العدد 5313 - الجمعة 24 مارس 2017م الموافق 25 جمادى الآخرة 1438هـ

الهجرة «العكسية» للمسلمين... أميركا مثالاً

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

نتائج الاستطلاع التي نشرها معهد السياسة الاجتماعية والتفاهم حول مسلمِيْ أميركا تبدو صادمة. لقد قال: «أكثر من واحد من بين كل ثلاثة مسلمين أميركيين» هم «يخشون من أن يكونوا عُرْضة للاستهداف من جانب جماعات عنصرية بعد انتخاب دونالد ترامب رئيساً» بحسب «رويترز».

وفي تفصيل أكثر فقد بيّن الاستطلاع «أن 38 في المئة من المسلمين الأميركيين يخشون أن يتعرضوا للاستهداف من جماعات عنصرية وهي نسبة أعلى من أي أصحاب ديانة أخرى». وأن «واحداً تقريباً من بين كل 5 مسلمين لديهم خطط لمغادرة الولايات المتحدة إذ بات ذلك ضرورياً».

كما أظهرت النتائج أن 42 في المئة من المبحوثين قالوا بأن «أطفالهم تعرَّضوا للترهيب في المدارس بسبب ديانتهم»، بزيادة بلغت 4 أضعاف المعدل بين الأميركيين عموماً. وبحسب القراءة التي خرج بها المعهد فإن «معدل تصويت الناخبين البالغين المسلمين» قد يصل «إلى أقل من المعدل المتوسط».

وهو ما أظهرته النتائج العددية حين أدلى 61 في المئة «فقط من المسلمين بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بما يقل عن أصحاب أي ديانة أخرى أو الناخبين عموماً» كما جاء. بل إن واحداً من بين ثلاثة مسلمين قالوا بأنهم لم «يدلوا بأصواتهم في الانتخابات لأنهم لم يفضلوا أياً من المرشحين»، سواء مرشّح الجمهوريين دونالد ترامب أو مرشّح الديمقراطيين هيلاري كلينتون.

الغريب في الأمر ليس هذا فحسب، بل إن نسبا لا بأس بها من ديانات أخرى أبدت ذات الهواجس بحسب الاستطلاع. فقد قال «27 في المئة من اليهود و11 في المئة من البروتستانت و8 في المئة من الكاثوليك الرومان و16 في المئة ممن لا ينتمون لديانة مثل هذه المخاوف» حتى ولو كانت نسباً قليلة.

هذا الأمر مخيف جداً ويهدد وحدة أميركا. فالولايات المتحدة التي تَشَكَّل جزءا هاما من هويتها على الجاليات المسلمة المهاجرة، وعلى الإسلام كمكوّن ثقافي، تبدو اليوم وكأنها «دولة طاردة». في الملف الذي خصّصناه لقرارات ترامب حول الهجرة ونُشِرَ في الـ 08 من فبراير 2017، ذكرنا شيئاً من تاريخ المسلمين «المتجذر» في الولايات المتحدة، إلى الحدّ الذي كان فيه بعض رؤساء أميركا لهم نَسَب ديني مع الإسلام.

وإذا كان كان الحال كذلك، فضلاً عن انتماء ما بين 15 و30 في المئة من العِرق الزنجي إلى الديانة الإسلامية خلال فترة الرِق، فماذا يعني ذلك سوى رسوخ المسلمين في الهوية الأميركية. أما اليوم، فإن الأرقام التي تُسجّل من هناك حول الأدوار التي يلعبها أميركيون مسلمون في الحياة العامة فهي كافية لتأكيد ذلك التاريخ الممتد لحضور ذلك المكوّن هناك.

قبل أزيد من شهر علقت الجمعية الطبية الأميركية على قرار ترامب حظر دخول مواطني عدة دول ذات غالبية مسلمة بأن «القرار يضع حواجز أمام الرعاية الصحية من خلال منع الأطباء الأجانب من العودة للبلاد أو استخراج تأشيرات سفر»، إذ إن الأجانب يُمثلون 1 من بين كل 4 «أطباء يمارسون المهنة في الولايات المتحدة» الأميركية. وهي نسبة كبيرة يجب أن يُنظر إليها بمزيد من التفكر.

لو أتينا إلى مدينة كليفلاند بولاية أوهايو والمعروفة بمستشفياتها الراقية سنجد أرقاماً باهرة للوجود الإسلامي فيها (أعني الأميركيين من أصول مسلمة أو هم من المهاجرين). فـ براين هامبلي رئيس منظمة «متآزرون ضد ترامب» قال بأن 10 اخصائيين في الطب ينتسبون للمنظمة التي يرأسها، وأن برامج الإقامة في المستشفيات تضم «ما بين عشرة إلى عشرين طالب طب مسلما».

وتشير إحدى الطبيات العاملات في المدينة إلى أن 90 في المئة «من أصدقائها هم أطباء أو يعملون في» الحقل الطبي. بالتأكيد، فإن ذات الأمر ينسحب على بقية التخصصات والمجالات، إن كان في الهندسة أو التجارة، بل وحتى وكالة ناسا للفضاء والمجال الرياضي والترفيهي بصورة عامة.

لا أعلم هل سيمحو ترامب من ذاكرة أميركا المهندس فضل الرحمن خان الذي شيّد ناطحات السحاب الأميركية؟! أم سينسى الملياردير شهيد خان صاحب شركة فلكس إن غيت ونادي فولهام، وهو الثري رقم 360 على مستوى العالم؟! وهل سيغيب عن باله أسماء أبطال كبار في كرة السلة رفعوا شأن الولايات المتحدة مثل «شاكيل أونيل وكريم عبدالجبار وحكيم أولاجوون»؟!

ماذا سيقول ترامب للأميركيين البِيض عندما يخاطبونه بأن أيوب أمية المسلم الأميركي ومخترع طريقة القسطرة البطينية «لسحب السائل النخاعي» هو مَنْ أنقذهم من الموت المحقق. وكذلك الحال مع العالِم الراحل أحمد زويل والطبيب الشهير عبدالرحمن السيد وغيرهم بالآلاف.

لقد كان ترامب يقول في بادئ الأمر إن إجراءاته في الهجرة هي تستهدف مَنْ سيأتون إلى أميركا بنوايا شريرة، لكن الجميع كان يقول حينها ويُقدِّم النصح له بأن ما يقوم به يستهدف الأميركيين المسلمين كذلك، الذين سيدفعون ثمن تنامي خطاب الكراهية الذي بدأ يتعاظم، وهو ما حصل اليوم بالفعل، وهو في طريقه للتفشّي أكثر كجائحة المرض تماماً.

هذا الأمر لم ولن يُفِدْ الولايات المتحدة بل سيضرّها لأنه يُهشِّم جانباً من جسم هويتها التي بُنِيَت على مدى 500 عام ومازالت تتشكل.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 5313 - الجمعة 24 مارس 2017م الموافق 25 جمادى الآخرة 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً