العدد 5346 - الأربعاء 26 أبريل 2017م الموافق 29 رجب 1438هـ

الوعد العصي...

عصمت الموسوي

كاتبة بحرينية

حضر سالم إلى مكتب الشركة مبكراً، هذا هو اليوم الموعود بإقرار الترقية والزيادة التي طال انتظارهما. سالم فراش الشركة القديم منذ كانت الشركة حلماً على ورق، لكنه مثل كل الموظفين الآخرين حين يطلب ترقية، فلا يجد إلا الصد والتلكؤ والتبريرات عن انخفاض إيراد الشركة، واضطرارها إلى انتهاج سياسة التقشف. يلجأ سالم إلى حيلة أخرى كالتودد الزائد والتفنن في تقديم الشاي والقهوة لرئيسه، يضيف إليها النكهات من هيل وماء زهر وزعفران، يجلبها من بيته وعلى حسابه الخاص، وماذا يملك فراش بسيط من مهارات غير تلك؟ بهذه الوسيلة يضمن سالم ألا يتم الاستغناء عنه وقد ينال ما وُعد به.

دخل سالم المكتب حاملاً صينية القهوة في ذلك اليوم الموعود مسرعاً، في اللحظة التي كان فيها رئيسه يهم بالخروج، اصطدما بقوة فاندلقت القهوة على ثوب الرئيس، سارع الأخير إلى دورة المياه لغسلها، وهو يزبد ويرعد ويتوعد؛ نظراً لتأخره عن موعد مهم، عاد مبللاً ومبقعاً، رمق سالم بنظرة قاسية قائلاً: سأغسل الثوب، فإن زالت البقع كان بها، وإلا فلي معك تصرف آخر.

انتظر سالم الصباح بفارغ الصبر، صلى ودعا ربه ألا تكون هذه البقع سبباً في تأخير استحقاق انتظره طويلاً. دخل سالم مكتب الرئيس في اليوم التالي حاملاً صينية القهوة، بادره الرئيس بالقول: أخذنا الثوب إلى المغسلة لإزالة البقع، فإن لم يعد ثوبي لسابق عهده فانس موضوع الزيادة. أومأ سالم برأسه موافقاً، وأضاف الرئيس: «هل تعرف كم يبلغ سعر المتر الواحد من هذا القماش؟ إنه يفوق مبلغ الزيادة التي طلبتها في 10 أعوام».

انتظر سالم عدة أيام، وفي كل صباح يبادر رئيسه بالسلام والسؤال عن الثوب المبقع إلى أن صارحه الرئيس بالقول: «أخذناه إلى جهة متخصصة في إزالة البقع». تساءل سالم هل يكذب رئيسه عليه؟ وهل تحوّل الثوب المبقع إلى مسمار جحا وحجة مشروطة للتملص من وعد الزيادة، وكيف له أن يتيقن من أمر الثوب المتسخ، وكل أثوابه بيضاء وذات تصميم واحد، هل في الأمر مؤامرة؟

بدا سالم مستسلماً لقدره وغير قادر على تفسير ما حدث، لم يخسر سالم الزيادة فقط؛ بل خسر أمانه الوظيفي أيضاً، وتلطخ ملفه بتلك الواقعة السوداء في ذلك اليوم الأغبر، يوم تبقيع الثوب الأبيض بالقهوة السوداء. اختفت نظرات الحنو والطيبة والرضا من محيّا الرئيس. هيّأ سالم نفسه لاحتمالات شتى كلها سلبية، منها معاقبته أو خصم جزء من راتبه أو طرده عقاباً على فعلته.

دخل سالم المطبخ كعادته في كل الصباحات. أعد القهوة المعتادة، وقدّمها إلى الرئيس الذي بادر إلى سؤاله ما هذه الرغوة البيضاء على سطح الكوب؟ أجاب سالم: إنها نوع جديد من البهارات التي لا تترك أثراً ولا بقعاً سيدي. سأله: ومن أمرك بإضافة البهارات؟ ردّ سالم: لقد كنت تفضلها دوماً بالبهارات. فأجابه: ذاك كان قبل تبقيع ثوبي (أجاب الرئيس). - وهل تريدها سادة مرة أخرى؟ صمت الرئيس.

