العدد 5327 - الجمعة 07 أبريل 2017م الموافق 10 رجب 1438هـ

فترة الدولة العيونية: سترة وأُكُل والتاريخ غير الموثق

العديد من المناطق في البحرين لم يتم التنقيب فيها، بل لم تتم فيها عمليات مسوح آثارية، والعديد من هذه المناطق تقع على الساحل الشرقي للبحرين، كجزيرة سترة وجزيرة النبيه صالح. يذكر أن هاتين الجزيرتين كانتا ذات أهمية كبيرة في فترة الدولة العيونية (1077 - 1239م)؛ حيث ذكرت جزيرة النبيه صالح باسم جزيرة أُكُل وذلك في معاهدة الصلح التي أبرمت بين الأمير العيوني فضل بن محمد بن أحمد وملك جزيرة قيس، غياث الدّين شاه بن تاج الدين جمشيد، هذا، وقد كان من ضمن التنازلات أن يأخذ ملك جزيرة قيس جزيرة أكل ومقاسمها، وخراجها، وبرّها، وبحرها، وما يتعلّق بها (الجنبي وآخرون 2012، ج5، ص 2996 - 2997).

يذكر، أن أول مدرسة فقهية تأسست في البحرين كانت في جزيرة النبيه صالح وذلك في نهاية القرن الثاني عشر الميلادي، أي في فترة الحقبة العيونية، كما أن ثاني مدرسة فقهية تأسست في جزيرة سترة في القرن الثالث عشر الميلادي، وقد ذكرنا تفاصيل ذلك في الحلقة السابقة. إضافة لذلك، كانت كلا الجزيرتين تعد من أغنى المناطق في البحرين من حيث مصائد الأسماك والزراعة والعيون الطبيعية التي تعتبر عصب الحياة في تلك الفترة. كل هذه المعطيات التاريخية والطبيعية تعطي هذه المناطق ثقلاً استراتيجياً، وربما كانت هذه المناطق من أكثر المناطق كثافة في فترة الدولة العيونية.

هذا، وقد كانت جزيرة سترة محط أنظار الطامعين في الاستيلاء على أوال في فترة الدولة العيونية، ولا بد لنا أن نتسلسل في سرد تاريخ الدولة العيونية للتعرف أكثر للمناطق ذات الثقل والتي لم يسلط عليها الضوء من خلال عمليات التنقيب الآثارية.

التطور السياسي للدولة العيونية

شملت الدولة العيونية في بداية تأسيسها ثلاث مناطق أساسية، أوال (البحرين الحالية)، والقطيف والإحساء في شرق الجزيرة العربية، هذا، واستمرت الدولة العيونية قرابة 163 عاماً، ويعتبر عبدالله بن علي العيوني مؤسس الدولة العيونية الذي بدأ حكمه قرابة العام 1075م. ولا يعرف على وجه الدقة في أي عام توفي عبد الله بن علي، وتسلم بعده الحكم ابنه الفضل، والذي توفي في العام 1126م، وتسلم الحكم من بعده ابنه أبو سنان محمد بن الفضل بن عبدالله العيوني. وفي عهد أبي سنان، بدء طور النزاعات في الدولة العيونية؛ حيث دخل هذا الأخير في صراعات مع عميه الحسن وعلي أبناء عبدالله، انتهت بحرب معهما ومقتله في العام 1143م، وبعدها انقسمت الدولة العيونية إلى ثلاثة أقسام، الأحساء، ويحكمها علي بن عبدالله، وأوال، ويحكمها الحسن بن عبدالله، والقطيف ويحكمها غرير بن الفضل بن عبدالله. وهذا الأخير لم يستمر في حكم القطيف طويلاً؛ حيث استولى على حكمها الحسن بن عبدالله وضمها إلى أوال قرابة العام 1144م (الشرعان 2002، ص 58 - 60).

وفي عهد الأمير الحسن تم إنشاء دور لسك العملة في عددٍ من مناطق البحرين الكبرى، عرف منها الخط وأوال، وقد سكت العمل فيما بين الأعوام 1149 - 1154م (وللمزيد حول هذه النقود يرجع لكتاب نقود الدولة العيونية في بلاد البحرين للشرعان).

توفي الحسن في العام 1154م بعد أن حكم القطيف وأَوال مدة إحدى عشرة سنة، وقد توفّي وله ثلاثة أولاد هم: شكر وعلي والزير، ولم يكونوا مؤهلين لتسلم السلطة بعده لحداثة سنهم، فتسلم الحكم عزيز بن مقلد بن عبدالله بن علي العيوني (1154 - 1160م). وفي عهد الأمير عزيز بدأت تظهر أطماع باكرزا في السيطرة على أوال. وباكرزا هو الملك جمشيد بن أسعد بن قيصر صاحب جزيرة قيس أو كيش وكان أشد ملوك بني الأسعد بن قيصر بأساً، وهو أول من تسمى بالملك، ولم يسمّ به أحدٌ من ملوك كيش قبله. وكان بداية ظهوره في عهد الأمير عزيز؛ حيث جاء إلى أوال فنهبها، وخرج منها بعد أن بقي فيها مدّةً (الجنبي وآخرون 2012، ج5، ص 2986 - 2988)، (الشرعان 2002، ص 69).

