العدد 5348 - الجمعة 28 أبريل 2017م الموافق 02 شعبان 1438هـ

قريشي: الطبقة الوسطى البريطانية أكثر عنصرية الآن من أي وقت مضى

تطرَّق إلى أبْلَسَة الآخر في حديث مع «الغارديان»...

قريشي مع عائلته
قريشي مع عائلته

لا تبدو صادمة الأفكار والآراء التي أدلى بها الكاتب والروائي البريطاني من أصل باكستاني، حنيف قريشي، في لقاء أجراه أليكس كلارك، من صحيفة «الغارديان»، يوم الجمعة (21 أبريل/ نيسان 2017)؛ وخصوصاً رأيه في الطبقة الوسطى البريطانية التي قال عنها إنها أكثر عنصرية الآن من أي وقت مضى. ومن أرضية لمس فيها كثيراً من الشواهد، يعتقد قريشي بأن بريطانيا خرجت منذ زمن من عصر الهويات المتنوِّعة.

في كثير مما كتب قريشي ثمة مقاربات يقدِّمها؛ سواء في الأعمال الروائية أو قصصه القصيرة، أو حتى من خلال اللقاءات الصحافية، وكذلك في تجربته السينمائية، ترتبط بالاندفاع نحو الانسلاخ من الهوية الأولى: التبرّؤ منها، باتجاه هوية هي اليوم في جغرافيتها ترفض الآخر، وتقصيه، وتصنِّفه وتعمل على أبْلَسَتِه. فلا التخلّي عن الهوية أتاح قدراً من التماهي مع الهوية الجديدة، ولا الهوية الجديدة تفتَّقت عنها أعمال ذات جدوى وإضافة؛ إذ ظلت تحوم في فضاء الهوية الأولى وتعبِّر عنها من خلال شرائح ونماذج مختلفة، وإن بتحايل يمكن تمريره على كثيرين.

في الحوار نفسه تحدث قريشي عمّا يتعرض له الإسلام من وصمه بالرجعي والعنصري، ذلك الكاره للمرأة وللمثليين أيضاً.

يسجِّل كلارك انطباعاته ما قبل اللقاء المتفق عليه، مشيراً إلى أنه التقى قريشي بعد الظهر؛ حيث بدا متشائماً على نحو ملائم. يومها كانت السماء داكنة، والرياح تحوِّم انعكاساً للطقس السياسي في البلاد. في وستمنستر، رئيسة الوزراء تيريزا ماي مشغولة بتداعيات المادة 50، وتحقيق إرادة الشعب البريطاني (وقّع قادة الاتحاد الأوروبي على معاهدة لشبونة، يوم 19 أكتوبر/ تشرين الأول 2007 في العاصمة البرتغالية، ودخلت حيِّز التنفيذ يوم الأول من ديسمبر/ كانون الأول 2009. وتُحدد «المادة 50» من المعاهدة سُبُل انسحاب إحدى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بشكل طوْعي، ومن طرف واحد، وفقاً للمتطلبات الدستورية الخاصة بها؛ وهو حق للأعضاء لا يتطلّب استخدامه تقديم أي تبرير له، كما هو الحال بالنسبة إلى بريطانيا التي قررت -بناء على استفتاء شعبي نظمته يوم 23 يونيو/ حزيران 2016- الانسحاب من الاتحاد). ويضيف كلارك (قليل ما عرفناه، طبعاً، حول ما هي الاضطرابات التي يُمكن لها أن تبرز في المستقبل، مع الانتخابات المبكِّرة التي دعت لها ماي خلال الأسبوع الجاري). في الوقت نفسه، اتفقنا -أنا وقريشي- على الالتقاء في متجر ببراسيري جولي في شيبيرد بوش، غرب لندن. ارتشف من كوب أحمر، فيما شربت الإسبرسو جرعة واحدة، وعلى رغم طبيعة اليوم الباعثة على التشاؤم، هنالك أمر أوروبي مُبهج حول المشهد بأكمله.

ها هو هنا، يشير -بخليط من المتعة- إلى «النخبة الممقوتة»، كما لو أنها هي أساساً في اللبِّ من البذاءة، باحتلالها هوامش مُضادّة للثقافات. ولكن في ختام حديثنا، عندما سألته عمّا إذا كان هناك أي شيء يرغب في الإطناب فيه، لحظتها أصبح أكثر تركيزاً وأكثر دقةً: العنصر كما يقول، هو الأمر الذي يفكّر فيه ويقلق بشأنه أكثر من أي أمر آخر. يشير إلى بريطانيا أيام شبابه وبلوغه سناً مبكّرة (هو الآن في الثانية والستين من عمره)، والتي رسمها بشكل ملحوظ في الأعمال المبكّرة مثل «محل الغسل الجميل» وهي روايته الأولى وأصدرها في العام 1985، وتناول فيها علاقة مثلية بين باكستاني وبريطاني أبيض، حوَّلها إلى سيناريو أتاح له الدخول إلى عالم السينما ومن ثم ترشيحه لجائزة الأوسكار لأحسن سيناريو للعام 1985، هنالك عمله «سامي وروزي» وكذلك روايته «بوذا الضواحي» التي أصدرها في العام 1990، وهي أقرب إلى السيرة الذاتية، ولأثرها الذي حققته، عُدَّت من الكلاسيكيات، وتم إقرارها ضمن منهج المدارس البريطانية.

يتذكَّر قريشي والده، رافيوشان، الذي جاء إلى هذا البلد من الهند، عبر باكستان، وكان في العشرينات من عمره، وتزوّج امرأة إنجليزية تُدعى أودري، وأنجبا طفلين في بروملي، جنوب لندن؛ احتفى قريشي بعلاقتهما في مذكّراته العام 2004، وعلينا ألَّا ننسى هنا «أذني على قلبه» وفيها أعاد اكتشاف والده واسترجع حياته من خلال المخطوطات التي كتبها وبقيت مكدّسة أمامه، في إشارة دائمة على فشله. هاجمته شقيقته ياسمين لأنه صوّر والدهما عن غير حق، باعتباره شخصاً فاشلاً مثيراً للشفقة يظل بلباس النوم طوال اليوم «فكرة أنك كمهاجر تأتي إلى هنا بحثاً عن مصالحك ومنافعك، تستحوذ على النساء اللائي تريد، فيما أنت محاط بالكسل».

موضحاً قريشي بأن «المهاجرين هم أكثر العاملين الذين يبذلون جهداً كبيراً. ذلك ما كان يقوله أبي له، وأقوله لأطفالي كل يوم، فنحن لم نأتِ كي نجلس على مؤخراتنا. لقد جئنا هنا لكسب لقمة العيش، وخدمة هذا البلد، والعمل. لقد كان ذلك بمثابة صدمة كبيرة جداً لي ومخيّبة، وتركت أثرها المزعج في نفسي».

مضيفاً «لم أُصب فقط بخيبة أمل: كنت غاضباً من عدم الاعتراف بالدور الذي لعبته المجتمعات المهاجرة ما بعد الحقبة الاستعمارية «إن ثروة بريطانيا تأتَّت من الامبراطورية، وجئنا جميعا إلى هنا، إلى برادفورد، دخلنا في نظام التأمين الصحي، ونظام النقل، وكيف أن دول الكومنولث والإمبراطورية السابقة خلقت ثروة هذا البلد. أشعر بكثير من المرارة إزاء الكراهية المُوجّهة ضدنا على أساس عنصري، عندما خدمنا - واقعاً - هذا البلد. كره والدي فكرة أن الناس سيقولون عنه بأنه مهاجر - في نهاية المطاف - لم يكن شخصاً من مكان آخر، كان من الهند، والتي كانت جزءاً من الإمبراطورية البريطانية. انعدام الامتنان، أو الإحساس بالتاريخ، أن ثروة هذه المدينة العظيمة، وهي واحدة من أعظم المدن في العالم، تأتَّت من علاقات بريطانيا مع بقية العالم - أمر مروّع بالنسبة لي».

مشيراً إلى أن البلاد التي فكّر فيها كمكان للتسامح، بات - الآن - يخشى، من أنها أتاحت مساحة لشكل من أشكال العنصرية»، هنالك أبلسَة للآخر، والنظر إلى المسلمين على أنهم «متخلفون، ومُسيئون، عنصريون ، ومعادون للمثلية الجنسية»، «أعتقد أن جزءاً كبيراً من الطبقة الوسطى خسر مكانته حقاً. إنهم أكثر عنصرية مما كانوا عليه من قبل».

إنها صورة خانقة من التنافر المحلي، وتلاشي الحياة (...)».

يقول قريشي: «كلما تقدّمتَ في السن، وكلما أصبح أصدقاؤك في سن أكبر وأكثر عجزاً، فإنه ينتابك هذا الشعور بمغادرة الحياة، يشعر المرء بذلك من تلقاء نفسه، أن عليه ترك هذا العالم».

ضوء على مجموعته القصصية «الجسد»، تضعنا أمام اشتغاله الأثير على نفسه. يكشف ذلك الاشتغال عن إرهاصات الصراع مع حقيقة الهوية. الصراع حول أي هوية أتحرك وأتنفس بها. الهوية التي تقدّمني إلى العالم، أم الهوية التي أحياها واقعاً، من دون أن أخفي تبرُّمي منها. يقترب ذلك التبرّم مما يشبه العار، وليس بالضرورة أن يتم إشهار مثل ذلك الشعور. الأعمال ستتولى ذلك، وأحياناً بشكل فاقع وفاضح. يمكن الوقوف من خلال «الجسد» على تجسيد مر، وجارح أيضاً في الانتقال من «الأنا» والآخر» عن الجسد الآسيوي وسط الأجساد البريطانية واللسان (اللكنة).

ضوء لابد منه

ولد حنيف قريشي في أسرة من المهاجرين الباكستانيين، العام 1954 بمنطقة بروملي بإنجلترا. دخل عالم الكتابة في سنٍّ مبكرة، والتحق بجامعة لندن لدراسة الفلسفة، واضطر لإعالة نفسه بكتابة النصوص الجنسية تحت اسم مستعار (انطونيا فرينش). كانت له بداية متواضعة مع المسرح الملكي البريطاني، ليصبح بعدها كاتباً مقيماً بالمسرح، لتعرض أولى مسرحياته العام 1976 وكانت بعنوان «تبليل الحرارة». كتب في العام 1980 «الأم البلد» التي فازت بجائزة تلفزيون ثايمس المسرحية. منحته مسرحيته «خط فاصل» وتتناول مشاكل المهاجرين في العاصمة (لندن) شهرة واسعة العام 1981، لينجز في العام نفسه «ضواحي»؛ حيث عرضتا على خشبة المسرح الملكي. في العام 1984 دخل قريشي عالم السينما من خلال ترشيح أول سيناريو يكتبه (محل الغسل الجميل) لجائزة الأوسكار لأحسن سيناريو للعام 1985. في العام 1990 أصدر روايته، وهي شبه سيرة ذاتية «بوذا الضواحي»، وتقوم على حكاية شاب آسيوي يبحث عن هويته الضائعة في ضواحي مدينة لندن التي تمتلئ بالمهاجرين من المستعمرات البريطانية السابقة، وفازت بجائزة وايتبريد المرموقة للرواية الأولى. كانت له تجربة في الإخراج من خلال فيلمه «لندن تقتلني»؛ حيث قام بكتابة السيناريو، وركّز فيه على حياة الشوارع، وعصابات المخدرات في لندن.

في العام 1995 صدرت روايته الثانية «الألبوم الأسود» وتدور حول حياة شاب باكستاني الأصل يقع في معضلة الانتماء إلى أصدقائه المسلمين وحبه لصديقته البيضاء. وفي العام 1997، صدرت مجموعته القصصية الأولى وحملت عنوان «الحب في زمن الحزن». وفي العام نفسه صدرت روايته الثالثة «حميمية»، وتتناول قصة رجل يترك شريكته وابنيه منها الى امرأة تصغره بعقدين، وظهرت على الشاشة الكبيرة بالعنوان نفسه وفاز الفيلم بجائزة الدب الذهبي عن مهرجان برلين السينمائي العام 1999.

§ «بوذا الضواحي» عُدَّت من الكلاسيكيات وتم إقرارها ضمن منهج المدارس البريطانية.

§ رواية «أذني على قلبه» أعاد فيها اكتشاف والده واسترجع حياته.

§ كنت غاضباً من عدم الاعتراف بالدور الذي لعبته المجتمعات المهاجرة ما بعد الحقبة الاستعمارية.

§ انعدام الامتنان أو الإحساس بالتاريخ، أمر مروّع بالنسبة لي.

§ هنالك أبلسَة للآخر والنظر إلى المسلمين على أنهم متخلفون، مُسيئون، وعنصريون.

حنيف قريشي
حنيف قريشي
غلاف «بوذا الضواحي» - غلاف «أذني على قلبه»
غلاف «بوذا الضواحي» - غلاف «أذني على قلبه»




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً