العدد 76 - الأربعاء 20 نوفمبر 2002م الموافق 15 رمضان 1423هـ

قضية هاشم آقاجري... والطريق الوسط

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

تتقاذف الساحة الايرانية على هامش حكم الاعدام بحق الاستاذ الجامعي هاشم آقاجري وتبعاته الاحتجاجية رياح متضاربة تتجمع بشكل رئيسي في صورة موجتين متعاكستين.

موجة تدعو إلى فصل فوري بين المؤسسة الدينية وسلطة الحكم منعا لما يسمونه خطر احتمال اعادة انتاج للاستبداد بغطاء ديني سيكون اخطر من استبداد النظم العلمانية السابقة على عهد الجمهورية الاسلامية الايرانية الحالي.

وموجة اخرى تدعو إلى تشديد يد قبضة الاشراف المؤسساتي الديني على السلطات السياسية منعا لما يسمونه خطر احتمال إعادة انتاج السيطرة الاستعمارية الخارجية على البلاد ستكون هذه المرة اخطر من عهد الحكومات العميلة للاجنبي - التي سبقت حكم البلاد قبل نجاح ثورة 1979 الاسلامية.

ان تكون اصلاحيا في ايران اليوم لابد لك من التعاطف مع موجة التضامن الطلابية مع الكاتب والاستاذ والجامعي المتنور هاشم اقاجري ولا بد ايضا من استنكار حكم الاعدام بحقه، لانه لا يمكن ان يكون منصفا ولا متناسبا مع ما قاله اقاجري.

لكن في المقابل ان تكون «خاتميا» اذا جاز لنا مثل هذا التعبير، فانك لا يمكن ان تقبل بالدعوة لفصل المؤسسة الدينية عن الحكم ناهيك عن القبول بما ذهب اليه آقاجري بالقول «بان الدين افيون الشعوب». أو ان فكرة التقليد التي يتميز بها افراد الطائفة الشيعية من المسلمين اشبه «بعمل القرود»! ايا تكن الحيثيات التي وردت فيها اقوال آقاجري والسياقات التي وضعت فيها!.

فخاتمي وصل إلى سدة الرئاسة مرشحا بالاساس عن طرف اساسي من «المؤسسة المدنية» وهو يمارس مهامه الرئاسية مدعوما منها وبها، وهي اذ تحمل قراءة مستنيرة واصلاحية ومتطورة و«متسامحة»! للدين إلا انها لم تقل ولا مرة بانها تطالب بفصل المؤسسة الدينية عن سلطة الحكم، بل وقد ادانت بشكل صريح ما جاء على لسان آقاجري وكذلك ما ورد في بيان حزب جبهة المشاركة الراديكالي الموالي للرئيس محمد خاتمي، والذي طالب بفصل المؤسسة الدينية عن سلطة الحكم.

من جهة اخرى فإن كونك «محافظا» أو تنتمي للفكر الديني التقليدي في ايران فإن من حقك ان تقلق من سماع صيحات المطالبة بفصل المؤسسة الدينية عن سلطة الحكم وان تتخوف من احتمال تحول الاصلاح إلى «جسر» لعبور ارادة القوى لاجنبية الرامية لاعادة السيطرة على البلاد والتدخل بكل صغيرة وكبيرة فيها.

لكنه ليس من حقك ابدا ان تتخذ قرارا «باعدام» حرية البيان والتعبير وتسلط سيف «الامن القوي» مرة وسيف «الدين» مرة اخرى على النخب والجمهور بهدف فرض قراءتك الخاصة ومفهومك الخاص عن الدين والدنيا والعلاقة بينهما.

خصوصا وان هذه الحرية قد كفلها الدستور بشكل صريح ولا لبس فيه، كما ان التجارب التاريخية اثبتت بما لايدع مجالا للشك والترديد بأن مقارعة الفكرة بالسيف وسلطان القوة ليس فقط لايخدم اصحاب الفكرة والمضادة لها بل ويجعلهم عقبة امام حركة التاريخ وتقدم البشرية.

واذا كانوا يريدون استخدام غطاء الدين فانهم سيضرون بالدين ايضا وليس بالمتدينيين فقط.

وحدها القراءة الدستورية والقانونية والعقلانية للعلاقة بين المواطن والحاكم وتنظيم الجدل الدائر بين الرأي والرأي الاخر وعلى اساس حقوق المناظرة واتباع الاحسن كما يأمرنا القرآن الكريم هي السبيل الوحيد للخروج من المأزق الحالي.

بين موجة الخروج على «التقليد الديني» باي ثمن كان وبين موجة الخروج على «تجديد الفكر الديني» وبأي ثمن كان يقف الرئيس محمد خاتمي بمثابة صمام الامان الذي يمنع خطر التكلس كما خطر الانفجار.

ايران اليوم على مفترق طرق اعادة صوغ هويتها الوطنية والتاريخية، والطريق الاقصر الذي يوصلها إلى ساحل الامان يكمن بنظر الكثير من المطلعين على الشأن الايراني في ضرورة الاستعانة بالطريق الوسط التي تقول بأن ثقافة المجتمع الايراني وحضارته وتراثه ودينه يجمع على نظرية الاعتدال السياسي والوسطية الفكرية والحنيفية السهلة السمحة في التشريع الديني والتي يلخصها بيت الشاعر الايراني الكبير حافظ الشيرازي:

المروءة مع الصديق والمداراة مع الخصم

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 76 - الأربعاء 20 نوفمبر 2002م الموافق 15 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً