العدد 5341 - الجمعة 21 أبريل 2017م الموافق 24 رجب 1438هـ

دعوة مفخّخة

مهدي عبدالله - قاص و مترجم بحريني 

تحديث: 12 مايو 2017

كنت في طريقي إلى محل الصرافة الواقع في أقصى الشارع بعد أن أوقفت سيارتي في الموقف العمومي القريب. كانت الشمس حامية قليلاً لكن لا بأس من المشي لمسافة بسيطة وحرق بعض الدهون. توغلت في الشارع الرئيسي ووصلت إلى السوق التي كانت في الماضي مسقّفة لكنها لم تعد الآن كذلك وحلّت محلها المتاجر ذات الواجهات البرّاقة والسلع التي تسيل اللّعاب، على رغم قلة المتسوقين.

رحت أتأمّل تلك المتاجر وأستعيد ذكرياتي مع هذا الشارع الذي كان في يوم ما أهم صرح تجاري وسياحي في البلاد. اليوم الناس هجروا التسوق في المحلات المفتوحة واتجهوا إلى المجمعات التجارية الضخمة، حيث يتوفر كل شيء، ووفّروا على أنفسهم مشقة المشي وتصبب العرق، واللهث من محل لآخر.

وبينما أنا مستغرق في تأملي استوقفني فجأة شاب وسيم الطلعة، ذو وجه باسم، رحّب بي قائلا: هلا ولد عمي.

قلت وأنا أستنكر معرفتي به: أهلا بك.

- حيّاك تفضل عندي.

إذن هو يعرفني لكنني لا أتذكره. دقّقت النظر في ملامحه واعتصرت مخّي لكي أخرج بنتيجة لكنه لم يمهلني: تفضل ويّاي. عندي شقة واسعة قريبة.

- مشكور. عندي شغل.

بيد أنه ألح: حيّاك تقهوى معاي واستمتع... عندي بنات شقراوات رشيقات يعملون لك مساج ويريحونك على الآخر.

آه... الآن عرفت! هذا الشاب قوّاد يبيع المتعة المحرّمة ويتصيّد الزبائن لبنات الهوى. أذهلتني جملته الأخيرة. ارتفع ضغطي. تعساً لهذا الزمن! تأسّيت لحاله وحال أمثاله من الشباب الذين يسلكون هذا السبيل، ويوقعون ضعاف النفوس في حبائلهم.

كنت قد رجعت قبل يومين من السفر، بعد زيارة الأماكن المقدسة، هناك تطهرت من ذنوبي وعدت نقيّا بقلب شفّاف وصفحة بيضاء جديدة، مصمما على هجر كل ما يغضب الله والالتزام بالطريق القويم. لكن هذا الشاب الواقف أمامي يحاول الإيقاع بي وجرّي إلى الوحل. أعوذ بالله. كيف أتصرف معه؟

دار بخلدي أن أنصحه وأوجهه إلى التخلّي عن هذا المسلك المُشين، واتباع صراط الخير. ثم راودتني فكرة الإبلاغ عنه في مخفر الشرطة لكي يأتون ويلقون القبض عليه ومن معه. أجل، إنهم يستحقون ذلك، بل أكثر.

- ويش قلت ولد عمّي.

- مشكور.

- طاوعني يا صديقي. ما راح تتأخر.

- مرة ثانية إن شاء الله.

تركته وواصلت سيري. ماذا لو تظاهرت بالموافقة وذهبت معه إلى الشقة وتعرفت على موقع الوكر و»العاملين» فيه، ثم أتعلل بالانصراف لضيق الوقت، وأتوجه مباشرة إلى المخفر.

لا، لا... لن أستطيع التخلص من هذا الفخ إلّا بعد أن يسلبوا نقودي ويوقعوا بي.

مشيت وأنا ما زلت مذهولا. لا بد أن أفعل شيئا. أجل، يجب أن أتصرف.

«من رأى منكم منكرا فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، وإن لم يستطع فبقلبه، وهذا أضعف الإيمان».

دخلت محل الصرافة والفكرة لا تزال تهيمن على هاجسي. أنهيت مهمتي في غضون دقائق. خرجت وأنا مصمم على شيء.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:25 ص

      .... قد تنطبق قي دول اخرى و لكن ليس بهذه الطريقة هنا .. فهم لايستدرجون بحريني صراحة .. ....

اقرأ ايضاً