمين التنفيذي للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا التابعة للأمم المتحدة (إسكوا) ريما خلف من منصبها أول أمس الجمعة بسبب ما أسمته «ضغوطاً من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس لسحب تقرير يتهم إسرائيل بفرض نظام فصل عنصري على الفلسطينيين».

أما غوتيريس فقد قَبِل استقالة خلف قائلاً: «لا يمكن أن يقبل الأمين العام أن يقوم مساعد للأمين العام أو أي مسئول كبير آخر في الأمم المتحدة تحت سلطته أن يُجِيز نشر شيء تحت اسم الأمم المتحدة» وشعارها «دون التشاور مع الإدارات المختصة وحتى هو نفسه». وقد لاقت استقالة خلف واتهامها للأمين العام بممارسة ضغوط وردّ الأخير عليها ردود أفعال مختلفة، إقليمية ودولية. فالأميركيون وصفوا التقرير بأنه منحاز، بينما زاد الإسرائيليون على ذلك حين وصفوه بالنازي.

ما هي منظمة الاسكوا؟

أنشأت الأمم المتحدة خمس لجان إقليمية بهدف تثبيت الاستقرار العالمي وإقامة أفضل العلاقات بين الأمم على مبدأ المساواة في الحقوق وتقرير المصير وإتاحة فرص للجميع لتحقيق الرفاه الاقتصادي والتنمية الاجتماعية. لذلك وفي العام 1947، تم إنشاء اللجنة الاقتصادية لأوروبا، وفي العام نفسه، أنشِئت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لآسيا والمحيط الهادئ، وفي العام التالي أنشِئت اللجنة الاقتصادية لأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، وفي العام 1958 أنشِئت اللجنة الاقتصادية لأفريقيا، ثم وفي الـ 9 من آب/أغسطس 1973، وبموجب قرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي المُرقّم بـ1818 (د - 55) لتحفيز النشاط الاقتصادي في البلدان الأعضاء، وتعزيز التعاون في ما بينها، وتشجيع التنمية أنشِئت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا المعروفة باسم (الإسكوا) وفق ما جاء في سيرة اللجنة التي وضعتها الأمم المتحدة على موقعها.

عندما بدأت الإسكوا عملها كان مقرها العاصمة اللبنانية بيروت. وقد امتدّ ذلك ما بين عامَيْ 1974 و1982، قبل أن تغادره إلى بغداد بعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان وظروف الحرب الأهلية. وظلت الإسكوا تمارس عملها من هناك حتى العام 1991، إلى أن انتقلت إلى الأردن بسبب ظروف حرب تحرير الكويت ثم الحصار الذي فرضته الولايات المتحدة الأميركية على العراق. لكنها وفي العام 1997 عادت مرةً أخرى إلى بيروت.

تعتبر الإسكوا من عظام رقبة الأمم المتحدة، فهي جزء من أمانتها العامة، وعملها يقع تحت نظر وإشراف المجلس الاقتصادي والاجتماعي. ومن أهدافها المعلنة «تحفيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلدان الأعضاء» و«تعزيز التفاعل والتعاون بين الدول الأعضاء» و«تشجيع تبادل المعلومات والممارسات الجيدة والدروس المكتسبة» و«تحقيق التكامل الإقليمي بين المنطقة العربية والمناطق الأخرى»، فضلاً عن «إطلاع العالم على ظروف بلدان المنطقة واحتياجاتها».

تضم لجنة الإسكوا 18 بلداً عربياً هي: «الأردن، الإمارات العربية، البحرين، تونس، سورية، السودان، العراق، عُمان، فلسطين، قطر، الكويت، لبنان، ليبيا، مصر، السعودية، المغرب، موريتانيا، واليمن.

ماذا يعني التقرير المثير للجدل؟

في شهر يونيو/ حزيران من العام 2015، طلبت الدول الأعضاء المُشكِّلة للإسكوا إعداد تقرير حول سياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين. وحسب مُنسِّق التقرير ربيع بشور فقد تم الاتصال بخبيريْن في القانون الدولي بجامعتَيْ برينستون وجنوب إلينوي ريشارد فولك (وهو أيضاً مقرر خاص سابق لدى الأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية) وفرجينيا تيلي كي يساهما في إعداد التقرير. وقد استمرّ العمل على إنجاز التقرير قرابة الـ 21 شهراً، وتحديداً في النصف الأول من شهر آذار/ مارس الجاري.

بلغت صفحات التقرير 74 صفحة مع مُلحَقَيْن، لكن العبارات التي أدت إلى كل ما أثير من ضجّة هي حين عُنوِن التقرير بـ «الممارسات الإسرائيلية نحو الشعب الفلسطيني ونظام الفصل العنصري»، وتوصيته بضرورة تفكيك نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، وهو ما جعله لا يختص بمنطقةٍ دون أخرى ممن يتواجد عليها الفلسطينيون سواءً في الضفة الغربية أو غزة أو في الشتات، بل أطلق اللفظ ليشمل جميع الفلسطينيين، فضلاً عن مُعنوَنه الذي انساب فيه كل ما يتصل بلفظة: الفصل العنصري. وحسب تصريحات بشور (التي نقلتها صحيفة «النهار» اللبنانية) فإن هذا التقرير هو أول تقرير «استقصائي علمي مبني على تعريف القانون الدولي لجريمة الابارتهايد» عبر «ممارسات لا إنسانية تهدف إلى سيطرة فئة عرقية على فئة أخرى، وتفتيت الشعب الفلسطيني» بشكل استراتيجي عبر أداة «اعتمدتها إسرائيل لسيطرة الفئة العرقية اليهودية على الشعب الفلسطيني ككل» مع توثيق «بالأدلة لسياسات إسرائيل وممارساتها تجاه الشعب الفلسطيني».

لماذا أثار التقرير غضب «إسرائيل»؟

تعتبر جريمة الفصل العنصري واحدةً من أهم الجرائم التي تصدّى لها المجتمع الدولي. وقد صدرت اتفاقية دولية لمكافحة جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها، واعتُمِدَت وعُرِضَت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 3068 (د - 28) المؤرخ في الـ 30 من نوفمبر/ تشرين الثاني 1973، وبدأت في النفاذ في الـ18 من يوليو/ تموز 1976.

وقد ضمّت الاتفاقية 19 مادة، جرّمت في مادتها الأولى سياسات الفصل العنصري و»المنظمات والمؤسسات والأشخاص الذين يرتكبون جريمة الفصل العنصري»، معتبرةً «الأفعال اللاإنسانية» التي تُرتَكَب «لغرض إقامة وإدامة هيمنة فئةٍ عنصريةٍ ما من البشر على أية فئة عنصرية أخرى من البشر واضطهادها إياها بصورة منهجية» سواء عبر القتل من فئة/ فئات عنصرية أو «إلحاق أذى خطير، بدني أو عقلي، بأعضاء في فئة أو فئات عنصرية، أو بالتعدي على حريتهم أو كرامتهم، أو بإخضاعهم للتعذيب أو للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة» و»توقيف أعضاء فئة أو فئات عنصرية تعسفاً وسجنهم بصورة لا قانونية» و»اتخاذ أية تدابير، تشريعية وغير تشريعية، يقصد بها منع فئة أو فئات عنصرية من المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للبلد، وتعمّد خلق ظروف تَحُول دون النماء التام لهذه الفئة أو الفئات، وخاصة بحرمان أعضاء فئة أو فئات عنصرية من حريات الإنسان وحقوقه الأساسية، بما في ذلك الحق في العمل، والحق في تشكيل نقابات معترف بها، والحق في التعليم، والحق في مغادرة الوطن والعودة إليه، والحق في حمل الجنسية، والحق في حرية التنقل والإقامة، والحق في حرية الرأي والتعبير، والحق في حرية الاجتماع وتشكيل الجمعيات سلمياً» و»اضطهاد المنظمات والأشخاص، بحرمانهم من الحقوق والحريات الأساسية، لمعارضتهم للفصل العنصري» كلها إجراءات تدخل في ضمن سياسات الفصل العنصري المُجرّمة.

وقد أدانت الاتفاقية «الأفراد وأعضاء المنظمات والمؤسسات وممثلي الدولة» الذين يتورطون في تلك الأفعال بوقوع «المسؤولية الجنائية الدولية». بل إن الاتفاقية وفي مادتها الخامسة أجازت «أن يُحاكم المتهمون بارتكاب الأفعال المعددة من قِبَل محكمة مختصة من محاكم أية دولة طرف في الاتفاقية يمكن أن تكون لها ولاية على هؤلاء المتهمين أو من قبل محكمة جزائية دولية تكون ذات ولاية قضائية فيما يتعلق بتلك الدول الأعضاء التي قبلت ولايتها» كما جاء في النص. لذلك قال تقرير الإسكوا إن «حكماً من محكمة دولية في هذا الصدد فقط هو الذي سيجعل من مثل هذا التقييم مؤثراً بحق» بعد أن وثّق «التقسيم الاستراتيجي للشعب الفلسطيني» باعتباره «الطريقة الأساسية التي فرضت بها إسرائيل لتكريس سياسات الفصل العنصري بتقسيم الفلسطينيين لأربع مجموعات وقهرهم بقوانين مختلفة وسياسات وممارسات» كما جاء.

لذلك خَشِيَت «إسرائيل» من تبعات تلك الالتزامات القانونية وبات لِزاماً عليها تسليم المجرمين المتورطين في سياسات تطبيق أو التحريض على الفصل العنصري، كما في البند الثاني من المادة 11 من الاتفاقية. ولذلك بادرت «إسرائيل» إلى اتهام الإسكوا والتقرير على أنه «دعاية نازية معادية للسامية»، وذلك للظهور بمظهر الضحية وبالتالي التملص من الالتزامات المقررة عليها. بينما وصف سفيرها لدى الأمم المتحدة داني دانون النشطاء المناهضين لإسرائيل بأنهم «لا ينتمون إلى الأمم المتحدة».

ردود الأفعال العربية

لم تُسجَّل لغاية كتابة هذا التقرير أيّة مواقف عربية رسمية، إلاّ أن منظمات مدنية عربية أصدرت تقارير أيّدت ما أصدرته ووثقته الإسكوا. فقد أصدر المنسق العام للمنتدى العربي الدولي من أجل العدالة لفلسطين الدكتور علي فخرو بياناً اعتبر فيه التقرير أنه «من أهم ما صدر عن الأمم المتحدة فيما يخص القضية الفلسطينية»، واصفاً إياه بالمهنية وبالمعالِج لـ»جذر القضية وهو عنصرية الكيان الصهيوني وفرضه نظام فصل عنصري (أبارتهايد) على شعبنا الفلسطيني برمته، ما يشكّل جريمة ضد الإنسانية حسب القانون الدولي»، داعياً الدول العربية والإسلامية للمبادرة «من خلال مجموعة الـ77 في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبالتعاون مع الإسكوا وغيرها، لإصدار قرار يتبنى خلاصات هذا التقرير ويطلب من محكمة العدل الدولية إصدار رأي استشاري، ومن محكمة الجنايات الدولية إطلاق تحقيق في هذا المجال». وأمل فخرو أن «تتم مناقشة هذا الموضوع في القمة العربية القادمة، وأن تتبنى جامعة الدول العربية هذا التقرير وخلاصاته والقيام بتحرك دبلوماسي سياسي مكثف لفضح هذه الجريمة ومحاسبة الكيان الصهيوني عليها وحشد الدعم والمبادرات بهدف تفكيك نظام الفصل العنصري الإسرائيلي».

العدد 5307 - السبت 18 مارس 2017م الموافق 19 جمادى الآخرة 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً