العدد 5317 - الثلثاء 28 مارس 2017م الموافق 29 جمادى الآخرة 1438هـ

قمة البحر الميت وتحديات الواقع

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

تعقد القمة العربية على خلفية متغيرات دولية، في مقدمتها عهد دونالد ترامب كرئيس جديد له اعتباراته وحساباته المتعلقة بإحداث تغيير في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وتحديداً تجاه القضية الفلسطينية، والأزمة السورية، ومطالبته دولاً عربية بتمويل حروبها وتسديد فواتيرها لقاء الحماية التي تتلقاها من بلاده.

تعقد القمة في ظروف إقليمية استثنائية معقدة تتصدرها خلافات وتجاذبات حادة بشأن الأزمة السورية الممتدة منذ ست سنوات، وتأثيرات التدخل الروسي والإيراني والتركي كأطراف رئيسية في مجريات الصراع، إلى جانب انعدام الثقة في علاقات بعض الدول العربية المؤثرة، واتساع الفجوة الهائلة بين الشعوب العربية وحكوماتها لجهة فشل الدولة في التصدّي بجدية إلى مهامها الوطنية والقومية، فضلاً عن انعدام العدالة الاجتماعية وسيادة الفساد وانتشار الفقر والبطالة، وكلها بيئة تحفز على حالة الاستقطاب الشديدة بين الحكومات وشعوبها، وبما أفسحته من مجال واسع للاختراقات الأجنبية. وهذه الظروف خلقت مزاجاً شعبياً من اللامبالاة، بل والتشاؤم تجاه القمة.

نصدّق من؟

يجتمع الزعماء العرب اليوم في قمتهم في الشونة بمنطقة البحر الميت، أخفض بقعة في العالم، وعلى مقربةٍ من خاصرة فلسطين المحتلة، علّ القرب الجغرافي يذكّرهم بمسئولية عدم التفريط بأمانة القضية الفلسطينية، خصوصاً أن هناك من نقل على لسان أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط توقعه «بأن يطرح الفلسطينيون مشروع تسوية سياسية جديدة»، وردّ مسئولون فلسطينيون «بأن لا شيء من هذا القبيل مطروح»، في حين تركّزت تصريحات مسئولين أردنيين على «حلّ الدولتين» على أساس خطوط 4 يونيو 1967. في المحصلة؛ المواطن العربي يصدّق من؟ لا ندري!

أبرز المدعوين لحضور القمة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، وهو ذاته الذي ضغط وطلب قبل أسابيع سحب تقرير «الأسكوا» عن «نظام الأبارتهايد الصهيوني»، والذي إثر ضغطه استقالت المديرة التنفيذية للاسكوا ريما خلف؛ إضافةً إلى مبعوثين رئاسيين من الولايات المتحدة وروسيا، وآخر عن الحكومة الفرنسية ومعهم المبعوث الدولي للأزمة السورية ستيفان دي ميستورا، كي يطلع المسئولين على مستجدات مفاوضات «جنيف 5» التي تدور بشأن المرحلة الانتقالية في سورية ومكافحة الإرهاب، ذلك على رغم علم الجميع أن لا تقدم محرز حتى اللحظة لحل النزاع الدموي.

أما الدول العربية فستتمثل كما ذُكر بـ22 دولة باستثناء سورية المعلقة عضويتها منذ 2011، وتثار بشأن عضويتها الخلافات حيث تعارض كل من الجزائر ومصر والعراق وعُمان منح المقعد السوري في الجامعة العربية للمعارضة، ووسط توجّه بعودتها تبعاً لتطور العملية السياسية، كما يغيب عن القمة بعض الزعماء لأسباب صحية أو غير معلن عنها.

سقف التوقعات

يتخوف الأردنيون كونهم إحدى دول الجوار التي تستضيف أكثر من مليون لاجئ سوري في ظل أزمة اقتصادية تتفاقم، ولأنهم الدولة الحاضنة للقمة العربية؛ يتخوفون من مسئولية فشلها وتعثرها، الأمر الذي دفع الكثير من الأصوات الإعلامية، المطالبة بالواقعية، والحذر بخفض الخطاب السياسي والإعلامي في الرهانات لإحداث أي اختراق في الوضع العربي المعقد. بل ودعا بعضهم لعدم التورط في رفع سقف التوقعات، لأن الأردن من وجهة نظرهم لا يملك في حقيقة الأمر سوى تقليص فجوات الاختلافات أثناء القمة، خصوصاً أن الجامعة العربية كمسئولة وحاضنة تعيش أسوأ أوقاتها وعجزها في اجتراح حلول، أو إنتاج مقاربات للمشاكل والخلافات العربية. ولم يغفل بعضهم الإشارة إليها بأصابع الاتهام، بالوقوف العاجز أمام احتلال العراق، وغزو ليبيا، وأخذ دور المتفرج إزاء ما يحدث في اليمن وسورية.

إن وضع الدول العربية وما حدث بينها من انقسامات لا تشجع شعوبها أصلاً على التفاؤل في وصول القمة إلى نتائج وخطط طريق باتجاه فك مغاليق الحالة الشائكة، لم لا؟ والصراعات العربية المدمرة أكبر وأعمق من أن تجد لها حلولاً ناجعة في قمة مدتها أيام، بل وفي غياب دول عربية كانت رائدةً يوماً ما، ودخلت دائرة الوصف بـ»الدولة الفاشلة»، وأخرى تترنح بين الاضطرابات بفعل تداعيات الربيع العربي وغياب أي مشروع نهضوي عربي يحد من حال الاستنزاف وينهي الصراع. أما أجندة المواضيع التي تداولتها وسائل الإعلام لما قد يناقش بالقمة؛ فهي القديم الجديد، الذي سيتحدّد في نهاية المطاف تبعاً للتوازنات الإقليمية ومصالح كل دولة على حدة.

أجندة القمة

اختلفت الآراء والظنون بشأن ما سيتم مناقشته، وما ستحمله القمة من مشروع غامض لتسوية القضية الفلسطينية، على رغم أن المشهد العربي السياسي لم يتغيّر؛ بل ازداد سوءًا بسبب ظروف الاحتراب.

التوقعات عند البعض كبيرة، بيد أن التحديات عميقة أيضاً، وحسب التقارير فإن أجندة القمة المعلنة ستبحث 17 بنداً، يتطرّق مجملها لقضايا عربية على رأسها التطورات السياسية للقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، وتفعيل مبادرة السلام التي أطلقت في قمة بيروت عام 2002، ووضع آليات لإعادة الزخم إليها دولياً، وبهدف عرقلة مشاريع أي حلول دولية لا تعتمد حل الدولتين، وكذلك مناقشة تطورات أوضاع القدس وملف الاستيطان. إضافةً إلى ملف إصلاح الجامعة العربية كي تستعيد دورها في تصدر القضايا الإقليمية، والأهم الأزمة السورية والعلاقات مع نظام الرئيس بشار الأسد، وبحث التهديدات الإقليمية المتنامية لإيران وتدخلها في الشئون الداخلية للدول العربية واحتلالها للجزر العربية الثلاث التابعة لدولة الإمارات، إلى جانب اتخاذ موقف عربي إزاء انتهاك القوات التركية للسيادة العراقية، وحرب اليمن وليبيا والانقسام المذهبي الذي يزداد اتساعاً في العراق.

أخيراً محاربة الإرهاب والإسلام المتشدد من خلال منع تدفق عناصره عبر الحدود، وتجفيف مصادرهم التمويلية، والمواجهة الفكرية والأيديولوجية للتطرف والإرهاب. لكن ماذا عن ما وراء الكواليس من تفاهمات بشأن مواضيع مصيرية غير معلن عنها؟

يتردد في الشارع العربي بأن القمة ما هي إلا غطاء سياسي لتمرير مخطط لعقد مؤتمر بين الدول الغربية وبعض الدول العربية والكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تحت مسمى الحل للقضية الفلسطينية، فضلاً عن تعزيز سياسة التطبيع مع الكيان الصهيوني.

خلاصة الأمر أن التحديات التي تواجه القمة كبيرة، لجهة تضارب الأولويات والمصالح بين الدول العربية، كما أن أوساطاً إعلامية وسياسية لا تتوقع أن تؤدّي القمة إلى نتائج عملية، بل ستكون حالها كحال سابقاتها من القمم التي لم تطبق فيها القرارات المنبثقة ولم يكن لها أي تأثير على المنطقة، ونادراً ما تقاربت نتائجها مع توقعات الشعوب العربية وتطلعاتها. والأسوأ يكمن في احتمالية تغيير سياسة الولايات المتحدة في التعاطي مع القدس الشرقية ومستوطنات الضفة الغربية، ما يعني انهيار حل الدولتين، وفي سياقه توقعات محلل مصري من تبني الجامعة العربية لموقف جديد من الصراع العربي الإسرائيلي تُستبدل فيه معادلة «الأرض مقابل السلام» بمعادلة «تأييد إقامة الدولة الفلسطينية مقابل التطبيع العربي مع إسرائيل». صدقاً ما كتبه سياسي سوداني مخاطباً القمة «أن القوة الواعية في الجسم العربي تتطلع بإشفاق لهذا المؤتمر أن يكون في مستوى التحديات، ويصير قمة حقيقية أم يكتفي بظاهرة علاقات عامة تحوم حول الحمى ولا تدخله».

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 5317 - الثلثاء 28 مارس 2017م الموافق 29 جمادى الآخرة 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 1:17 ص

      لا خير يرتجيه المواطن العربي من هذا التجمع، ولن يأتِ بجديد

اقرأ ايضاً