العدد 5308 - الأحد 19 مارس 2017م الموافق 20 جمادى الآخرة 1438هـ

منصور الذي...

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

يجيء الموت خاطفاً... أنيقاً في ذوقه واختياراته دائماً... ويرحل بمن نحب من دون أية مقدمات تاركاً بصمته المزعجة على قلوبنا.

يرحل تاركاً ميراثاً من الفقد، من الحزن العميق الذي لا يرحل.

من ذكريات لم تعد إلا صوراً في الذاكرة التي لا تستكين، وحسرة في الروح.

جاء هذه المرة خاطفاً «منصور المبارك» الرجل الذي أحبه كل من حوله. الصديق الذي ما فتئ يمتص حزن أصحابه، ويرسم ابتسامات وضحكات على قلوب محبيه كلما تكلم أو تذكر أو ألقى شعراً.

يعرف متى يتحدث ومتى يصمت. يناقش الفكرة مهما اختلف معها، كما لو كانت ابنة قناعاته ليصل في النهاية إلى ما يريد قانعاً أو مقتنعاً.

يقرأ الشعر كما يكتبه، فيرسم عالماً من النقاء.

وكلما اجتمعنا لمناقشة كتاب كان عنواننا الجديد للشهر الجديد، ننتظر دوره في الحديث، هو الذي يجيد مناقشة كل فكر، فيتحدث كما لو أن بإمكانه تبني أية فكرة مهما كانت غريبة عليه. يفكك، يحلل، ويربط ويقارن، ثم بـ «قفشاته» المعهودة يرسم الابتسامة على الجميع.

ذكي في مشاعره، بارع في قوله، متميز في حضوره. له في كل مجلس ثقافي مكان، وفي كل فكرة حضور.

هادئاً يجيء حتى يظنه من يلتفت إليه مجرد نسمة عابرة، وحين يتحدث يعرف حجم فكره وجمال قلبه.

جاء الموت هذه المرة وأخذه، على غفلة منا، نحن الذين كنا نثق بأنه سيبقى ويعود إلينا كما كان. وفي لحظة وجدتني أتساءل: كيف يختار الموت رجلاً بهذه القامة؟ بهذا الحضور؟ بهذا التميز؟

لماذا يختار الأنقياء دائماً؟ فيجيء ثقيلاً مقيتاً؟

ولولا ثقتي بالله وإيماني بقدره لاستمرت التساؤلات في قلبي، غير مصدقة أن هذا هو الرحيل الأخير.

وحين شاهدتُ فيديو تشييعه إلى مثواه الأخير، صدقتُ رحيله، أو أكاد، وتيقنت أن نقاءه كان أكبر من أن تلوثه هذه الحياة، فأراد له الله الرحيل.

هو الذي تألم كثيراً بقدر ما أسعد أهله وأصحابه وجميع معارفه. نازل مرضاً شرساً، وأبى إلا أن يقاومه، لولا مشيئة الله التي سبقت انتصاره عليه.

من مثله؟ يكتب وقت اشتداد مرضه قصيدة شكر لكل الطاقم الطبي الذي رعاه، ويعلقها على باب غرفته، وبهذه الإنسانية الاستثنائية يلقى الجميع.

لكن، هو الموت الذي لا يفرق بين طيب وجاحد. بين صغير وكبير. القدر الذي لا يفر منه أحد. والغصة التي لا تبرح القلب.

رحمك الله يا «خال» الجميع، بقدر ما كنت نقياً رائعاً...

ولكن... مبكرٌ هذا الرحيل علينا.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 5308 - الأحد 19 مارس 2017م الموافق 20 جمادى الآخرة 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 21 | 12:28 م

      رحمك الله برحمته الواسعه و حشرك مع محمد وال محمد الطيبين الطاهرين

    • زائر 19 | 5:37 ص

      رحمك الله ياأبا محمد .. صاحبتك في مرضك وعرفت معدنك الأصيل .. كنت أتألم عندما تتألم حين يأتي الطبيب ليغرز إبرة المغذي في يدك .. كنت أتألم عندما تتألم على فراشك .. لم يغفو لي جفن عندما أكون معك .. وعندما لاأكون معك أغفو ولكن بقلق .. فرحمك الله ياأبا محمد

    • زائر 18 | 3:32 ص

      صح لسانك وجزاك الله خير .

    • زائر 16 | 1:59 ص

      اللهم بحق النبي محمد وآل محمد صل على محمد وآل محمد وارحمه برحمتك الواسعة وأسكنه فسيح جناتك
      ، عظم الله أجوركم. كثير من الوقت الذي يعطيه الله سبحانه وتعالى لعباده ليتكاملوا ويتعظوا ، وتلك فيها توفيقات، المرحوم كان موفقا في كثير من حياته، الخاتمة الحسنة لها قيمتها في سيرة الإنسان وتاريخه.

    • زائر 15 | 1:26 ص

      الصديق
      ليس هُناك أشد قسوةً وألماً على الشخص أكثرُ مِن أن يسمع نبأ وفاةِ صديقٍ كان أخٍ له. خاصةً إذا ما كان الصديق وفياً صادقَ الوعدِ لهذهِ الصداقة لآخرِ لحظةٍ قَبل أن يأخذهُ الموت.
      على الرّغمِ مِن أنّ الموت حقٌ على كُلِ إنسان، إلا أنّهُ الأقسى والأصعب والأفجَع على النفسِ، ولا يبقى لنا سوى تذكُر الذكريات التي كانت تجمعنا معهُ والدعاء له في قبره.
      وداعاً يا أبو محمد "منصور"
      ????????????

    • زائر 20 زائر 15 | 7:15 ص

      عشت مع منصور قرابة 15 عام. وكنت اعرف منصور الشاعر المؤمن الطاهر صافي القلب لكني اليوم ادرك اني فقدت جوهرة ثمينة كانت بين يدين لم احسن الاستفادة منها ولم اقدرها حق قدرها. آه يامنصور الم يعتصر فؤادي وجوى يحرق بلهيبه صدري

    • زائر 14 | 1:11 ص

      هكذا الموت لا يأخذ الا الطيبين , الله يرحم جميع شبابنا من رحلوا وأفجعوا القلوب وساعد الله قلوب الوالدين.

    • زائر 12 | 1:04 ص

      كم كان رائعا بشهادة كل من عرفه

    • زائر 11 | 12:59 ص

      أحسنتِ أستاذة،
      رحمه الله أبا محمد، كان نقيًا عظيمًا في حضوره وفكره متواضعًا لا يحب الظهور.

    • زائر 10 | 12:45 ص

      رحمك الله يا آبامحمد

    • زائر 9 | 12:44 ص

      افجعنا رحيله وحتى هذه اللحظة لم نستوعب بأنه رحل عنا للابد .. فهو للابد باقيا بيننا وفي قلوبنا .. رحمك الله يا عمي الغالي ????????

    • زائر 8 | 12:40 ص

      ام علي

    • زائر 7 | 12:37 ص

      أحسنت يا إبنة دهنيم. ورحمك الله يا خالي منصور رحمة الأبرار والصديقين. الخال الصديق الذي لا يعوض.

    • زائر 6 | 12:29 ص

      رحمك الله يا ابومحمد.... كم اشتقت للقاءكم والجلوس معكم كما كنا نفعل في بداية المرحلة الجامعية بالتسعينات....تلك كانت اخر كلماته لي, وللاسف لم يمهلنا القدر لكي نحقق هذه الامنية الغالية على قلوبنا, فكان بدلا من ذلك رحيلا اكثر قسوة!
      وشكرا لك اديبتنا الانسانة النقية على هذه اللفتة الجميلة

    • زائر 5 | 12:14 ص

      أفجعنا رحيلك السريع بماذا أذكرك ؟بابتسامتك و ضحكاتك ؟ام بذكريات الطفولة ؟ سأضل اذكرك مدى العمر.. رحمك الله خالي العزيز

    • زائر 4 | 12:02 ص

      هناك أناس أمثال ابن قريتي المرحوم منصور تحسبهم مغمورين وبالكاد تسمع من يأتي بسيرتهم وذلك لكونهم يعملون في صمت ودون رياء ، مجبولون على التواضع رغم أنهم يتحلون بأرقى الصفات . رحمك الله يا منصور وأكرم مثواك ورفع قدرك في عليين تلك المكانة التي أنت جدير بها بعيد عن طنطنة وزيف هذه الحياة البائسة التي باتت كئيبة وموبوءة بكل أشكال الزيف ولم تعد قادرة على استيعاب أمثالك. لك الرحمة والرضوان ولذويك ومحبيك الصبر والسلوان.. محمد منصور عباس

    • زائر 3 | 11:41 م

      منصور..ابا محمد..أحببناك..من المهد الى اللحد..و سنبقى على العهد ماضون..صابرون..موقنون أن ما عند الله خير و أبقى..

    • زائر 2 | 11:37 م

      الله يرحمه برحمته الواسعة ويسكنه فسيح جناته إنا لله وإنا إليه راجعون

    • زائر 1 | 11:28 م

      الله برحمه ويسكنه فسيح جناته ????????

    • زائر 13 زائر 1 | 1:10 ص

      الله يرحمك ابا محمد برحمته الواسعة.وانا لله وانا اليه راجعون..
      الفاتحة.

    • زائر 17 زائر 13 | 3:20 ص

      الله يرحمه برحمتة الواسعة التي وسعت كل شي

اقرأ ايضاً