وفي العام 1160م قُتِل الأمير عزيز، قَتَلَه ابْنُ عَمّه هجرس بن محمد بن عبدالله، وتسلم الحكم مكانه، وكان في مدة مُلْكه سنة واحدة، ثمّ توفّي، فمَلَكَ بعده شكر بن أبي علي الحسن بن عبدالله بن علي (1161 - 1179م)، وكان في زمانه تجيء عساكر باكرزا إلى أوَال مراراً كثيرةً. وبعد وفاة الأمير شكر خلفه أخوه علي، وهذا الأخير أخذ أَوَال من باكرزا، في موقعة شهيرة عرفت باسم معركة سِتْرَة (الجنبي وآخرون 2012، ج5، ص 2988)، (الشرعان 2002، ص 69). وفي رواية أخرى أن معركة سترة حدثت في عهد الأمير شكر، وفي كلا الروايتين يوجد اتفاق على أن قائد الجيش كان الابن الثالث للحسن وهو الزير بن الحسن (الجنبي وآخرون 2012، ج4، ص 2351 - 2357).

معركة سترة

ذكرت تفاصيل معركة سترة في مخطوط ديوان ابن مقرب العيوني (الجنبي وآخرون 2012، ج4، ص 2351 - 2357)، وجاء من ضمن تفاصيلها:

أن الملك جمشيد المعروف بـباكرزا بن أسعد بن قيصر صاحب جزيرة كيش كان قد حارب البحرين، فجمع جموعاً عظيمة، وسار بها في المراكب حتى بلغ بها إلى جزيرة أوال يريد ملكها، فانحدرت تلك الجموع بتلك القرية التي تعرف بسترة. وكان مُلك القطيف وأوال يومئذ لشكر بن الحسن (وفي رواية أخرى ذكر أنه علي بن الحسن)، فلما بلغه ذلك ولّى أخاه الزير بن الحسن حرب باكرزا. فعبر الزير بالمراكب مع بعض الجند والخيل إلى أوال، وسار إلى جنود باكرزا، فخرجوا من البحر بالخيل والرجال، وكان خروجهم من تجاه أرض سترة، وخرج معهم أخو الملك وكان يقال له نامسار، فالتقوا بتلك الأرض، وكانت الغلبة للزير.

وكان عدد القتلى من أصحاب باكرزا ألفين وثمانمئة قتيلاً، ولم يفلت منهم غير القليل، وأسروا يومئذ (نامسار) اخا الملك باكرزا، وأتي به أسيراً إلى القطيف، وهرب الملك باكرزا بمن أفلت من القتل إلى جزيرة كيش، فلما بُلغ بنامسار أخ الملك إلى الأمير شكر منّ عليه وأطلقه بغير فدا وسيّره إلى كيش. وفي ذلك يقول ابن مقرب العيوني:

ويومَ سُتْرةَ منا كان صاحبُهُ لاقت به شامةٌ والجاشكُ الرَّقِما

ألفينِ غادر منهم مَعْ ثمانِمِئٍ

صرعى فكم مُرضَعٍ من بعدها يَتُما

الخلاصة، أنه من خلال الحقائق التاريخية التي تم سردها، إضافة لما تتمتع به جزيرتا سترة والنبيه صالح من موارد طبيعية، يبدو أن كلا الجزيرتين كانتا ذات أهمية كبيرة في فترة الدولة العيونية. كما أن التطور السياسي للدولة العيونية يكشف عن مواضع أخرى ذات أهمية كبير في تلك الفترة إلا أن نتائج الكشوف الآثارية لا تشير إلى ذلك. يتبع.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 3:55 ص

      تاريخ البحرين و بالخصوص سترة موجود و لكنه مدفون أو مخبأ عند الكثير من العوائل البحرانية و لربما كذلك موجود في بعض الدور التي لطالما كانت تنهب خيارات سترة في تلك الحقبة، و شكراً جزيلاً أستاذنا العزيز على هذا البحث و دعائنا لكم و لكل من يزودك بالمصادر بالتوفيق و الأستمرارية

    • زائر 2 | 7:34 ص

      للحين سترة مهمة لكن مهمشة

    • زائر 1 | 4:45 ص

      جميل

اقرأ ايضاً