خرج سالم من المكتب في ذلك اليوم منتشياً بالانتقام فحسب، فهو خاسر في كل الأحوال، ولن يحصل على الزيادة قبل عام أو ربما يزيد، وربما إذا حلّ موعد الزيادة فقد يتعذر الرئيس بالاستغناء عن الشاي والقهوة لأسباب صحية أو مزاجية أو تقشفية، ومن المحتمل أن يزعم الرئيس بأنه خسر ثوبه الثمين إلى الأبد، فتصبح وظيفة سالم كلها مهددة وليست ترقيته فحسب.

قد تسألون ما هي أخبار الثوب المبقع؟ وهل نجح الغسيل المتخصص في إعادة الثوب إلى سابق عهده؟ ذلك سؤال مهم؛ لكن سالم توقف عن طرحه خشية سماع ما لا يرضيه، وحسبه أن ينتظر، إذ ربما تجود عليه الأقدار بواقعة أخرى قد تسهم في تبييض العلاقة بينهما أو الذهاب إلى خيار آخر.

إقرأ أيضا لـ "عصمت الموسوي"

العدد 5346 - الأربعاء 26 أبريل 2017م الموافق 29 رجب 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 9:22 ص

      مرحبا بالسيدة عصمت
      اغلبنا مصاب بمتلازمة( لو احصل) التي ترهق تفكيرنا و ربما تشله عن اتخاذ تدابير و طرق تكون انجع للوصول الى الاهداف التي نسعى اليها.
      التمنيات و الاحلام مطلوبة و مشروعة لكن لا يجب ان تصل الى حد متلازمة (لو احصل) التي نعتبرها طوق النجاة من الغرقِ نعم قد تساعده او تدعمه على المستوى القريب ان لم يبذرها في شراء ما لا نفع منه كما هو حاصل لمعظمنا
      التفكير الحر و الخلاق خارج نطاق المألوف هو مفتاح قفل المستحيل و العمل الصالح يرفعه
      التملق ينفع مؤقتا فقط و ربما يضر لا ينفع
      د.حسن الصددي

    • زائر 8 | 5:48 ص

      قصه متميزه شكر لكم(جعفر الخابوري

    • زائر 7 | 5:25 ص

      مرحبا بالسيدة عصمت
      اغلبنا مصاب بمتلازمة( لو احصل) التي ترهق تفكيرنا و ربما تشله عن اتخاذ تدابير و طرق تكون انجع للوصول الى الاهداف التي نسعى اليها.
      التمنيات و الاحلام مطلوبة و مشروعة لكن لا يجب ان تصل الى حد متلازمة (لو احصل) التي نعتبرها طوق النجاة من الغرقِ نعم قد تساعده او تدعمه على المستوى القريب ان لم يبذرها في شراء ما لا نفع منه كما هو حاصل لمعظمنا
      التفكير الحر و الخلاق خارج نطاق المألوف هو مفتاح قفل المستحيل و العمل الصالح يرفعه
      التملق ينفع مؤقتا فقط و ربما يضر لا ينفع
      د.حسن الصددي

    • زائر 6 | 4:41 ص

      بعض الشركات أرباحها بالملايين ورؤسائها بخلة لدرجة أن الموظف المسكين يتقاعد وهو لم يرى زيادة في راتبه ولو لمرة واحدة !

    • زائر 5 | 4:16 ص

      مسكين ياسالم مثلي راتبي يفشل في شركة مشهورة ومرموقة طالبت بزيادة ويعطونه إياها بالقطارة عشان لا ننزهق وانموت ويوم عطوني درجة وزيادة حتى ٥٠ دينار ما وصلت والحين أنتظر اليوم الي أكمل سنوات التقاعد المبكر وقريب ان شاء الله. أداوم على هذا الأمل

    • زائر 4 | 2:18 ص

      جميل جدا ويتكلم بأكثر من مستوى

    • زائر 3 | 12:06 ص

      مادري ليش سالم ما يفنش ويشتغل صباب قهوة عند احد ثاني!!!

    • زائر 2 | 11:03 م

      قصة جميلة بس ويش نهاية القصة عطوا ابو السلم زيادة ولا لا

    • زائر 11 زائر 2 | 9:31 م

      ماراح يعطونه لأنهم ايس عليهم حسيب و لا رقيب بل سيزيدون الإستقطاعات من راتبه بحجج واهية. نسوا الله فأنساهم أنفسهم

    • زائر 1 | 10:03 م

      مسكين سالم.
      لا خيارات اخرى امامه يا استاذة عصمت.

اقرأ ايضاً