العدد 5332 - الأربعاء 12 أبريل 2017م الموافق 15 رجب 1438هـ

أفكار تستحق النشر

عصمت الموسوي

كاتبة بحرينية

يختار البعض ركناً بعيداً ومتوارياً عند حضور الندوات والفعاليات الثقافية والسياسية والاقتصادية في بلدنا، فإن راقت لهم واصلوا الجلوس والاستماع إلى النهاية، وإن بدت مملة وباعثة على الضجر انسحبوا بهدوء أو راحوا يبحثون عن مهرب سهل في تسليتهم المعتادة هواتفهم، من الملام على هذا المسلك غير اللائق في ندوة عامة، المحاضرون المملون المكررون أم الحضور الذي جاء تواقاً لسماع شيء جديد ومختلف، متجشماً عناء الطرق والزحمة المرورية وصعوبة التوفر على موقف لسيارته، ومتيقظاً وخائفاً خشية الوقوع في فخاخ المخالفات المرورية؟

الهرب من الشاشات، شاشة التلفاز والحواسيب والهواتف إلى أحضان الندوات واللقاءات الإنسانية لطالما كان أمراً محبباً وجميلاً؛ لكن ما الذي حدث وما الذي صرف الناس وأبعدهم عن كل هذه الفعاليات؟ أهي الكثرة أم تشتت وتعدد الفعاليات؟ ما الذي جعل الحضور يتناقص ويتراجع حتى في أجمل وأحلى الأمسيات كما تساءلت زميلتي الصحافية هناء بوحجي قبل عدة أسابيع في مقالها؟ إنه الجمود والتكرار والنمطية والاستسهال.

ليس تطوير وتحديث القاعات وإعادة تصميم ديكوراتها أو تزيينها باللوحات والورود هو ما نحتاجه لترغيب الضيوف، وإعادة الحيوية إلى القاعات الفارغة، إنما التجديد الفكري والنوعي والكيفي، أين الجيل الجديد القادم من المدارس الخاصة والجامعات الأجنبية من هذه الندوات؟

أين الجيل التكنولوجي ذو الأفكار المختلفة والمشاريع المبتكرة الجديدة عن هذه القاعات؟

هل ننتظر انقراض عالم الندوات بشكلها الحالي الرتيب بانقراض روادها وضيوفها؟ قبل أن أسترسل في هذه الأسئلة أحيل القارئ إلى ما يسمى بمجتمع «تيد» العالمي Ted talks، هو مؤتمر سنوي ومنصة نقاش عالمية للحوار والتفاعل، تأسس العام 1984 في مدينة مونتريه بكاليفورنيا تحت عنوان «أفكار تستحق النشر» كان الهدف هو نشر الأفكار والخبرات بين البشر المختصين في ثلاث مجالات، التكنولوجيا والترفيه والتصميم وهو اختصار لمسماها، والاستفادة من المتميزين في هذه الحقول والاغتناء من تجاربهم ونقلها وتعميمها وتطويرها تجارياً؛ ولكنها تغطي اليوم كل الأفكار المتداولة في عالم معولم ومترابط، بدءاً من العلوم والإنسانيات، وشئون السياسة والاقتصاد والفن والإعلام وانتهاء بالتجارة، والفكرة هي إن الإنسان لن يغتني ويستزيد من العلم والمعرفة دون شراكة وتفاعل مع ما حوله.

المتحدث في «تيد» على عكس ما نعرف هنا في بلداننا وندواتنا، ليس أستاذاً جامعياً أو مفكراً مرموقاً بالضرورة؛ إنما هم شباب ورجال ونساء صغار وكبار اختبروا تجارب وعايشوا أحداثاً وقصصاً، وأنجزوا مشاريع تستحق النشر، يستخدم المتحدث في «تيد» كل الوسائل المتاحة من شاشات وأفلام وصور وبيانات وأبحاث، وكلمة المتحدث قصيرة ومختصرة ومكثفة وواضحة ودقيقة ومعبرة ومؤثرة، إذ إن المحاضر لا يصل إلى هذه المنصة إلا بعد أن يكون قد عمل وتدرب طويلاً؛ لكي ينتج مادة شيقة وجذابة ومبدعة تحمل الحضور على الإصغاء والانتباه إلى النهاية.

18 دقيقة فقط للمتحدث، وهو زمن مدروس علمياً، فالمعروف أنه بعد الثلث ساعة يتشتت الذهن وينصرف عن الاستماع مهما كانت المحاضرة، يترشح للمحاضرات مئات من الراغبين لحضور المؤتمر السنوي، ولا يفوز أو يجتاز الاختبار في هذه المنافسة إلا المتميزون والقادرون على تقديم الأفضل .

ولقد توسع مجتمع «تيد» وجرت محاكاته في أكثر من بلد، واستمر يعقد المؤتمرات العالمية الكبيرة، ويخصص الجوائز الكثيرة لأفضل فكرة أو مشروع أو حكاية، وترجمت محاضراته إلى لغات العالم المختلفة ومن ضمنها العربية.

ولعلها مفارقة أن يصل بعض شبابنا العرب من نساء ورجال إلى منصة «تيد» قبل أن يُعرفوا في أوطانهم، وقبل أن يتم استضافتهم في إعلام بلدهم.

إنّ نشر الأفكار المختلفة وتحفيز الحوار وقبول الاختلاف والاغتناء المعرفي، لن يتأتى ونحن داخل صناديقنا الضيقة والنمطية والمكررة، ننظر إلى أنفسنا ومرآتنا ولا نسمع إلا صدى أفكارنا.

إقرأ أيضا لـ "عصمت الموسوي"

العدد 5332 - الأربعاء 12 أبريل 2017م الموافق 15 رجب 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 8:58 ص

      بينما طار الانسان للفضاء ليست لدينا فكرة عن ايهما افضل الكتابه بقلم رصاص ام بقلم حبر? فهل المحادثه من جوايم الرهاب المسجله ماركتها عالميا??

    • زائر 2 | 6:47 ص

      مرحبا سيدة عصمت
      منصات تيد مشوقة و اطروحات جديدة دائما و من متحدثين يتسمون بالاجابية الشديدة و لا يسمح لهم بغير ٢٠ دقيقة فقط لوجود اكثر من متحدث في نفس الجلسة و هذا ما يعطي دافع للحضور و الاستماع اكثر بالاضافة الى معايير التقديم عالية جدا مما يسهل متابعة سلسة و بدون تشتيت للذهن و المتحدثون على سجيتهم بحيث ان ابني (١٤ سنة) بدءا متابعة بعض المواضيع التي تهمه.
      كثير من الندوات هي كرسي و طاولة يجلس المتحدث عليها حيث يفتقد المستمع الى رؤية لغة جسد المتحدث او الى رؤية حتى الوجه.
      د. حسن الصددي

    • زائر 1 | 6:14 ص

      حبذا لو تعمم هذه الفكرة ويتم تطبيقها لشبابنا ونرجو التعاون منكم ايها الصحفيين وابدأوا المشروع على بركة الله ، بالاستعانه مع الكفاءات والمختصين والخبراء والله ولي التوفيق والسداد .

اقرأ ايضاً