العدد 5345 - الثلثاء 25 أبريل 2017م الموافق 28 رجب 1438هـ

صندوق حاجي خُوداداد الخيري

حسين مدن comments [at] alwasatnews.com

ناشط اجتماعي ورئيس صندوق جرداب الخيري السابق

قبل أن نسترسل في الحديث عن القصة الممتعة لهذا الصندوق الخيري، يمكن القول بأنه منذ الخليقة وجميع الديانات، وخاصة الإسلامية، وكتب التاريخ والاجتماع تتحدث عن الخير والبر والمودة والرحمة بين الناس. وأن هناك من القصص الكثير التي تحتاج للمزيد من الدراسات لتضيء لنا الطريق بصورة أكبر، لكي ننهض بمجتمعاتنا الحالية ونُخلد الحضارات السابقة.

قديما في البحرين، وقبل تكوين مؤسسات العمل الخيري الحالية، فإن أعمال البِر والخير هذه تقوم على تكاتف وتعاضد الأهالي في القرى والمدن، في جمع الصدقات والمؤن الغذائية لمساعدة الفقراء، في المساجد والحسينيات، وفي المناسبات وفي صلوات الجمعة والجماعة.

في نهاية الخمسينات ومطلع الستينات، مع إصدار قانون التراخيص للجمعيات والنوادي في عام 1959، وُلدت مجموعة من المنظمات الأهلية تحت هذا القانون. في مطلع السبعينات والثمانينات، بدأت ولادة مؤسسات خيرية ولكن على هيئة لجان أهلية خيرية واجتماعية في معظم المدن والقرى، وفي النوادي الرياضية، كما هو الحال لبدايات الكثير من الصناديق الخيرية التي أنشأت لاحقا.

أما صناديق الخير، فقد تأسس بعضها في مطلع الثمانينات، ولكن تم إشهار أغلبها في عامي 1992/1993 رسميا بحسب القانون، كمؤسسات خاصة، قبل أن تتحول إلى جمعيات خيرية في يونيو/ حزيران2010.

نعود لقصة المقال. فقد أطلعني، مشكورا، أحد متابعي حسابي في الانستغرام، على إحدى الوثائق القديمة والمحفوظة أصلها في المكتبة البريطانية، والتي تم نشرها حديثا ضمن ملفات مكتبة قطر الرقمية. الوثيقة ضمن ملف يحمل اسم «صندوق حاجي خوداداد الخيري» ويعود تاريخه إلى 21 فبراير/ شباط1941.

أصل إنشاء هذا الصندوق، كما كُتب في مذكرات طاقم المقيمية السياسية البريطاني، هو «أن حاجي خوداداد بن محمد كان يعمل وكيلا للإمدادات في المحطة البحرية البريطانية في «باسعيدو Basidu» – جزيرة قشم عندما كانت الجزيرة محطة بحرية بريطانية. بعد رحيله في عام 1862 خَلَّف أصولا كبيرة، وكان قد أوصى بأن يكون ثلث أمواله للأعمال الخيرية، وبإنشاء صندوق خيري خاص، وأن «تُنفق أموال الصندوق على الجمعيات الخيرية. ولكن نظرا لعدم وجود جمعيات خيرية في البحرين في ذلك الوقت؛ فقد جرى تسليم المخصص السنوي البالغ 350 روبية إلى البريطاني رالف هولمز من مستشفى فيكتوريا التذكاري في المنامة، حيث تقرر استخدامه لمساعدة الفقراء في البحرين».

عَيَّنَ الحاجي خوداداد المقيم السياسي البريطاني وكبير رجال البحرية، لإدارة هذا الجزء من ممتلكاته. وقد رُفعت هذه القضية للمحكمة العليا في بومباي التي أَمَرَت بأن تكون هذه الأموال المقدرة بنحو 22 ألفا ومئتي روبية تحت إمرة الإداري العام في بومباي، والذي قام باستثمار المبلغ في سندات حكومية. كما توزع أرباح هذه الاستثمارات التي تقدر بـ 763 روبية سنويا من قبل المقيم السياسي نيابة عن الإداري العام، وذلك بحسب قرار المحكمة العليا الذي أمر «بتوزيع المبلغ أو جزء منه لشخص أو أكثر بحسب ما يراه هو مناسبا تفعيلا للوصية».

في البداية، صُرِفَت الأرباح من المبلغ المُستثمَر على صيانة مسجد المُوصِي، وصيانة خان المسافرين، وخزانات المياه في منطقة باسعيدو، وصدقات للعاملين في مسجده في منطقة لِنجة. وكذلك صدقات لخدامه ومبالغ أخرى تدفع للمآتم والحسينيات «روزاخاني» خلال شهر محرم الحرام. ولأن معظم سكان المنطقة التي كان يسكن فيها الراحل الحاجي خوداداد قد هاجروا إلى «ساحل عمان أو إمارات الساحل المتصالح» والبحرين؛ فإن المبلغ قد تم ترحيله لهذه المناطق للصرف على الاحتياجات الطبية وباقي الأعمال الخيرية هناك.

تتضمن الوثائق رسالة مؤرخة في 21 فبراير1941 من المقيم السياسي في القنصلية العامة لبريطانيا في بوشهري إلى الوكيل السياسي في البحرين يؤكد فيها تحديد مبلغ 350 روبية لتوزيعه في البحرين من قبل هولمز. ويطلب منه تقريرا عن كيفية استخدام هذا المبلغ في المستقبل واضعا في الاعتبار وصية حاجي خُوداداد التي تركزعلى الأعمال الخيرية.

تُبين الوثائق قوائم بأسماء الأشخاص في البحرين الذين دُفعت لهم المبالغ من الصندوق وبيانات بالنفقات التي دفعتها الوكالة السياسية في البحرين. وكذلك رسائل سنوية من حاجي بن رقية يطلب فيها ميراثه من تركة حاجي خوداداد، تليها تعليمات سنوية من المقيمية البريطانية تقضي بدفع 20 روبية هندية لحاجي بن رقية. كما توضح الوثائق مراسلات بخصوص إنفاق مبالغ في دبي من الصندوق بغرض شراء أسِرَّة لمستشفى دبي لاستخدام الفقراء هناك.

ما نتمنى أن نفهمه من هذه القصة وننفذه، هو أننا في هذا الوقت بحاجة لأكثر من «خوداداد»، وأن نعي تماما المفهوم المتعارف عليه إداريا واجتماعيا بـ «المسئولية المجتمعية» ونطبقه، وأن ندعم جمعياتنا الخيرية ونقلل من تقييدها بقوانين مُجحفة وصعبة التنفيذ، لننشر الخير والوُد في ربوع بلادنا، ولينعم فقراؤنا وأسرنا المحتاجة والمتعففة بحياة سعيدة أفضل.

إقرأ أيضا لـ "حسين مدن"

العدد 5345 - الثلثاء 25 أبريل 2017م الموافق 28 رجب 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 9:47 ص

      جميل أن تدخل السرور على قلوب الآخرين إذا احتاجوا لمساعده وتكفيك دعوة صادقة من شخص محتاج يسعدك الله بها . وكثر الله امثال حاجي خداداد عندنا .

    • زائر 5 | 6:57 ص

      يعطيك العافيه... في كل زمان آيه

    • زائر 3 | 2:03 ص

      لمحة تاريخية جميلة وعرض جميل لمبدأ المسؤولية الإجتماعية

    • زائر 2 | 12:52 ص

      الله يكثر الخيرين امثالك لمبادره طيبه للمحتاجين والفقراء والمتعففين

    • زائر 1 | 11:30 م

      انت حط في الصندوق واحنا بنقط معاك

اقرأ ايضاً