العدد 5337 - الإثنين 17 أبريل 2017م الموافق 20 رجب 1438هـ

انتخابات الجزائر: عين على الماضي وأخرى على المستقبل

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

على مسافة أيام قليلة من الانتخابات البرلمانية، تبدو الدولة الجزائرية واثقةً من نجاح هذه المحطة الانتخابية لا من حيث التنظيم والإقبال فحسب، وإنما أيضاً من حيث النزاهة والشفافيّة والاستقلالية، بفضل ترسانة جديدة من التشريعات سعى من خلالها البرلمان ورئيس الدولة إلى ضمان أعلى درجات ممكنة من النزاهة.

غير أنّ توجّساً مزدوجاً لا يكاد يبرح ذاكرة الكثير من الجزائريين، ألا وهو مدى صدقية الانتخابات وجدواها على رغم ما يظهر من ضمانات عالية لسير العملية الانتخابية، بالنظر إلى تجارب كثيرة وقديمة كان للتزوير فيها نصيب الأسد، إن لم يكن بالانقلاب الكليّ على نتائج الانتخابات (1991)، فبتغيير النتائج والعبث بصناديق الاقتراع كما يرى الخصوم والمعارضون والمقاطعون للانتخابات الحالية. أمّا التخوف الثاني فهو من فوز الإسلاميين الذين استعادوا وهجهم في الجزائر بعد المصالحة الوطنية.

أقر البرلمان الجزائري في السابع من فبراير/ شباط 2016، وبغالبية ساحقة داخل غرفتيه (المجلس الوطني الشعبي ومجلس الأمة)، القانون العضويّ رقم 16-10 المؤرخ في 25 أغسطس/ آب 2016 المتعلّق بتنظيم الانتخابات في الجزائر، حيث جرى إعادة النظر في القانون القديم للعام 2012، من أجل ضمان أعلى درجات نزاهة العمليات الانتخابية وشفافيتها. وتمّ بناء على ذلك استحداث هيئة عليا مستقلة تكلف برقابة الانتخابات، وهي هيئة تتمتع بالاستقلالية المالية والاستقلالية في التسيير، ويرأسها الدبلوماسي والوزير الأسبق عبد الوهاب دربال.

وإزاء هذه الجهود التشريعية المحمودة، انطلقت المعركة الانتخابية البرلمانية بمشاركة 11 ألف مرشح، موزعين على 940 قائمة تعود إلى 57 حزباً سياسياً، زيادةً على 1125 مرشحاً مستقلاً، ويصل عدد الناخبين المسجلين إلى 23 مليون شخص، ويتنافس المرشحون على 462 مقعداً بالمجلس الشعبي الوطني لمدة نيابية مدتها خمس سنوات.

واللافت في انتخابات مايو/ أيار 2017 بالجزائر، تكتّل مجموعة من الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية بعد أن كانت متفرّقةً طيلة عقدين من الزمن، وهي تسعى من وراء هذه التكتلات إلى ضمان حضور مؤثر في المجلس الوطني الشعبي. وقد تشكّلت هذه الأحزاب في قطبين بارزين، يمثّل الأول منهما تحالف الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء الذي ضمّ ثلاثة أحزاب إسلامية وازنة في المشهد السياسي غير الحاكم اليوم في الجزائر، وهي حركة النهضة الجزائرية وجبهة العدالة والتنمية وحركة البناء الوطني.

وأمّا القطب الثاني فهو تحالف انتخابي قد ينتهي بوحدة اندماحية بين حركة مجتمع السلم وجبهة التغيير. ولعلّ في تجمّع هذه الأحزاب شيئاً من الواقعية والعقلانية؛ إذْ لا يمكن لها متفرقةً أن تنافس الحزب الأقوى في البلاد، أعني جبهة التحرير الوطني المسنود من الرئاسة ومن المؤسسة العسكرية ذات اليد الطولى في الجزائر.

ويبدو أن كثيراً من المراجعات قامت بها الحركة الإسلامية السياسية بعد التجربة القاسية التي مرت بها الجزائر أو ما يعرف بـ»العشرية السوداء»، حيث انتهزت الأحزاب الإسلامية الفرصة للقيام بمراجعات جذرية في فكرها واستفادت من المصالحة الوطنية مع الرئيس بوتفليقة، وانحازت إلى الاعتدال والوسطية، مستفيدةً من نجاح تجربة حركة النهضة التونسية وتجربة حكومة عبد الإله بنكيران في المغرب، وكذلك من التجارب الفاشلة للإسلاميين في كل من مصر وبدرجة أقل ليبيا.

ويعوّل الإسلاميون في الجزائر على نزاهة الانتخابات لتحقيق المركز الثاني في المجلس الوطني؛ إذْ لا تحتفظ الذاكرة الانتخابية الجزائرية بشيء ذي بال في مجال النزاهة والشفافية؛ فالكثير من المواعيد الانتخابية السابقة مطعون في شرعيتها. حتّى أنّ الكاتب الجزائري الأخضر رابحي يرى أنّ حظوظ الإسلاميين تبقى مرتفعة جداً ما لم تقع عملية تزوير واسعة.

أمّا القاعدة الانتخابية فهي لم تنسَ بعد ما ترتّب عن فوز الإسلاميين في العام 1991، حيث كانت أيام التحضير للانتخابات عصيبة ومتوترة، ومعظم الناس يتوقعون في كل لحظةٍ اندلاع الصدام بين إسلاميين متعطشين للحكم، ونظام لا يمكن أن يتنازل عن نمط حكم بناه منذ عقود. ثمّ كان ما كان ممّا لا يمكن أن يمّحي من الذاكرة الجزائرية، كانت العشرية السوداء. وبناءً عليه فإنّ إقبال الناخبين الجزائريين على اختيار القائمات الممثلة للأحزاب الإسلامية لن يكون بذلك القدر المتوقع حتى في ظلّ عمليات فرز شفافة لأصوات الناخبين.

أمّا التحدي الثاني لهذه الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، ولعموم العملية الانتخابية، فهي إقناع الرأي العام الجزائري بجدوى انتخابات يراها معظم المعارضين، وخاصة اليساريين، كغيرها، عديمة الفائدة، بل دعا 12 معارضاً بين رئيس حزب وناشط سياسي إلى مقاطعتها، معتبرين أن هذه الانتخابات ليست سوى مرحلة من مراحل استمرار النظام الحالي وتشبثه بالسلطة، واعتبروا أن الأرضية الحقيقية للانتقال الديمقراطي لم تتوفّر بعدُ. كما اعتبروا أن الشعب يئس من الانتخابات ومن احتمالات التغيير عن طريق صناديق الاقتراع؛ بل ربما اعتبروا أن هذه الأموال المصروفة على الانتخابات تبذير لأن النتيجة معلومة قبل انطلاق الانتخابات.

فهل ينجح الإسلاميون في استدراج أعداد كبيرة إلى صناديق الاقتراع؟ وهل سترضى المؤسسة العسكرية بنتائج الصناديق إن هي مالت من جديد لفائدة الإسلاميين «الجدد» في الجزائر؟ أم أنّ حليمة لا يمكن أن تتخلى عن عادتها القديمة؟

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 5337 - الإثنين 17 أبريل 2017م الموافق 20 رجب 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 6:50 ص

      موضة أم حقيقة
      استحداث هيئة عليا مستقلة تكلف برقابة الانتخابات، وهي هيئة تتمتع بالاستقلالية المالية والاستقلالية في التسيير،
      ذلك ما سوف تؤكده الأيام القادمة

    • زائر 3 | 2:59 ص

      في أعتقادي، الإسلامويون لا يمكن أن يخدعوا الشعب الجزائري مرة أخرى في التسعينات أطر الجيش التدخل وإلغاء نتائج الانتخابات وخوض حرب العشرية السوداء ضد الإرهابيين الإسلامويين، مع ذلك لابد من ضخ دماء جديدة في السلطة بالانفتاح على المعارضة اليسارية التي هي بنفس توجه السلطة لقطع الطريق أمام التيار المتأسلم.

    • زائر 2 | 1:07 ص

      سألت:
      "فهل ينجح الإسلاميون في استدراج أعداد كبيرة إلى صناديق الاقتراع؟ وهل سترضى المؤسسة العسكرية بنتائج الصناديق إن هي مالت من جديد لفائدة الإسلاميين «الجدد» في الجزائر؟ أم أنّ حليمة لا يمكن أن تتخلى عن عادتها القديمة؟"
      نعم سينجحون لأن المقاربات الأخرى أثبتت فشلها وسيبققى الأمل معقودا عند أطياف واسعة من الشعب في الوسطية والاعتدال التي يتحلى به قادة الأحزاب...

    • زائر 1 | 12:38 ص

      بالنّسبة إلى الإسلاميين فقد كشف الشعب الجزائري زيف طروحاتهم لذلك لا نخاله يسقط في شراكهم.

اقرأ ايضاً